ذ. بوسيف طنان
ذأبت كل سنة الوزارة المعنية بالكتاب مع أغلب مديرياتها الجهوية والمحلية على التفعيل لتقليعة دولية إسمها: معاض الكتاب (المعرض الدولي – الجهوي والمحلي) وهي فكرة إن أصبحت تقليدا في أغلب بلدان الكتاب التي فهمت منذ زمان، يحسبان بأن للكتاب سوق تجارية تخضع لقواعد التجارة: التي تعمتدها كل الشركات المهتمة بالإنتاج، البيع والشراء، وتضع للعملية منهجية تسمى بدراسة الجدوى أولا، كمنطلق حتمي يبرر الهدف والحافز الموجب لخلق شركة أو مقاولة ما من الإنتاج إلى الاستهلاك، مثل هاته السوق السائدة في الدول الديمقراطية المراهنة على السوق والمستقبل التجاري والتوازن الإجتماعي التي يستلزمها خلقه في الداخل والخارج للعمل الجاد على خلخلة المنظومة الأخلاقية والتربوية والتعليمية ومن تم دخول سوق الريادة على مصراعيه الآني اللحظي والمستقبلي التاريخي، وبهذا تكون الدولة والمؤسسات التابعة لها والفاهمةللمنظومة الموجوب اتباعها قد فهمت أن العقل البشري: مجرد سوق كسائر الأسواق التجارية في الصالح يستلزمها تجويد الخدمة وخلق منتوج ريادي.
…….. يخدم الطرفين: البائع والمستهلك، والطرف الخفي الذي لا يتحدث عنه في الأغلب هو المنظومة: الدولة والحكومة والمجتمع بأسره، فمادامت هناك عقلية تفكر في المستقبل فمعناها أنها نفت كل الشوائب المضرة بالحاضر وبرمجت عقول أبنائها على السير نحو الموضة الفاعلة، المنتجة، الخدومة، السوية، لتحريك دواليب المجتمع والأمة على كل المستويات.
فالتعليم الجيد الحاصل على أعلى المراتب والمستويات على مستوى الترتيب الدولي يعني في العمق أن ثمة عقل مفكر مدبر قوي وتابع يدبر العملية التعليمية والتلقينيةبطرق تخدم العقل البشري النشأ على المستوى البعيد، ومن ثم يوحي بأن المنظومة قبليا كانت مؤسسة على نظم صالحة وليست فاسدة: تخدم الكاتب والكاتب، العقل المنتج والآخر المستهلك، فهل هذا ما حدث ويحدث وسيحدث في وطننا المستهلك للمهرجانات والمعارض البئيسية التي ترى الربح والربح لوحده ليس في العقل بل للدخل المادي الذي يحصل من مثلها تظاهرة: المقاهي، المطاعم، تجارة الماء والحلويات والمثلجات والتباهي بالمظهر والتظاهر بالصفة المنزوعة من العقل المتمثلة في اللقطة: أخذ صورة تذكارية لتنشر على صفحات التواصل الاجتماعي.
ان السؤال عن العائد او المردودية هو الموجوب طرحهباستمرار على الفرد والجماعة والهيئة المنتجة والمبرمجةلمثلها تظاهره تصدع رؤوس القابعين في البيوت أمامشاشات البث الإذاعي والتلفزي الكلاسيكي والحديث.
هل ثمة دراسات صحيحة ومعقولة، أقامهاالدارسين والباحثين للشأن الثقافي في المغرب والمهتمينبالثقافة والكتاب بصفة خاصة؟ طبعا لا. وحتى إنطلبت وانجزت ستكون صفتها الطاغية والعبثية بمثابهتطبيل للآمر بالصرف: منتج الحدث، على قرار العديد منالمهرجانات التي خبرناها وعرفنا أسرارها والغرض الحقمن خلقها والعمل على نصبها بين النصب التذكاريةالتي لا تدخل لجنة بقدر ما تؤدي للنار: في الحاضر.
