عبد العزيز بنعبو
من البديهي أن يظن قارئ العنوان، أن الإحالة على شراهة في إستهلاك المنتوج الفني و الثقافي، او شراهة في إنتاجه إبداعيا. لكن مع كامل الأسف القصد هنا هو العكس تماما، المقصود هو ذلك الفطر الذي ينبت بين مصلحة و أخرى، و بين مهرجان و آخر، و بين لقاء و آخر و ندوة و أخرى… هم الذين دفعوا شريحة كبيرة من المبدعين و الفنانين و المثقفين للتخلي عن أحلامهم الكبرى و الإكتفاء بما تيسر من يوميات و ترقب الإفراج عن خبزة طال إعتقالها في “فران” لا يعلم إلا الله بدرجة حراته، و حتى إن كان ساخنا اصلا لتنضج تلك الخبزة الهزيلة. هؤلاء هم الذين يقول عنهم “العادي و البادي” إنهم “يأكلون وحدهم”، بل يأكلون الأخضر و اليابس و لا يعطون لهذا المشهد سوى الهزال و البؤس الفني و الثقافي. “إنهم يأكلون وحدهم” ،هذه الجملة الشهيرة جدا في مقاهي و أركان الرباط و الدار البيضاء. لا تقال هكذا على سبيل المزاح أو العبث، بل تقال بناء على موروث ثقيل جدا من الانانية و اللامبالاة التي يمارسها البعض حالما يصلون أو يظنون انهم وصلوا إلى مراكز مهمة جدا جدا.. و الحقيقة أنني أندهش من أناس يضحون بمصلحة الفن و الثقافة وفي وطنهم لأجل مصالح شخصية جدا. الاكيد أن لا أحد يمكنه أن يدعي الطهارة ، و أنه لو كان في محل مسؤولية ما ، سيترفع عن خدمة مصالحه ومصالح أهله و عشيرته و عترته و أصدقائه و خلانه . لكن بقليل من التوازن بين ما يمكن أن يسمى الأخضر و اليابس وبين ما يمكن أن يسمى توازن بين العام و الخاص. لا أريد هنا أن “أشرح و أملح” ، ظاهرة باتت عادة و قاعدة لكل حلم خاص يتم إسقاطه على العام. بل أريد فقط الإشارة إلى هذا الموضوع الذي طال السكوت عنه، و ربما تتكشف في الأعداد المقبلة حالات مثل الورم تسري مع الدم لا مع اللحم. لكن الخطير في الآونة الاخيرة، أن هذه الظاهرة التي كانت خجولة في أوقات معينة ، أصبحت اليوم مثل وحش يكشر عن انيابه و يمارس صيده في واضحة النهار ، وهو الشيء الذي أصبح أكثر رعبا ، و أكثر إلحاحا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشهدينا الثقافي و الفني..