ليلى خزيمة
للسنة الثالثة على التوالي، كان المنظمون والزوار على حد سواء في الموعد. فرغم درجة الحرارة المفرطة في بعض المدن ورغم فترة الامتحانات بجميع ربوع المملكة، شهدت ليلة المتاحف والفضاءات الثقافية التي تنظمها مؤسسة المتاحف الوطنية ومؤسسة حديقة ماجوريل ووزارة الشباب والثقافة والاتصال بشكل مشترك ليلة الجمعة الماضية، توافد العديد من الزوار المولعين بالفن. من الساعة السادسة مساء حتى منتصف الليل، كان لعشاق الفن موعد مع رحلة استكشافية عَبَروا خلالها إلى عالم الجمال والخيال وتجولوا عبر المتاحف والأروقة الفنية والفضاءات الثقافية دون مقابل. زيارات بُرمجت بمختلف المدن المغربية بما في ذلك وجدة، تطوان، طنجة، فاس، مكناس، الرباط، الدار البيضاء، آسفي، أزيلال، مراكش وأكادير. الغاية واحدة، متعة النظر والتعرف على إبداعات الفنانين والاستمتاع بشروحات المرشدين للاطلاع على ما وراء الابداع.
الهدف من تنظيم هذه التظاهرة حسب المنظمين هو ربط المواطن بالثقافة، فحدث: «ليلة المتاحف والأروقة الفنية دعوة مفتوحة لاكتشاف أو إعادة اكتشاف المعارض الحالية، والاطلاع على القطع الأثرية والإثنوغرافية، بالإضافة إلى الأعمال الفنية، وإبداعات الأمس واليوم التي تكشف أمام أعين الجميع ثراء وتنوع تراثنا».
تجمهر الزوار قبل ساعة الصفر أمام الأبواب للاستفادة من الدخول المجاني إلى هذه الفضاءات. وحرص القائمون على المتاحف والفضاءات الثقافية على تجهيز برامج ممتعة واستثنائية للزوار. فعمدت حدائق ماجوريل بمراكش مثلا إلى إعادة هيكلة الإضاءة وتسليطها على مختلف مكونات الفضاء من نباتات متنوعة وهندسة معمارية متفردة. كما حرص كل العاملين على تنظيم عملية دخول الزوار حسب الفترات لتمكين الجميع من الاستفادة من هذه الليلة. وجذبت أروقة المتحف الوطني للتصوير الفوتوغرافي ومتحف الأودية ومتحف بنك المغرب وكذا أروقة صندوق الإيداع والتدبير بالرباط، ورواق متحف محمد السادس للفن المعاصر والحديث وغيرهم، جمهورا كبيرا جاء للاحتفال بالفن والتعرف على الإبداعات الفنية الوطنية والدولية. واستمتع البيضاويون بالتجوال عبر مختلف المتاحف والفضاءات مثل دار الفنون ومتحف التراث اليهودي ورواق دار المرسم ومتحف مؤسسة عبد الرحمن السلاوي الذي كانت لنا فيه هذه الجولة الممتعة.
جولة خاصة
من بين الفضاءات الإبداعية التي تشارك منذ أول نسخة في ليلة المتاحف والفضاءات الثقافية، متحف مؤسسة عبد الرحمن السلاوي بمدينة الدار البيضاء. الجولة ورحلة الاستكشاف بين أروقة هذا الفضاء الفني الثقافي، تبدأ من موقع المتحف. فهو يتواجد بحي بنيت منازله في أربعينيات القرن الماضي حسب ما يسمى بأسلوب الآرديكو. فضاء لعرض التاريخ والتاريخ الفني، من خلال المخطوطات الأثرية النادرة، والحلي التقليدية والصور القديمة. المبنى عبارة عن ثلاث طوابق، خصص كل واحد منها لعرض تشكيلة متنوعة من التحف النادرة والتاريخية والصور واللوحات الفنية والرسومات في نسق جميل يمكن الزائر والسائح من التعرف أكثر على فن العيش. يقول محمد أمين سرحان، المنسق الثقافي للمتحف: «هذه المعلمة الثقافية تستقبل العديد من الزوار الذين يتوافدون عليها على مدار العام، حيث يأتي الزوار الأجانب في الصدارة، إلى جانب استفادة تلاميذ المؤسسات التعليمية من زيارات المتحف والأنشطة الموازية المقامة لفائدتهم».