العائد على الدولة لقطات تدخل سجل التاريخوالأرشفة للتبجح والتباهي بالحدث لا غير، وحتى في هذاالباب لن تجد كباحث الا الصور التذكارية وبعض منانتجته قنوات التطبيل من أصوات لا تفي بالغرض. لأنالعملية برمتها لم تخضع لعمليه قبلية تفكر في آلياتالتوثيق الحديقة المعتمدة في البلدان المحترمة لنفسها،فإن ذهبت كباحث لأي دولة استنسخنا عنها هذاالحدث، ستجد الأرشيف المنظم والمجموع نصب أعينكوبين يديك بمجرد طلبك هذا الأرشيف ولأي حدث كان،أما نحن فلن تجد حتى من يرد على سؤالك فبالأحرىيعفيك من هذه الأرشفة الغير محدثه أو موجودةبالأساس.
وفي المقابل إن سألت عن الميزانية المرصودة ومايتبعها من مصاريف فرعية مصاحبة، سواء للوزارةالوصية او دواليبها أو الجماعات المحلية والعمالةوالوزارات ستصدم للرقم الذي سيقع وقعه على أذنكوعقلك كالإنفجار النووي الذي يرديك صريعا من هولالضياع، وفي المقابل ماذا تجنيه هذه المؤسساتالمساهمة في برمجه وخلق الحدث: المعرض؟ خسارة فيخسارة لأن الرابح هو بائع المواد الغذائية، المشروباتالمكسرات ومطابع الملصقات واللافتات، المطويات ومطابعالكتب اما الكاتب والقارئ اي المجتمع الصغير والكبيرفهو صفر كبير أكبر من دوامات البحر المحيط.
إذن في خضم هذه السياسة الترويجية للقطةوليست للكتاب والكتاب تكون المردودية صدمه نفسيهبالأساس للكاتب ومن ثم الحكم على الكتاب (الدخولللنفق المظلم) التجميع في دهاليز بيوت الكتاب والمطابع،لأن القصة وما فيها: الناشر جريمة في هذا الوطن.وعمليات الترويج القبلي والبعدي للكتاب بدورها خسارةفي خسارة للكاتب او المثقف أو الحالم بترويج أفكارهوما تجوز به قريحته
سنة بعد سنة تكبر في عقلنا مثل هذه الأسئلةالمستشرفة للمستقبل الناعلة للماضي، المنهمكة بتعريهالواقع ولا من يسمع او يفهم ان الامر جلل، والعقل فيمهب الريح، فلم الاهتمام بالتقاليع المضيعة للمال العامووقت الرجال؟
لنرى ما يقوله: جيم ستوفال في مؤلفه: خريطة المليونير (الدليل الشامل لتحقيق الثراء، والاستمتاع به، والمشاركة) وهو صاحب الكتاب (الأكثر مبيعا في العالم: The ol timate gift والذي قال عن نفسه: “فقد بدأت حياتي المالية عند مستوى اليأس وتراكم الديون.
لم يمر به سوى حفنة من الناس ”والذي قال عن كتابه: تيد تيرنر “فأعماله هي رمز للخير الذي يمكن أن يعم عندما يساعد الأفراد بعضهم بعضا ويبذلون جهدهم من أجل إحداث التغيير”، جملة كهاته لها طابع ترويجي بامتياز، تخضع لقانون جذب معتمد على نظريات فرويد في علم النفس والتي أصبحت معتمدة في الترويج للمنتوج الاستهلاكي بطريقة تحفيزية تعتمد على المشاعر المكبوتة في نفسية الإنسان، فكلمة فعل الخير في جملة ما قال تيرنر تلعب على فوضى المشاعر المفعمة الدفينة في كل فرد والتي بحاجة إلى تنفيس وتطهير حتى يعتد هذا الفرد بنفسه ويستشعر أنه حقق مبتغاه ورغبته في فعل الخير باقتناء الكتاب الذي يعتبره شعوريا وبقناعة بأنه مادام يفعل الخير: فهو يستحق التشجيع ومن ثم وجوب المبادرة لتشجيعه مادام يشجع الناس قبلهم، وبهذا تكون عميلة الحث على الاقتناء سياسة دولية لتحفيز القارئ للقراءة ومنها تكوين مكتبة شخصية ولو أصغر.
