رضوان جخا باحث في الدراسات السياسية
قَبل الحديث عن القمّة الكورية_ الأفريقية الأولى بِملامِحِها المُشجّعة ، لابد من التّطرق أوّلا لِسياقها الجيو_استراتيجي الذي جاءَت فيه، والذي يُبرِزُ تَزايد الإقبال على القارة السّمراء، على غرار القمة الأمريكية_الإفريقية ،القمة الروسية _الأفريقية ،قمة تيكاد اليابانية، القمة الصينية_الأفريقية ،فَقِوى العالم أصْبحَت تَبْحثُ عن شراكات مع أقطاب القارة الأفريقية خصوصا مع ثرواتها الطبيعية وفضاءها الخصب للإستثمار ،فالعديد من الدّراسات تَتوَقّع بلوغ الإنتاج الإقتصادي الإفريقي تسع وعشرين مليار دولار في أفق سنة 2050، كما أنّ إفريقيا هي مستقبل الطاقات الشبابية، إذْ يَتوقع المنتدى الإقتصادي العالمي أنْ يَصلَ عدد سكان القارة الإفريقية إلى 2.5 ملياري ونصف نسمة بحلول عام 2050، مقارنة بـ 1.4 مليار نَسمة بِحلول سنة 2023، حيثُ يُشكّلُ الشَباب الذين تتراوح أَعمارهم مابين الثامنة عشر وخمسة وعشرين سنة أكثر من 60% من عدد السكان عامّة.
بِالتّأكيد هي أرضية مُحفّزة جَعَلت كُبريات دول العالم تعمل على فتح حوارات إستراتيجية مع القارة الأفريقية، فمثلا إذا نَظرنا لدينامية أقطاب شرق آسيا مع المملكة المغربية باعتبارها نموذجا لقوة إقليمية رائدة وبوابة لإفريقيا ، نجدُ بِأنَّ الصين الشعبية أَرسَت مع المغرب آلية إستراتيجية متعددة الأبعاد من خلال مشاركة المملكة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، كما أنّ حجم المبادلات التجارية بين البلدين ناهز 7 مليارات دولار خلال السنوات الأخيرة، كما أنّهُ مؤخرا عرف توقيع اتفاقية استثمارية بكلفة 12.8 مليار درهم بين المغرب والمجموعة الصينية_الأوروبية بُغيَة إحداث وحدة صناعية ضخمة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بمدينة القنيطرة، أمّا إذا انتقلنا لدينامية الشراكة المغربية_اليابانية فتتضح من خلال موقِفها الواضح من قضية الصّحراء المغربية، وكذلك إشاداتها المتواصلة بِشراكتها مع المملكة المغربية، فنحن نتحدث عن روابط تاريخية تجمع الأسرة الملكية بالعائلة الإمبراطورية اليابانية، وهذا ما أكدته وزيرة الخارجية اليابانية يوكو كاميكاوا حيثُ قالت “إنّ المغرب هو البوابة الرئيسية نحو السوق الأفريقية وحلقة وصل بين أوروبا وأفريقيا”، فاليابان والمغرب تَجمعهما العديد من مذكرات التفاهم، كما أنّ أزيد من 70 شركة يابانية تَستثمِرُ بالمغرب ، على غِرار الشّركات اليابانية الكبيرة الخاصة بصناعة السيارات بمدن الدار البيضاء القنيطرة وطنجة والتي تُساهم في خلق حوالي أربعين ألف منصبا للشغل، وهو معدل مهمّة جدا، كما أنّ المبادلات التّجارية بين البلدين تُشكّلُ حوالي %5 من المبادلات بين المغرب وآسيا ، مقابل ذلك تُمثّلُ مانِسبتُهُ %2.7 من مجموع المبادلات بين اليابان وأفريقيا، كما كان لليابان موقف مشرّف جدا بعد عدم مشاركة المغرب في قمة تيكاد الأخيرة، بعد الخرق البروتوكولي الفادح الذي وَقع، من الأقطاب الأسْيوية كذلك التي تَجمعها كذلك علاقات جيدة مع المملكة المغربية نتحدث عن الفلبين كقطبٍ أسيوي صاعِد.