افتتح المتحف أبوابه سنة 2012، عندما قررت عائلة المرحوم عبد الرحمن السلاوي، رجل الأعمال والمولع بالفن والأسفار وجمع التحف الفنية، مشاركة الآخرين التراث الفني الهام الذي جمعه عبد الرحمان السلاوي خلال أسفاره أو من خلال الاحتكاك بفنانين مغاربة وأجانب مشهورين. يغطي هذا المتحف مساحة 600 متر مربع موزعة على ثلاثة طوابق يربط بينها درج بدعامة حديدية مشكلة على الطراز المغربي الأصيل. زيارة أروقة المتحف هي نزهة حميمية داخل أعماق عاشق الفن والتراث، وسينوغرافيا المكان تقودك عبر مسارات استكشافية ترسمها الألوان الدافئة المتغيرة حسب الموضوع والبلد والحقبة.
تتضمن المجموعة الدائمة للمتحف لوحات لفنانين مغاربة كبار مثل الفنان العصامي محمد بن علي الرباطي أو فنانين عالميين مثل جاك ماجوريل، وملصقات فنانين مستشرقين من الماضي ومجوهرات مغربية، بالإضافة إلى العديد من التحف الأخرى التي تسعد عشاق الفن.
في مديح الأنوثة
هو أحد فضاءات معرض عبد الرحمن السلاوي الذي يعنى بتقديم تشكيلة من المعروضات الخاصة بالمرأة. مجموعة من القطع والحلي التقليدية الذهبية والفضية وكذا الألبسة النسائية التقليدية التي يعود تاريخها إلى حوالي مائة سنة. من أبسط قطع الزينة التي لها رمزيتها الثقافية والاجتماعية المتمثلة في قارورة كحل العين إلى قفطان “البهجة” الذي يقف شامخا بين قطع الحلي الأمازيغية العريقة والتي تشهد على حرفية الصانع.
العرض المؤقت المتجدد وأوراش العمل الفني
يحتوي متحف عبد الرحمن السلاوي على رواق مخصص للمعارض المؤقتة. يستضيف هذا الفضاء معارض عدة مرات في السنة لفنانين مغاربة معاصرين تتمحور إنجازاتهم الفنية حول الثقافة المغربية وتتفاعل مع قطع من المجموعة الدائمة.كما جعل متحف عبد الرحمن السلاوي من ورش العمل الفنية جزءا أساسيا من أعمال الوساطة الفنية الخاصة به. ورش العمل هذه لا تهدف إلى تعليم الناس عملية الإبداع الفني فحسب، بل تعمل أيضا على جمعهم معا ومساعدتهم على تقدير مجموعة معروضات المتحف بشكل أفضل. ومن بين هذه الورش، ورش الخط العربي التي تقدم كل يوم سبت للمشاركين فرصة حقيقية للتخصص في الكتابة المغربية.