أما: جيم ستوفال فيدعنا نتساءل ما سبب لجوء هذا المليونير العصامي من دخوله مجال الكتابة وهو المحسوب على رجال الأعمال الناجحين على المستوى العالمي؟ أليس هو بدوره يدخل في عالم ترويج الكتاب بتحفيز القارئ إلى اقتناء كتابه وبعدها كتبه وكتب من والاه، لا لشيء إلا لأنه فهم أن التجارة المربحة قد تعتمد في الأغلب على اساليب عملية دقيقة ومنهجية مدروسة تصب في الهدف لتحصيل المبتغى: الحلم، فهو يدرك أن بكتابة هذا الكتاب ونشره والعمل على ترجمته أن يصيب النفوس البشرية في مقتل: التوفيق في جني المال وهي رغبة دفينة عند الكل، سواء كان غنيا أو فقيرا، ومن ثم العمل على إشهار نفسه وعمله ومنتوجاته وكل ما تعلق بإرثه التجاري ومنبين هذا الإرث : الكتاب.
ونجد: دونالك ترامب يقول عنه: ”قرر جيم ستوفالمن خلال شركته أن يتيح أفلامه للجميع… من خلال عرضها في دور السينما، أو توفيرها على أقراص دي في دي وكذلك إضافتها كجزء من المناهج الدراسية، ساعد على تحسين حياة الكثير من الصغار والكبار على حد سواء”.
وهنا تكمن الخطة المرسومة لدفع كل الأجيال للبحث عن منتوجه السينمائي لأنه أصبح منهجا يقتدى به ويتبع،والقادر على تحسين حياة الكثير من الناس أي الذين حصلوا على منتوجه.
إنها خريطة مدروسة تتخضع لمنطق الربح والمنفعة ومن ثم: شيوع المبدأ العام الخادم لمصلحة الفرد والمجتمع، غني يآزر غني ومثقف يساند آخر في دوامة سرمدية تفتق القرائح وتحقق المبتغى ويسود العلم الذي يعلو ولا يعلى عليه، فهل ثمة تشبيه أو وجه من أوجه المقارنة التي يمكننا مجاراتها وذكرها في نفس السياق،دون هدر المال العام وتحصيل الخسارة؟ نعم كانت لنا تجربة واحدة ووحيدة عمل على إحباطها وتدميرها والزج بروادها إلى دروب النسيان أو الموت البطيء، وهي الطعمة المطعمة لجسد كتاب المغرب، الذين كانوا سندا لبعضهم ولو بإمكانيات بسيطة، خدموا الكتاب والكاتب وفي نفس الوقت خدموا الثقافة ونقحوا أفكار الطلبة إلى درجة حثهم على القراءة، المتابعة، الاقتناء ومن ثم مجاراتهم في الكتابة والاستفادة، أماا ليوم فبات العدو اللذوذ للفاعلين السياسيين ومدبري الشأن العام هو:المثقف، المفكر، الكاتب، لأنهم الأكثر إزعاجا لوجودهم في فلك المال الحرام ونهج سياسة التسويف، الإرشاء… دون محاسبة أو رقيب وليذهب النشأ إلى جحيم التفاهة والتخلف.
لكل تجار يتاجر بشيء ولو فكرة: استراتيجية، وخريطة عمل يعتمدها لتحقيق الأهداف المنشودة والتيتعتبر الحافز وراء أي عمل محكوم بالاستمرار وآلياته لا المقامرة والضياع.
الكاتب في وطني أصبح ظل رجل يتوه في دروب الحيرة لما تعترضه من معيقات العمل الثقافي لسيرورته في الوجود: فالكتابة المضنية والسهر تلاقيه عملية الرقنوالتصفيف ثم الطبع التي تليها النشر والتوزيع،وهي المعيقات الأكبر التي تعمل على إحباطه خاصة إن كان هو الناشر، الذي اختار أن يدفع ماله ومال أسرته لتحصيل عمل محلوم أن يحقق رغبته: أبسطها تحقيق التواصل مع جمهور القراء.