إذا تعمّقنا في الحديث عنِ العلاقات المغربية_الكورية ،نستشِفُّ بِأنّها علاقات تاريخيّة بَدَأَت بِشَكْل غير مُباشر خلال الخمسينات من القرن الماضي عبْر مُشاركة الجنود المغاربة في الحرب الكوريّة، أمّا رسميا فقد انطلقت في يوليوز من سنة 1962 باعتبار المغرب أول دولة أفريقية تَفتَتِح قنصليّة بكوريا الجنوبية ، كما أنّ دينامية الشّراكة بَدأت تتبلور شيئا فشيئا بين الدولتين، وهذا ما أكّده الممثل الخاص للحكومة الكورية المكلف بأفريقيا هونغ جين ووك حينما قال بِأنّ” المملكة المغربية حاضنة إستراتيجية تربط بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط”، نفس الأمر أكّدَه رئيس مُؤسسة كوريا_إفريقيا وونكي ليو حيثُ أشاد بالإصلاحات التي يقوم بها الملك محمد السادس، كلّ هذه التّصريحات وغيرها مِن طرَفِ المسؤولين الكوريين الجنوبيين بَدأت ترى تنزيلها على أرض الواقع، إذ تمّ في شهر دجنبر من سنة 2018 توقيع رئيس حكومتي المملكة المغربية وكوريا الجنوبية ست إتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم بين البلدين في مجالات التعليم العالي والطاقات المتجددة والتكنولوجيات الجديدة، وفي يونيو 2024 تمّ توقيع ثلاث إتفاقيات بين وزير خارجتي البلدين ناصر بوريطة وتشو تاي يول في مجالات الضّمان الإجتماعي وتغيرات المناخ، إضافة إلى مَنح قروض من طرف الصندوق الكوري للتعاون لإنجاز مشاريع مرتبطة بالبُنى التحتية، كما وقّع كذلك وزير خارجية المملكة المغربية بوريطة ووزير التجارة والصناعة الكوري تشوينغ بيانا مشتركاً أَطلق مباحثات بين البلدين لإرساء إطار قانوني للتجارة والإستثمار بينهما في أفق اتفاق شراكة معزّزة ، فأهمية المغرب قاريّا تتضح جليّا من خلال ملتمسات عديدة لِكوريا الجنوبية المُلِحّة لإبرام اتفاقية شراكة تبادل الحر مع المغرب، وكان آخر هذه الملتمسات المُقدّمة من طرف وزير التجارة الكوري الذي إلتمس ذلك من الأمين العام لمنظمة التجارة الحرة الأفريقية لِدعم مساعي القوة الأسويَة الصّاعدة.
إنّ المملكة المغربية كما أكّد وزير الخارجية تعمل على تعزيز التّقارب الكوري _الأفريقي، “فَالمغرب جَعل مِنَ التّعاون والتّضامن جنوب_جنوب ركيزة إستراتيجية لسياسته الخارجية” ، لذلك فَالمغرب على غِرار جُلّ الدّول الأفريقية تَرغَب في إرساء شراكة إستراتيجيةمَعَ كوريا الجنوبية لِصالح تنمية الإقتصاد في إطار علاقات رابح _رابح، لكن وبكلّ مَوضوعية إذا قارنا العلاقات التاريخية التي تَجمع أفريقيا بِكوريا الجنوبية مع واقع الدينامية الإقتصادية نلاحظ أنّها لا ترقى لِمستوى التاريخ الذي يجمعهما، بالرغم من كونها شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الثلاث الأخيرة حيث بلغ حجم التجارة بينهما 20.45 مليار دولار أمريكي اعتبارا من سنة 2022، ما نِسبته تقريباً 1.4 من إجمالي التجارة الكورية حسب تصريحات نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة الكورية لي سيونغ، لكن هذه النسبة تبقى ضعيفة مقارنة بالإستثمارات الصينية واليابانية بالقارة الإفريقية، فكما قُلتُ سابِقا فالتاريخ يَشهدُ على عَراقَة العلاقات الكورية الأفريقية سواء من خلال مساهمات العديد من الدول الأفريقية في استقلال القطب الأسيوي على غرار المغرب ومصر وإثيوبيا، لِتنتقل لدرجة علاقات دبلوماسية رسمية مطلع السّتينات، ازْدادت متانة مع انضمام كوريا الجنوبية إلى صندوق التنمية الأفريقي سنة 1980، وبعدها انضمام كوريا الجنوبية لبنك التنمية الأفريقي سنة 1982، قوة العلاقات وصلت مداها خلال تنظيم سيوول للألعاب الأولمبية سنة 1988، بعدها أحدثت كوريا الجنوبية الوكالة الكورية للتعاون الدولي سنة 1991، ليُشكّل ذلك علامة متميّزة في تكريس العلاقات الكوريّة_ الأفريقية ،بعدها شهِدت تِلك العلاقات ركودا تدريجيا خلال العشرية التي تلتها، لكنها بَدأَت بِالتّمَظْهر من جديد سنة 2005 من خلال حصول كوريا الجنوبية على صفة مراقب في الإتحاد الإفريقي بدأ ذلك بالتأسيس لعلاقات جديدة، تَكرّست سنة 2006 عبر التزام كوريا الجنوبية بتقاسم خبراتها التنموية مع أفريقيا تَعزّز بالمبادرة الكورية لتنمية أفريقيا من خلال المؤتمر الوزاري للتعاون الإقتصادي الكوري _الأفريقي والمنتدى الأفريقي الكوري، انبثقت منهما منصتان أساسيتان للتعاون الكوري _الأفريقي، تكرّسَتْ أيضا بإنشاء المؤسسة الكورية_ الأفريقية التّابعة لوزارة الخارجية الكورية.
