عبد اللطيف بوجملة
ان كان من سياق للنقاش العمومي الذي يبادر بفتحه حزب جبهة القوى الديمقراطية و هو يواصل النبش في ملف العلاقات المغربية الجزائرية عبر ندوات و لقاءات متاحة للتداول و التفاعل بين الشعبين الشقيقين من خلال نخب مغربية جزائرية ، فهو سياق المصير المشترك الذي ألحت عليه الخطب الملكية ، و لاسيما الأحدث منها و هو خطاب العرش الموجه للشعب المغربي بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية.
و بأمل إحداث الفارق ألح و يلح الملك على علاقة طبيعية مع الجارة الشقيقة التوأم الجزائر معتبرا ان ” أن الحدود، التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبدا، حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما”، و لأنه يهيب بنا كمغاربة و يناشدنا و يدعونا “لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين؛ الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال”، فان المنطوق الملكي هو بمثابة ناموس او قانون علينا احترامه و تفعيله على الوجه المطلوب و كل من زاوية نظره، ووفقا للمتاح له.
و هو بالفعل الإجابة الوحيدة عن الدافع الى فتح النقاش السياسي العمومي حول العلاقات المغربية الجزائرية و التي توجد في وضعية مرض متقدم يهدد الشعبين ويهدد استقرار المنطقة المتوسطية برمتها، في ظل توغل غير مسبوق لقوى دولية متى حطت دبابتها في مكان إلا و لحقه الدمار والتقتيل و البؤس، و هومير قادم و محتمل لا نرضاه لأنفسنا و لا لأشقائنا في التاريخ و الجغرافيا و اللغة و الدين و العوائد و البشر و المصير المشترك .
هو إذن صوت من أصوات ترتفع لتقول و بصوت عال كفى من عداء مجاني و وهمي يكلف البلدين خسائر فادحة و يخالف موعده مع التاريخ و يزيد من هدر الزمن و ضياعه لفائدة اللحاق بركب التحولات العميقة الجارية التي لم تعد تعترف بالحدود و بالخرائط و بالسيادة الأحادية و استبدلته بالسيدات الاستراتيجية التي تتوسع و بلا حدود بالنظر الى ما يقابلها من تهديدات و مخاطر تقليدية و استراتيجية.
و ان كان هذا هو دأب الملك، فهو هو أيضا دأبنا، إذ في رعاية و دعم الجيران رعاية و دعم لنا، و هو دأب أجداده ودأب المغاربة منذ غابر الأزمان.
و لأننا تعلمنا و تعلم الملك عن أبيه و جده التبات على المبادئ من منطلق ان ” قيادة الأمم وتسيير الدول فن قائم بذاته فلا يكفي فيه التعليم والتربية وحدها بل لابد من تكوين عملي يومي.. فأعددتك مواطنا مغربيا قبل إعدادك أميرا.. وكنت ألقنك معنى المواطنة حتى تؤدي ولاية العهد التي أنطناها بك واحرص على أن تؤمن بالواجب الوطني والصالح العام وكنت أدفعك لتتعمق في قيم معنى الشعب لتخدمه الخدمة الصادقة.” كما أراد الراحل الفذ و الملك المناضل محمد الخامس و هو يهدي لوريث عرشه الحكمة و الارتواء من فضيلة القديم و الحديث.
حكمة الارتواء من فضيلة القديم و الحديث تلك تجعلنا نستدعي التاريخ بايجابية في كل ما يرتبط بالتبات على المبادئ في علاقة المغاربة مع أشقائهم الجزائريين في روابط الدم و الانتماء إلى الأرض التي ساهت في صناعة الحضارة الإنسانية مهدا و ملتقى لأجناس و اثنيات شتى، و نذكر بها لعل الذكرى تنفع المؤمن وغير المؤمن العاقل و الجاهل و الناظر ومن اختار العماء و التعامي و الحاكم و المحكوم، و دونما انتظار اجر او شكر.
قبل المملكة المغربية الشريفة، و التي ولدت عبر كفاح و نضال مستميت جمع بشكل تلقائي و عضوي بين المغاربة قاطبة، ملكا و شعبا و امة ، كانت الامبراطورية الشريفة ، و في كل النسخ من المغرب الدولة الأمة، بقديمها و حديثها كانت اليد ممدودة عن أخرها لأشقائنا الجزائريين.
و يبقى السلطان محمد الخامس و بلا منازع ، الوحيد الذي جمع بين مطلب استقلال وطنه المغرب و وطنه الثاني الجزائر و دعم و بلا هوادة المقاومة الجزائرية لنيل الاستقلال، فهو الذي دعا مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة قادة الثورة الجزائرية في الخارج لعقد ندوة سلام بالمغرب الأقصى.
و بصم الملك المناضل على مواقف تاريخية من القضية الجزائرية بدء بخطاب وجدة في سبتمبر 1956، تناول فيه معاناة شعوب المغرب العربي من السياسية الاستعمارية الفرنسية، مركزًا في خطابه على معاناة الشعب الجزائري، وأكد على ضرورة إيجاد حل سلمي وعادل للقضية الجزائرية، وأن مستقبل الجزائر يدخل ضمن إطار وحدة المغرب العربي، مرورا بالمواقف الثابتة للسلطان بعد حادث اختطاف الطائرة التي كانت تقل قادة الثورة الجزائرية من جبهة التحرير الوطني، و التي قادت إلى إيقاف فرنسا للمفاوضات حول استقلال المغرب بسبب ما سمته الدعم العلني للثورة الجزائرية و الذي يمس سيادتها.
و مثلما رفض السلطان مساومة فرنسا بالتخلي عن هذا الدعم بصفقات النفط سنة 1957، فانه طالب أحرار العالم بالوقوف بجانب قضية الجزائر و من جملتها إضراب العمال المغاربة إضرابًا من أجل دعم الثورة الجزائرية.
لم يكتف السلطان المناضل بالتنديد فقط ، بل تعددت أشكال دعمه للجزائريين، يقابل ويحتضن قادة الثورة الجزائرية، ويمد الثورة بالسلاح، ويستقبل المجاهدين والسياسيين، و يأمر القوات المغربية بفتح الحدود للمجاهدين الجزائريين و لتدريبهم العسكري.
في 6 فبراير 1957 التقى الملك محمد الخامس مع وفد من جبهة التحرير الجزائرية في مدريد، على مرأى الصحافة العالمية، مؤكدا وقوفه مع الجزائر وشعبها وثورتها، و دعمها بالسلاح( السفينة المحملة بالسلاح والمؤن في طنجة) و بالرجال بوضعه حوالي خمسمائة متطوع مغربي من مدينة مراكش تحت تصرف جيش التحرير الوطني، كما أصدر أمرًا بالسماح بمرور المعدات العسكرية وحتى المتطوعين الأجانب إلى الجزائر، و التطبيب الأمن للثوار المصابين كما سمحت السلطات المغربية للشعب بالتظاهر دعمًا لقضية الجزائر للوصول إلى الحرية والاستقلال.