فبتنا نراهن على الغيبيات إلى أن ضاع منا الكل: المثقف والمجتمع، الكل أكلته ديناميكية الحياة السريعة المعتمدة على الحاسوب والشاشة التفاعلية وفي المقابل ارتفعت أسعار الورق ومن ثم الطباعة والتوزيع ومع الكل ارتفاع كلفة الكتاب لا قيمته.
إن مهرجانات الكتاب والمعارض الخاصة به في ربوع العالم بالدرجة الأولى احتفاء بالكاتب والكتاب المتميز والمشهود بأهميته في حياة الناس، ليس سوقا بدار تعرض سلعا منسوخة أو إرثا ممسوخا، يعمل على إثراء المطبعات لا ذوي الحقوق ولا الاهتمام بالكاتب الجديد والجاد، والعمل بجد وأريحيته على تشجيع المواهب الصاعدة، والأقلام المغمورة، والاعتراف بالجهود المحرومة والمقبورة، ولهذا نرى وجوب إعادة النظر فيما يجري في مدننا الكبيرة والصغيرة من مظاهر الاحتفال بالكتاب (أغلبه المستعمل) لدر الرماد في أعين الكل عوض النهوض بالقطاع بقلب مفتوح وصريح، مناهض للحيف والعنصرية، والإقصاء والتهميش، لأكل الحقوق واستنزاف جيوب الكتاب عوض تعويضهم على مجهوداتهم كما كان في الأجيال الماضية، مضيعة المال الكثير في كراء الخيم، الفضاءات الخاصة بالمعارض ناهيك عن الأرضية والمؤثثات الخاصة بهذه الفضاءات الخاصة بعرض الكتب باختلاف أنواعها ومنتجيها، ناهيك عن المقاهي والمطاعم الموسمية وما إلى ذلك من ضروب الصرف المالي الذي لا يعود على الكتب والكتاب والمولع بهم بشيء: لا تخفيض ولا جودة، لا إشهار تحفيزي ولا تنويه بالأقلام الناضجة أو البارزة، وليس هذا الأمر بالهين بالنسبة للقطاع الوصي بل هو شأن تدبيري يهم الحكومة ككل ومن تم كل القطاعات والإدارات الترابية: لأن الساكنة باختلاف مستوياتها مراهن أن تكون زبونا للمكتبة أي مستهلكة للكتاب، لأننا في العمق لابد أن نراهن بأن كل عائلة موجود فيها قارئ على الأقل أي طالب، وهو المراد تحفيزه على القراءة والكتابة لخدمة وطنه، لأن الوطن الذي لا ينتج ثقافة لا مستقبل له ولن يكون طلائعيا ولو غرق في المال والأعمال والثراء، لأن العقل هو الأساس، وإنتاج الفكر ضرورة حتمية لكل الأجيال.
كسائر المبادرات الجهوية والوطنية التي تخلقها الجمعيات أو الوزارات نلاحظ أنها تبنى على احتمالين الثالث فيهما أفظع، فإما أن تنطلق فعاليات المبادرة بشكل يبعث على الاطمئنان لنوعية الانطلاقة الجادة والموفورة الحظ، انطلاقة من دراسة جدواها، لكنها تخبو وتضمحل أشعتها إلى أن يحكم عليها بالزوال، أو تبدأ من الميلاد معاقة ولا هي ذات نفس وتستمر في هزالها ولا يتوقف مرضها بزوالها أو النظر في سبل معالجتها وإلا فهي تعرف صعودا ونزولا حسب الظروف والملابسات المؤثرة في تمويلاتها برمجتها وأثر الساحة الوطنية والدولية عليها،وفي الخطوة الرابعة فهي تعرف التميز والتطور المدروس والمخطط له سنة بعد سنة إلى درجة حصولها على الإشادة العامة المشتركة بين أطر الداخل والخارج خاصة من متابعي الشأن الثقافي والفني بشكل متزن، كمهرجان تيميتار الذي أصبح أيقونة في البرمجة والتسيير ناهيك عن التمويل ومن ثم العرض والاستقبال وتحقيق المراد للساكنة وللزوار من كل حذب وصوب ويأتي بعدها المهرجان الدولي للسينما، أما ما عداهما فهي أنشطة وبرامج تعتريها الأدران وبوادر السقم وإن غصت في حيثيات إعاقتها تكتشف ما لا يحمد عقباه لما تعرفه من سوء تخطيط وبرمجة وإضاعة مال دافعي الضرائب،لأنها بنيت وظلت مرتكزة على أخذ اللقطة وتجميع الصور المدفوع عنها مسبقا لتحصيل إرث هائل من التطبيل والتزمير والإشادات الكاذبة، المبنية على خداع الرأي العام ومن ثم الإدارات الممولة والمساهمة.