مِمّا لاشك فيه إنّ أيّة شراكات سواء كانت سياسة أو حتّى إستراتيجيّة فلا بدّ لها من ثِمار اقتصادية، فدولة كوريا الجنوبية بالطّبع لها أرباح تطمح تحقيقها عبر علاقتها مع القارة الأفريقية؛ سواء من خلال استيرادها للمواد الطبيعية التي تزخر بها القارة السمراء كالنّحاس والمعادن والغاز والنفط، كما أنّ السوق الأفريقية تُشكّل فضاءً خِصْبا ومُربِحاً للإستثمارات في شتى المجالات خصوصا القطاعات الحديثة مثل الطاقات المتجددة، الفلاحة ،صناعة السيارات والآلات الكهربائية فَنحن نَتحدّثُ عن قطب عالمي في هذا القطاع، فكوريا الجنوبية صَنعت حوالي 39.5 مليون سيارة سنة 2019 لِتحْتَلّ المركز السابع عالميا، كما أنّ حجم السوق الكوري في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والإتّصالات وصناعة الألعاب والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر بلغ سنة 2022 حوالي ستين مليار دولار أمريكي، بلْ إنّ شركة كورية واحدة عملاقة في مجال الاتصالات حققت وفي الربع الأول فقط من هذه السنة أرباحا قياسيّة بلغت تقريبا خمس مليارات دولار، هذه القوة وجب على القارة الأفريقية الإستثمار والاستفادة منها خلال شراكتها مع كوريا الجنوبية عبر عَقْد شراكات معها في مجالات رقمنة الإدارات والحصول على تقنيات رائدة في مجالات الإبتكار الإداري والبرمجيّات والقدرات الصّناعيّة، كما لا ننسى بأنّ القوة الأسْيَوية الصّاعدة تعتبر واحدة من أكبر خمس دول مُجهَّزة بتكنولوجيا محطات الطاقة النووية في العالم، وهذا من شأنه كذلك أنْ تستفيد منه الدول الأفريقية التي تعاني على مستوى شبكات الكهرباء، إذ نجد تقريبا حوالي 600 مليون شخص أفريقي لا يَصِلُه الكهرباء خصوصا دول كينيا، رواندا، تنزانيا، مالي وبوركينا فاصو… ،كما أنّ أفريقيا بِإمكانها الاستفادة من استثمارات الشّركات الكورية في قِطاعات البُنى التّحتية عبر دعم صندوق التعاون والتّنمية الإقتصادي الكوري، وهذا بالفعل بَدأ بالتّرجُم على أرض الميدان على سبيل المثال لا الحصر مساهمة كوريا الجنوبية في تَشْييد طريق سريع في إثيوبيا، وجسر فوق نهر بين زامبيا وبوتسوانا، زِدْ على ذلك جسر يمرُّ فوق مجرى نهري بأوغندا، كما لا ننسى مساهمة كوريا الجنوبية وهذا ما تتطرق إليه رئيس كوريا الجنوبية خلال كلمته الإفتتاحية للقمة الكورية _الأفريقية الأولى حيث أكّد على مُواصلة مساهمة بلاده في دينامية منطقة التّجارة الحرة الأفريقية، إضافة إلى المساعدات الإنمائية التي تقدّمها كوريا الجنوبية للعديد من الدول الأفريقية، على غِرار توسيع تعاونها في مجالات الطاقة والبنى التحتية والتّصنيع بِأفريقيا، وهذه كانت من بين القضايا التي ناقشتها القمة الكورية_ الأفريقية الأولى التي كانت تحت شعار “المستقبل الذي نبنيه معا : نمو مشترك، استدامة وتضامن”، أهميتها كانت في عدد الدول الأفريقية الحاضرة والذي بلغ 45 دولة إضافة إلى أزيد من 50 شركة أفريقية كبيرة، وكذا في عدد الإتفاقيات المُوَقّعة عَبْرها، حيث أعلن رئيس كوريا الجنوبية خلال هذه القمة عن مساعدات ودعم استثماري كوري يُناهز 10 مليارات دولار بِحلول سنة 2050، إضافة إلى مَنح 14 مليار دولار أمريكي من التّمويل للتصدير، هذا بالإضافة لِتَشجيع الشركات الكوريّة للإسْتثمار بالقارة الإفريقية.
