ليلى خزيمة
أزمور،كلمة أمازيغية تطلق على شجرة الزيتون البري. وجاء في دائرة المعارف الإسلامية: «إن مدينة أزمور تأسست على يد القبائل الأمازيغية في ناحية غنية بأشجار الزيتون البري (زمور)».
من أسمائها أيضا “تاديوغت” أو “تاديغت. يقول المستشرق والاثنوغرافي وعالم اللهجات الفرنسي إيميل لاووست أن اسم المدينة مركب ويتكون من العبارات التالية: “تاديوغآيت” ومعناها “قد أخذها” أو “قد اشتراها”.
وهذا التركيب نادر في اللغة الأمازيغية. ويقول أن هذا الاسم تحول فيما بعد إلى كلمة “تأزمورت” ثم “أزاموروم”. كما عُرفت أزمور في مرحلة حكم الأدارسة باسم “أزكور”.
واسمها يدل على شجرة الزيتون الذكر الذي يرمز إلى الأمن والسلام.
من أقدم وأعرق الحواضر المغربية، كانت أزمور عاصمة الإمارة البورغواطية خلال القرن الثامن الميلادي.تقع على الضفة اليسرى لنهر أم الربيع غير بعيد عن مصب النهر في المحيط الأطلسي. وكانت تمتد على مساحة جغرافية من مصب نهر أبي رقراق إلى نهر تانسيفت.
مدينة أزمور ضاربة في عمق التاريخ، إلى حد أنه ليس هناك إجماع من قبل الباحثين والمؤرخين على تاريخ بنائها، فمنهم من يرجعه إلى فترة الفينيقيين ومنهم من يقول الرومان.
هيكلة المدينة
يُحيط بالمدينة العتيقة لأزمور سور تاريخي بُني بالتقنية التقليدية المغربية المُعتَمِدة أساسا على التراب والجير،تصميمه شبه مستطيل يمتد على طول النهر.
يحده شرقا نهر أم الربيع، وشمالا غابة سيدي وعدود، وغربا شارع الزرقطوني الحالي، أما في الجنوب، فيحده مُنخفض طبيعي يقود إلى النهر. يعلو هذا السور التاريخي ممر للجنود من أجل الحراسة، وتُدَعِّمُه أبراج للدفاع والمراقبة وتخترقه أبواب يحمل كل منها اسما.
عَرفت المدينة ازدهارا علميا وفكريا متميزا في عهد السلطان أبي الحسن المريني الذي شيد بها مدرسة علمية على غرار باقي كبريات المدن المغربية آنذاك.
إلا أن هذه المدرسة اختفت ولم يعد لها أثر اليوم. احتل البرتغاليون مدينة أزمور سنة 1513م. ونظرا لشساعتها وصعوبة التحكم فيها، اختاروا الاستقرار بجزء منها وهو القصبة، وأنشأوا فيه البنايات الخاصة بهم وأبرزها معلمة القبطانية، مقر الحاكم البرتغالي.
كما قاموا سنة 1517م ببناء سور داخلي فاصل اسمه “أتالهو”، يمتد من برج “سان كريستوف”بالجهة الجنوبية الغربية للقبطانية إلى برج النهر المشرف على واد أم الربيع المعروف أيضا ببرج الطاحونة.
بهذا، قسم السور الداخلي المدينة العتيقة لأزمور إلى جزأين، جزء يُقيم فيه البرتغاليون، وهو الأصغر مساحة والمتجسد في القصبة، بينما حُوِّل الجُزء المُتبَقي والشاسع إلى بساتين للفلاحة وزراعة الخضر والفواكه. وقد تخلى المغاربة عن مساكنهم بهذا الجزء، على إثر الاحتلال البرتغالي للمدينة، فقام البرتغاليون بهدمها بشكل تدريجي واستغلال فضاءاتها كبساتين وكمراع لدوابهم.
أنشأ البرتغاليون في السّور الفاصل بابا يُعرف حاليا ب “باب القصبة القديم”. كان يعلُوه بُرج للمراقبة، وهو يُشكل نقطة الربط بين حي القصبة وباقي المدينة العتيقة لأزمور. واحتفظوا بباب واد الملاح، للرّبط بين المدينة وواد أم الربيع، وكذلك لتيسير إدخال المساعدات والمعونات التي يحتاجون إليها من خلاله.
كما قاموا بتحويل الجامع الأعظم للقصبة والمعروف حاليا باسم مسجد القصبة، إلى كنيسة لأداء شعائرهم الدينية. وقد استرجع هذا المسجد وظيفته الأصلية لاحقا بعد تحرير المدينة من الوجود البرتغالي سنة 1541م.
