حين يلوذون للصمت فاعلم أن الوطن انتصر..
في كل عام، ومع كل أزمة أو لحظة صعبة تمر بها البلاد، تطفو على السطح أصوات النعيق التي لا تجيد سوى العزف على وتر التشاؤم، والاصطياد في الماء العكر. تلك الأصوات التي تلوذ بالصمت حين يحقق المغرب إنجازاً أو نجاحاً دبلوماسياً أو اقتصادياً، لكنها لا تتأخر لحظة في الظهور كلما خيل إليها أن البلاد تتعثر، أو أن حدثاً خارجياً يمكن استغلاله لتصفية حساباتها الصغيرة.
هذه الفئة لا تناقش، لا تبني، لا تقترح، بل تتلذذ بالهدم والتشكيك. تصرخ حين يشتد الحر، وتصمت حين يهطل المطر. لا وطن في خطابها إلا بمقدار ما يوافق نزعتها السلبية، ولا نقد في حديثها إلا بما يزرع الإحباط واليأس. تصرخ وتكتب حين تكون البلاد في امتحان، لكنها تختفي حين يكون الوقت وقت الاعتراف بالجهد والإنجاز.
والمفارقة أن هذه الأصوات تعيش من “الأزمات”، كأنها تتغذى من كل لحظة قلق جماعي. فحين واجه المغرب حملات التشويش الخارجية، لم تكن تبحث عن الحقيقة بقدر ما كانت تبحث عن ضوءٍ صغير تحت عدسة الكاميرا لتقول: “لقد قلنا لكم!”. لكنها لم تقل يوماً “لقد أخطأنا التقدير”، ولم تكتب يوماً عن نجاح أو تماسك أو استقرار، لأنها ببساطة لا ترى في الوطن سوى ما يُرضي مزاجها المعكر، وإن قالت “عفوا” فاعلم أن ما سيتلو أخطر وأفظع..
إنها ظاهرة منعطف ضيق بامتياز، لأن الأوطان لا تبنى بالضجيج ولا بالشماتة، بل بالنقد المسؤول والاقتراح المخلص. فحين تصبح المواقف موسمية، مرتبطة فقط بالمنحنى الهابط من الأحداث، يفقد الرأي معناه، ويتحول الصوت إلى صدى فارغ ينعق في الفراغ.
لقد أثبتت التجارب أن المغرب يمر من الصعاب أقوى، وأن ضجيج المتشائمين لا يصنع التاريخ، بل يعلق عليه من بعيد. أما الذين يشتغلون في صمت، في الميدان، في الدبلوماسية، في التنمية، فهم من يوسعون المنعطفات نحو الأمل، بينما أولئك العالقون في نعيقهم لا يرون من الوطن إلا ظله…