ملتمس في غير وقته…
في الوقت الذي تشهد فيه قضيتنا الوطنية الأولى زخماً دبلوماسياً غير مسبوق، وتتوالى فيه الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، اختار عدد من الفاعلين الحقوقيين أن يوجّهوا ملتمساً إلى جلالة الملك يطلبون فيه إصدار عفو عن بعض المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة. وهي مبادرة مدنية تنبع من قناعة أصحابها، لا يمكن إلا احترامها من حيث المبدأ، غير أن الزمن السياسي الذي اختارته يجعلها تمرّ من منعطف ضيق أكثر مما تفتحه على أفق وطني جامع.
فالمغرب يعيش اليوم مرحلة دقيقة من تثبيت مكتسباته الاستراتيجية، بعدما نجح في نقل ملف الصحراء من خانة “النزاع المفتعل” إلى فضاء “الحل الواقعي” عبر الحكم الذاتي. وفي خضم هذا التحول، جاء الخطاب الملكي الأخير واضحاً في دعوته للمغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف إلى العودة إلى وطنهم الأم، مع ضمان كرامتهم وأمنهم، وهي دعوة ذات حمولة رمزية وإنسانية كبرى، تعيد ترتيب سلم الأولويات الوطنية حول الوحدة الترابية والاندماج الوطني.
في هذا السياق المعبأ بالإنجازات والتحديات، يبدو طرح ملف داخلي مثل عفو الحسيمة وكأنه لا يقرأ اللحظة بدقة، ولا ينسجم مع الإيقاع العام الذي يطبع المرحلة. ليس لأن العفو غير ممكن أو غير مستحق، بل لأن التوقيت والسياق لا يخدمان الرسالة، في وقت يحتاج فيه المغرب إلى تعبئة موحدة، لا إلى إعادة فتح جروح رمزية تتجاوزها البلاد بخطى واثقة نحو المصالحة والتنمية في كل ربوعها.
إن القضايا الوطنية لا تُقاس فقط بحسن النية، بل بحسن القراءة. والمبادرات، مهما كانت نبل مقاصدها، تحتاج إلى وعي باللحظة التاريخية. ففي وقت تكتب فيه صفحات جديدة من تثبيت السيادة المغربية على كامل ترابها، لا نحتاج إلى مبادرات تشتت التركيز، بل إلى توافق وطني يلتف حول الأولويات التي يرسمها جلالة الملك بوضوح وحكمة.
لقد ضاق المنعطف هذه المرة لأن البوصلة انحرفت عن اتجاهها الصحيح. فالأولوية الآن ليست في فتح ملفات رمزية، بل في ترسيخ مكاسب الوحدة الترابية، ودعم خطاب العودة والاندماج الذي وجهه الملك إلى كل المغاربة، داخل الوطن وخارجه.
ويبقى من الأكيد أن هناك مبادرات جادة وواعية بكل ملابسات السياقات والملفات للعفو على معتقلي حراك الريف ستكلل بالنجاح مادام أن ملك البلاد هو من يضمن مقومات الوحدة الوطنية وإدماج جميع بنات وأبناء المغاربة…