المتحف في خدمة التربية والتعليم
يتوفر متحف عبد الرحمن السلاوي على برنامج تربوي على مدار السنة. هذا البرنامجالمخصص لتلاميذ المدارس يقدم ورشات فنية ينشطها أحد الفنانين المغاربة. أنشطة عمد الساهرون على إدارة المتحف على ترسيخها من خلال برنامج “ متحفي” المنظم بشراكة مع المعهد الفرنسي والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء سطات، والذي شرع منذ سنة 2022 في استقبال تلاميذ المؤسسات العمومية كل أسبوع، إلى جانب زيارات من مختلف الشرائح المجتمعية. يسعى برنامج “متحفي”إلى تعريف الشباب بالإبداع الفني بأشكاله المتعددة ومنحهم فرصة اكتشاف المتحف. أما الشريحة المستهدفة من خلال هذا البرنامج فهي تلميذات وتلاميذ المؤسسات العمومية وكذا الشباب الذين يتعلمون اللغة الفرنسية بالمعهد الفرنسي بالدار البيضاء. ومن خلال الرحلة الاستكشافية للمتحف التي يسهر عليها وسيط ثقافي يتواصل معهم بلغة تناسب مستواهم التعليمي، يطلب من التلاميذ البحث عن الكنز في إطارألعاب مسلية وأسئلة بيداغوجية معدة للاستفادة والمتعة. كما تستمتع هذه الشريحة من ورشات بيداغوجية ينشطها فنانون من المشهد الثقافي المغربي، بالإضافة إلى تجربة “مدرستي” المقترحة من طرف المعهد الفرنسي. هذه الورشات تجمع ما بين جلسة في المتحف الرقمي وورشة تصنيع ذات صلة بالموضوع المناقش.وقد صرحتالسيدة مليكة السلاوي، رئيسة مؤسسة عبد الرحمن السلاوي: «نسعى من خلال برنامج “متحفي”، إلى تعزيز انخراط ومشاركة تلاميذ المدرسة العمومية في الحياة الثقافية. فأكثر من 1000 تلميذ وتلمذة سيستفيدون من هذا البرنامج طيلة هذه الأشهر، مع تسطير هدف مستقبلي يتمثل في استقبال أكثر من 5000 تلميذ وتلميذة في كل سنة… نطمح إلى مضاعفة عدد المستفيدين والمستفيدات على المدى الطويل، وذلك لتمكين التلاميذ والتلميذات من الانخراط في الفن وأن تصبح مشاركتهم عنصرا مهما في التعليم. ولن يتحقق ذلك إلا بدعم قوي من المؤسسات العمومية والخاصة». وتابعت مليكة السلاوي أنه: «من خلال الإجراءات التي تسهر عليها المؤسسة، والبرنامج السنوي المرافق لها، سنستطيع استهداف أكبر عدد من الشباب وخلق روابط دائمة مع مختلف المؤسسات الثقافية والمدارس الابتدائية والمدارس الثانوية التأهيلية».
خطوة كريمة تعززها المشاركة في ليلة المتاحف. يقول محمد أمين سرحان المنسق الثقافي لمتحف عبد الرحمن السلاوي: «نحن سعداء للغاية بمشاركة متحفنا في نسخ ليلة المتاحف منذ بدايتها. فهي فرصة لنا للترحيب بالجمهور الذي لا يستطيع زيارة المتحف أثناء النهار، وهي أيضا تجربة خاصة لزيارة المتحف ليلا، فالأجواء في هذه الفترة من اليوم تكون مختلفة تماما، فالزوار يأتون مع العائلة أو الأصدقاء. وبشكل عام يقوم الناس برحلات قصيرة لزيارة أكثر من مكان في مدينتهم، كما أنها فرصة لنا لتسليط الضوء على معارضنا المؤقتة والمجموعة الغنية للمتحف الذي يحتفي بتراثنا وثقافتنا.»
تتيح ليلة المتاحف والفضاءات الثقافية التي تحتفل ببداية فصل الصيف، تتيح للجمهور من جميع الأعمار والمجالات فرصة الزيارة المجانية والاستمتاع. فكل خطوة تأخذ الزائر إلى مغامرة جديدة، وكل نظرة تمكنه من فرصة اللقاء مع التاريخ والفن والثقافة، وكل إبداع معروض هو دعوة للاكتشاف والمشاركة. وفي كل مرة، تحقق ليلة المتاحف والفضاءات الثقافية الغاية منها من خلال تشجيع الابداعات الشابة المغمورة كما هو الحال بالنسبة لرواق بنية آرتبالرباط الذي يعرض إبداعات الشباب المغمورين ويقربهم من الجمهور العاشق.أو رواق مريم حميش بالدار البيضاء الذي شارك هذه السنة في هذا الحدث المتميز، ليتيح للزوار فرصة إعادة اكتشاف معرضه الجماعي الحالي الذي يسلط الضوء على الرسامين والمصورين والخزفيين والنحاتين.