إن الميزانية العامة لكل الأنشطة الواعدة الحاصلة على يافطة : دولي، عالمي، وطني يستلزمها في الأصل ميزانية قابلة للتحيين من أجل استدامتها على طول السنة، إدارة تشتغل على ملفها بشكل عقلاني، علمي يخضع لمنطق التجارة وما تحتها من آليات الدعم والإشهار لخرق صفوف باقي مهرجانات العالم، التي عرفت بدوامها، لتطورها المستمر وخضوعها لقواعد مبنية على علم الاقتصاد والتواصل، لتكسب الرهان، شأنها شأن باقي المؤسسات العابرة للقارات، المعتمدة على الكفاءات والصانعة لها، لأنها في العمق ذهبت منذ أكثر من جيل في نهج: الصناعة الثقافية، التي لا يمكن تطبيقها إلا من خلال القواعد العامة والخاصة المؤسسة للمؤسسات والشركات المخلوقة للربح لا الخسارة، الشيوع وليس الإفلاس.
إن المثقف العاض على نواجد المجال الثقافي لا يمكنه تحصيل دراسات علمية أو ميدانية تشفي غليله،وهو يبحث ويستقصي لدراسة الأسس العلمية التي بنيت عليها المهرجانات والمعارض، العروض الاستعراضية، والموجوب أن تطلبها وتأمر بها أطر الكليات، الجامعات والمعاهد لما لها من صلة بالشأن الثقافي والإداري، ناهيك عن المنحى الاستقصائي الموجوب نهجه وتحيينه، تدبيره والاعتماد عليه في البحث عن سبل صرف المال العام ومآل ما تبقى منه بعد انقضاء الحدث القاضي بدراسة جدوى ترتكز على نسق دراسة جدوى الشريط السينمائي: قبل الإنتاج، أثناء الإنتاج وبعد الإنتاج، وهي المراحل الثلاث الموجوب الاعتماد عليها والاعتناء بقدسيتها خلال خلق أية تظاهرة تعتمد على المال العام في الدرجة الأولى ومال المستشهرين المدعمين لما لهم من علاقة مباشرة بمصلحة الضرائب ومن ثم فهي في العمق مال عام وحتى إن كانت مستخلصة من مالية الشركات الخاصة.
مثل هذا التدبير أصبح مستحيلا أمام غياب البحوث الميدانية التي نراها معاقة وغير قابلة للتحقيق أمام استفحال غياب أرشفة الأنشطة بشكل عقلاني علمي مبوب وسهل للتعامل معه لجاهزيته أمام الباحث، معيقات تعترضه كلما خطى خطوة أمام إدارة المؤسسة الساهرة على التظاهرة سواء كانت جمعية أو قطاعية تابعة لوزارة من الوزارات، لغياب محاور وكذا غياب مفهوم مساعدة الباحث وتمكينه من الحصول على المعلومة مهما وجود قوانين تصرح علانية بإلزاميته ووجوبه على أي مسؤول يخضع لمنظومة من منظومات التسيير المؤسساتي، لأن التهرب من إعطاء المعلومة ومدها لطالبها هي في العمق تهرب ميداني من كشف الخروقات وسوء التدبير.