خلال فترة احتلالهم لأزمور، حفر البرتغاليون خندقا حول المدينة، من أجل تعزيز مناعتها وحمايتها من هجمات المغاربة، وكذا للتحصن من الأسود التي كانت تكثر في الغابات المحيطة بها. وقاموا ببناء أبراج عسكرية جديدة أبرزها برج “سان كريستوف” ذي الشكل الدائري عند الزاوية الجنوبية الغربية للقصبة.
كما قاموا بإجراء تغييرات على الأبراج المغربية القائمة، وأدخلوا تعديلات عليها كي تستجيب لمُتطلباتهم الدفاعية، حيث صمموا فيها فَتَحَاتٍ للمَدافِع على عِدّة مُستويات وزادوا في مناعتها، كبرج سيدي وعدود في الجهة الشمالية الغربية لسور المدينة. بينما احتفظوا بأبراج مغربية أخرى مقتصرين على تحويل فتحاتهاالضيِقة للرمي بالبنادق إلى فتحات واسعة تَسَعُ فوهات المدافع.
واحتفظوا أيضا بممرّ الحراسة لسور المدينة.
في عهد الدولة المرابطية، شهدت المدينة نشاطا دينيا مكثفا على يد كثير من المتصوفة أشهرهم مولاي بوشعيب. وفي سنة 477 هجرية، بعد الزيارة التي قام بها يوسف بن تاشفين لأزمور، انطلقت من مينائها 30 سفينة في اتجاه الأندلس للمشاركة في معركة الزلاقة ضد الإسبان.
تراث مدينة أزمور ومعالمها التاريخية
تزخر مدينة أزمور بمآثر تاريخية ومباني تراثية عديدة ومُتنوعة منها الأسوار والأبراج والأبواب، ومسجد القصبة والمسجد الكبير، وجامع الزاوية التجانية، وجامع الزيتونة، وجامع الزاوية البدوية، وجامع سي اخديم، وجامع الحفرة، ومسجد مولاي بوشعيب، ومسجد أبو النصر وكذا الزوايا الدينية التي يصل عددها إلى 14 زاوية والتي تعنى بتعليم القرآن وإقامة الشعائر الإسلامية، من أبرزها الزاوية التجانية، الزاوية الشاذلية، الزاوية الدرقاوية، الزاوية الغازية، الزاوية العيساوية، الزاوية الحمدوشية، الزاوية البدوية، الزاوية المختارية.
كما تعرف المدينة بحماماتها وأفرانها التقليدية، والسقايات، والأضرحة الإسلامية واليهودية كضريح الحاخام أبراهام مولنيس، ومنارة سيدي بو بكر، التي تقع على بُعد 8 كم من شمال مدينة أزمور، تحديدا قرب الساحل، وهي من المعالم التاريخية في المدينة.
وبالمدينة منازل تقليدية صغيرة وكبيرة، وأحياء سكنية قديمة كحي الملاح الذي كان مُخَصصا لإقامة اليهود، وأزقة مغطاة تسمى “الصّابات”، وكذا أحياء حرفية قديمة تصطفّ على جنباتها متاجر الحرفيين التقليديين لصنع وبيع منتجاتهم، مثل زنقة الدرّازين، وزنقة الخرّازين.
بالإضافة إلى هذا، تمتلك مدينة أزمور تراثا ثقافيا لا ماديا غنيا ومُتنوعا، يتمثل في الموروث الفني الأصيل الملحون ومن أبرز شعرائه الشيخ أحمد بن رقية، الشيخ الحاج بن مسعود الحجام والشيخ المكي بن الجيلالي.
وفي المدينة تقاليد وعادات ومعارف ثقافية واجتماعية وحرفية محلية متوارثة أبا عن جد، ومنها فنون الطّبخ وعادات الزّواج والعقيقة والختان وطقوس الاحتفال بالأعياد المختلفة، وصناعة الخزف والنسيج، وفن “الطّرز الزمّوري” الذي يختلف عن باقي أنواع التطريز بالمدن المغربية الأخرى، باعتماده على رسم الحيوان الأسطوري “التنين” إلى جانب رسومات حيوانية أخرى كالطاووس وأشكال هندسية ونباتية.