إذا عُدنا كمثال صريحٍ على بداية تمأسس شراكة إستراتيجية بيْن كوريا الجنوبية وأفريقيا، نذكر العلاقات المغربية_ الكورية نموذجا ،حيث كانت المبادرة الملكية الأطلسية محط اهتمام وإعجاب القمة، وهذا من شَأنه أنْ يكونَ محط اهتمام كُبريات شركات أقطاب شرق آسيا على غِرار الصين واليابان، لِذلك جعلتها كوريا الجنوبية مِن بين نقاط القمّة خُصوصاً لِما لِلمبادرة الملكية من أهمية بِاعتبارها تَرمي إلى هيكلة فضاء جيو_استراتيجي سيضُخّ من استثمارات كبيرة بِالنسبة للدول الأفريقية الغير مطلة على المحيط الأطلسي مايَعني حَتمية تَزويدها بِشبكات السّكك الحديدية والطّرق السّريعة، لا ننسى كذلك الورش الإفريقي الضخم أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي المغرب_نيجيريا الذي يُعتبر رافعةً لِلتّكامل الإفريقي جنوب جنوب، سيمرّ عبر 13 بلدا إفريقيا في اتجاه الدول الأوروبية، ما يعني بأنّ المملكة المغربية تُشكل مركزاً سياسيا و اقتصاديا وبوّابة جوهرية للدخول لإفريقيا،هذا الأمر كان على لِسان وزير الخارجية النّيجيري حين قال بأنّ “المغرب رائد في عدّة مجالات وله دور رئيسي ومركزي في تعزيز العلاقات الكورية_ الأفريقية” ،كلّ هذه المؤشرات جعلت كوريا الجنوبية تجعل من المملكة المغربية قطبا رئيسيا قاريا لِذلك تم الاتّفاق على إطلاق الدورة الثامنة للجنة المشتركة المغربية الكورية، إضافة إلى الدورة السادسة للمشاورات السياسية بين البلدين،كلّ ذلك بُغية إرساء آلية حوار استراتيجي بين البلدين،فكوريا الجنوبية تعرف جيدا دور المغرب قاريا ،فنحن نتحدث عن علاقات متينة للمغرب مع معظم الدول الأفريقية، أزيد من 1500 اتفاقية مع أزيد من 43 دولة أفريقية تُكرس لتعاون إفريقي_إفريقي، بل إنّ المملكة المغربية هي من المساهمين الرئيسيين في تأسيس الإتحاد الإفريقي،كما أنّ مؤتمر الدار البيضاء سنة 1961 بمبادرة من الملك محمد الخامس هو الذي انبثق عنه ميثاق إفريقيا الجديدة، أمّا المملكة المغربية فهِي بدَورها تَعرِف جيدا قوة كوريا الجنوبية الإقتصادية والصناعية والتّكنولوجية التي جعلتها تحتلّ المرتبة الثالثة عشر من حيث أكبر اقتصاديات العالم سنة 2022، حيث وصلَ ناتجها الإجمالي نحو 170 تريليون دولار أمريكي سنة 2023، إذْ تعدُّ كوريا الجنوبية من أكثر الدول الصناعية عالميا، فَحجم صادراتها سنة 2022 بلغ 683 مليار دولار أمريكي.
خِتاماً إنّ الشّراكة الكورية _الأفريقيّة قد انطلقت أولى لبناتها الحواري مع هذه القمة التي أعلنت عن مبادرات استثمارية ميدانية قد تسير بها لدرجة شراكة إستراتيجية، وهذا ما يُوضحه التنافس الشّرس حول إفريقيا بين مختلف أقطاب شرق آسيا؛ الصين، اليابان ،كوريا الجنوبية، دون نسيان القطبين الدوليين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا، لكن مع كل هذا يجب على إفريقيا أن تستثمر ذلك إيجابا في تنميتها الشمولية والمندمجة وفق تصور استراتيجي_تضامني بينها يَستغلّ كل هذه المؤشرات والدّلالات ، في سياق دولي لا يُؤمِن إلا بعلاقات رابح_رابح.