مثل هاته الأسئلة وغيرها تفتح أمامنا التساؤل الأكبر: متى سيكون من حق المؤسسات المعنية في الشأن الثقافي والفني المغربي أن تنهج وتعول على الغوص في باب: الصناعة الثقافية، التي بتنا نسمع المتشدقين بها ولي ذراعها وقطع لسانها من حين لحين وكأنها تقليعة من تقليعات العصر، المعولة على التسويف المستمر ولا غيره،كسياسية إخراج رأس أفعى الرمال لإعادة دسه في موج الرمال.
قد يقول قائل بأن البلد لازال متخلفا ولا يحتوي على أطر مختصة ودارسة للمجال، ولكن الواقع يثبت العكس، فتمة العديد من الأطر الحاصلة على شواهد عالية من داخل وخارج الوطن في مجال تدبير وتنشيط المؤسسات الثقافية وحتى السينوغرافية الحضرية الخاصة بتحيين الفضاءات العمومية لاحتواء المهرجانات والمعارض القادرة على استيعاب واستقطاب الزوار المتعطشين لمتابعة الأنشطة الفعلية والموازية لكل برنامج من برامج الفعاليات الكبرى التي تعرفها الساحات العمومية كمهرجانات أو معارض...
الجمعيات والوداديات والتعاونيات وإن تعددت على مر التاريخ، خاصة بعد شيوعها وانتشارها وكثرتها، لابد أن تعقد العزم على التعويل على مثلها أطر ولا تترد في إيداعها الأهمية القصوى في خلق أي ظاهرة تعني الساكنة أو السياح، وكل من يعارض أو لا يتماشى مع هذا الطرح العلمي العقلاني لا مجال لوجوده أو حصوله على دعم أو تزكية. تسحب منه ثقة المعنيين بالأمر والبحث عن سبل أخرى لإخراج مخرجات الشأن الثقافي المراهن على صناعة ثقافية عصرية حديثة ومستدامة.
ومادام المعرض الدولي للكتاب يسير في ركب ما ذكرناه خاصة كونه يدبر هذا المعرض وباقي المعارض الجهوية والمحلية في ربوع المملكة، والتابع لمديرية الكتاب التابعة لمديرية الفنون المحدثة داخل منظومة وزارة الثقافة فلابد أن تكون ذات استقلالية، لها خليتها الخاصة التي تعمل باستمرار على مدار السنة لإخراج المعارض الموجوب إقامتها من أصغرها لأكبرها للوجود، بشكل مضبوط لا يتماشى مع الخسارة الفادحة، بل يضع نصب أعنيه مصلحة: الكاتب، الكتاب، الساكنة. وبهذا يكون المجتمع قد استفاد من المنظومة المرسومة، والمنهج الموجوب اتباعه لخدمة الصالح العام ومن ثم: خدمة النشأ وخلق البديل مستقبليا، استشرافات كهاته:تستلزم النية الصادقة، والعزيمة القوية المعبرة عن وطنية لا تتأرجح ولا تذوب تحت طائلة الفقر والتخلف وترجأةعمل اليوم للغد، لأن البلد كلما غاصت في سياسات الكذب المبني على التسويف لن تؤتي أكلها، ولن تخدم مصلحة إلا المياوم الجشع الذي يرغب في الأكل اللحظويلا ذاك المعول على الاستمرارية والبقاء، وبهذا تظل المنظومة الواعدة في خبر كان، والمجال مجرد تسيب وريع يطعم ولا يسمن من جوع ويضيع الفرص على الوطن والساكنة، النشأ والمستقبل المراهن عليه في كل بقاع العالم.
طرحنا ماهو بالقذع ولا التقريع، بل نقد مبني على قناعة ميدانية مراقبة مستمرة وقراءة مستفيضة لواقعنا المرير الذي سئمنا استنساخ صوره على الدوام حتى بات باهتا كبيسا لا يبشر بالخير، إلا لمن استفاد وينوي الاستفادة ويصر عليها هو ومن معه حتى تظل العملية حكرا عليهم، ومجالا لخدمة أجندات ماهي بالثقافية ولا التربوية ولا حتى الإنسانية.