ولي مدينة أزمور بوشعيب السارية
لا يمكن الحديث عن مدينة أزمور دون ذكر وليها الصالح الذي يحج إليه الآلاف. فقد اشتهرت المدينة خلال نهاية العهد المرابطي وبداية الدولة الموحدية بشهرة الشيخ الصوفي أبي شعيب أيوب بن سعيد الصنهاجي المعروف محليا باسم مولاي بوشعيب.
وهو أحد أشهر أقطاب التصوف في تاريخ المغرب، وصلت شهرته إلى بلاد المشرق. ولد حوالي سنة 463 هـ بقرية في نواحي مدينة أسفي. ارتحل في طلب العلم إلى أغمات وفاس وأزمور، ويقال أيضا إنه ارتحل إلى الأندلس حيث اتصل بالقاضي عياض.
ومن أشياخه، في التصوف والعلم عبد الله بن واكريس الدكالي المعروف بسيدي بنور وأبو علي بن إبراهیم المسطاسي المعروف باسم سيدي علي بن غيث.
استقر مولاي بوشعيب في أزمور التي صارت قبلة للعلم والعلماء من مختلف أنحاء البلاد، ولقب بالسارية لكونه كان ينتصب كالسارية عندما يقوم للصلاة.
كان مولاي بوشعيب يقيم مع زوجته في بيته في أزمور، ولديه مسجد يقيم فيه الصلاة ويتعبد فيه.
استدعاه إلى مراكش سنة 1146 م الأمير الموحدي عبد المومن بن علي، لكي يمتحنه ويناظره قبل أن يتأكد من صدق ولايته ويُخلي سبيله.
كما قبل الأمير شفاعة الشيخ مولاي بوشعيب في نساء الأمير المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين ونساء أولاده، فوافق على إطلاق سراحهن.
واليوم يعد ضريح مولاي بوشعيب بأزمور من أشهر المزارات الدينية بالمغرب.
كان يا ما كان سمك مولاي بوشعيب بأزمور
من مميزات مدينة أزمور ثرواتها الغنية في البر والنهر. فقد عرفت المدينة منذ القديم بسمك “الشابل” أو كما كان يطلق عليه “سمك مولاي بوشعيب” كناية عن الولي الصالح الشيخ الصوفي مولاي بوشعيب. كان مذاق هذا النوع من “الشابل” مختلفا عن باقي الفصيلة عبر أنهار المغرب. ولشهرته، أصبح من الأصناف الراقية التي أقبل عليها التجار الأوربيون بشكل كبير. لكن للأسف انقرض هذا الصنف من السمك من الأنهار المغربية.
قال الدكتور سمير توفيق محمد في كتابه نهر أم الربيع وأثره على المجتمع الأزموري بالمغرب الأقصى في القرنين 15 و16 م، ص. 11: «ساق ابن الخطيب ملاحظته عن شابل أزمور قائلا:إن أزمور به شابل ليس له شبيه، ويُصطاد من نهر أم الربيع كميات هائلة منه تتجاوز المألوف.
ولوفرته، كان يباع بأرخص الأثمان، رغم جودته وتميزه. وكان التجار والصيادون، يرصدون مواعيد صيده من بداية موسم الخريف وتساقط الأمطار، حيث يبدأ هذا الموسم من أكتوبر وينتهي في شهر أبريل بحلول الربيع.
فيشد التجار والصيادون رحالهم إلى أزمور، لصيده أو شرائه لإعادة تسويقه في مدنهم. كما يذكر أنه كان يبتاع من خلال موسم صيده حوالي 150000 شابلة كل شهر، كما أكدت الوثائق البرتغالية من خلال الايصالات المتعلقة بأزمور… ويعد شهر يناير أفضل الأوقات لصيده، حيث يأخذ ثمنه في الارتفاع،ولذا يقال في أمثالهم: “شابل يناير يأكله أصحاب الشكاير”، أي الأغنياء. وشهرة هذا الصنف من الأسماك جعلت أزمور في إطار التجارة العالمية.
وأصبح على رأس صادراتها إلى المدن الداخلية المغربية كفاس ومراكش. فضلا على أنه كان يصدر منه كميات كبيرة إلى التجار الأوروبيين وخاصة الأندلسيين والبرتغاليين.
وأصبحت الضرائب المؤداة عنه تضمن لأزمورازدهارا كبيرا ودخلا هائلا».
مدينة أزمور هي ذلك الفضاء الواسع والتاريخ العتيق الذي اختلطت فيه الثقافات والمعتقدات واللغات والتقاليد، لترسم معالم المدينة المغربية وتجسد قيم التسامح والتعايش بين مختلف الأعراق والاجناس عبر التاريخ.