الفتنة التي تهدد مصر من الخلف
هل السودان مجرد واجهة لمؤامرة أكبر؟..

عبد العزيز الخطابي
في السودان، حيث يبدو أن السلام كلمة من قاموس قديم نسيها الجميع، يستمر التصعيد الدراماتيكي كمسرحية سيئة التأليف لا تنتهي. تخيلوا: أكثر من 20 ألف قتيل، معظمهم مدنيون أبرياء، و30 ألف جريح يئنون تحت أنقاض الخرطوم وأم درمان، حسب تقارير الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش حتى نهاية 2024. وكأن ذلك لم يكن كافيًا، نزح 10 ملايين داخليًا، وفر 2 مليون إلى تشاد وجنوب السودان ومصر، تاركين وراءهم اقتصادًا يغرق في مليارات الدولارات الضائعة. السؤال الجوهري هنا ليس فقط “لماذا الحرب الأهلية هذه والقتل الذي يشبه السباق نحو الصفر؟”، بل الأكثر إلحاحًا: أي الدول الخارجية أشعلت شرارة هذه الفتنة، ولماذا يتقاتل مسلمون في بلد يُدعى “أرض الإسلام” كأنهم في حلبة مصارعة دولية؟
تعود جذور النزاع إلى أبريل 2023، عندما تحول خلاف بين الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي من جدال سياسي إلى قصف جوي ومجازر أرضية، كأن السودان مسرح لفيلم هوليوودي رخيص. الثورة السودانية في 2019، التي أطاحت بعمر البشير، كانت الأمل في انتقال سلمي، لكنها خلقت فراغًا ملأته التوترات العرقية والاقتصادية حول الذهب وأراضي دارفور. ومع ذلك، إذا اعتقدتم أن الأمر داخلي بحت، فكروا مرة أخرى؛ التدخلات الخارجية هي الوقود الحقيقي الذي يحول هذا الصراع إلى حريق إقليمي، حيث يُتهم الجميع بدعم طرف أو آخر لأغراض تبدو أقرب إلى لعبة الشطرنج الجيوسياسية منها إلى الإنسانية.
أما السؤال الأعمق، الذي يجعل المرء يتساءل عن حكمة العالم: لماذا يتقاتل هؤلاء المسلمون – 97% من السكان – فيما بينهم، مخالفين وصية الإسلام بالوحدة كما في قوله تعالى “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”؟ الإجابة ليست دينية، بل سياسية واقتصادية سافرة: صراع على السلطة والموارد، يُستغل لأغراض قبلية وعرقية. لكن، في سخرية المصير، تبدو الدعاية الخارجية كأنها تحاول تحويل الفتنة إلى حرب صليبية معكوسة، مما يجعل الوحدة الإسلامية تبدو كحلم بعيد المنال، أو ربما مجرد كاريكاتير في صحيفة سياسية، وهناك أيد خفية تحرك الحرب من الحلف.
وهنا يأتي التحذير الأكثر إثارة للقلق: هذه اليد الخفية تستهدف السودان وحده؛ إنها تستهدف مصر من الخلف، كجار يُعد خط الدفاع الأول أمام أي عاصفة إقليمية، سواء نزاعات النيل أو تدفق اللاجئين أو شبح الإرهاب. إذا انهار السودان، فمصر تكون التالية في قائمة الفوضى، مهددة أمنها الحدودي والداخلي. وهذا تحذير للمصريين: استيقظوا، فالفتنة في الجار قد تكون بوابة لمخططات أكبر تهدف إلى إضعافكم، والدول التي تشعل النار اليوم قد تُطفئها غدًا – لكن الثمن، كالعادة، يدفعه الشعب، ومصر التي نعتبرها قلب الأمة العربية يجب أن تبقى في مأمن من الصراعات الحدودية والخلافات الجانبية بين الفرقاء، مصر يجب أن نحافظ عليها بكل ما نملك.