الجزأ الاول “خربة زمران”
عباس فراق هذا الإسم السينمائي و المسرحي و الادبي الذي راكم سنوات من العطاء في مختلف مجالات الإبداع. يفتح قلبه و دفتر يومياته و ذاكرته لقراء المنعطف من خلال كتابه “زمن السعوب” الذي هو وجه آخر لسيرة ذاتية تقاطع فيها العام و الخاص، حتى إختلطت لحظاته، فحياة المبدع ليست ملكا له بل هي ملك للأخرين الشركاء في الحياة التي من أجلها أبدع و أعطى عصارة جهده الفكري.
إذا تشرع جريدة المنعطف في نشر الجزء الأول من السيرة الذاتية للمناضل والكاتب والسينمائي عباس فراق ابراهيم والتي ركز في جزئها الاول على مرحلة “خربة زمران” كمحطة أولى في سيرته الشاملة ” زمن الشعوب ”
ويتناول الكتاب من خلال مسار حياة المؤلف التحولات التي عرفها المجتمع المغربي خلال خمسينيات القرن الماضي وأهم المحطات التي شكلتها الأحداث الاجتماعية والسياسية التي شغلت الرأي العام واحتلت الذاكرة الجماعية للشعب المغربي.
الحلقة الثالثة.
أما الغرفة الثانية المجاورة للرحامنة في نفس الطابق فقد كان يسكنها بوجمعة العبدي الخياط وزوجته هشومة . كان العبدي صديقا لوالدي وكانت له آلة خياطة تدار بالأرجل في جوطية الحفرة قرب ساحة جامع الفنا.فكلما حل عيد من الأعياد كان والدي يصطحبني معه إلى السوق فيشتري توبا يتولى العبدي تحويله إلى فوقية في أقل من نصف ساعة يقضيانها معا في الحديث حول أمور الدنيا لنعود بعدها إلى الخربة وأنا أرتدي لباس العيد الجديد …
عودنا بوجمعة الخياط وزوجته هشومة مرة في الأسبوع على إزعاج جيران الخربة وإيقاظهم من النوم في عز الليل بخصامهما الذي غالبا ما يتحول إلى عراك… فيصعد الجميع إلى الطابق العلوي في محاولة من المحاولات العديدة اليائسة لتوقيف الضرب والشتم المتبادل بين الثنائي العبدي الذي كان يطبعه التكافؤ والتساوي في تسديد اللكمات والقذف بعبارات الشتم التي تخدش حياء الجيران…
فقد كانت هشومة العبدية توازي زوجها بوجمعة الخياط في طول القامة وقوة البنية .
لم أكن أفهم آنذاك سبب سهرة الأسبوع المفروضة التي تعود عليها سكان الخربة كل ليلة خميس والتي كان بطلاها العبدي وزوجته. غير أني لاحظت ذات مرة و الخصومة الليلية العبدية على أشدها وقد تدخل سكان الخربة رجالا ونساء لفض النزاع , أن بعض الجارات كن يتبادلن نظرات التواطؤ وغمزات توحي بأنهن على علم بسبب خصام الزوجين المتكرر والذي تنعكس آثاره على الجيران ليستيقظوا مرارا من النوم مذعورين كبارا وصغارا.
أما أنا فلم يتأتى لي فهم سر ولغز هذه القضية إلا بعد مرور سنوات عديدة وقد استرجعت شريط الأحداث لاستعيد صور العراك بين الزوجين…فتذكرت مرة كان فيها قميص صاحبنا العبدي ممزقا على مستوى فخذه وظهر جهازه التناسلي متدليا يكاد يصل إلى ركبته. لاشك أنه كان يفوق ما تطيقه زوجته خلال علاقتهما الجنسية وهو ما كان السبب الرئيس في الخصام الذي سرعان ما كان يتطور إلى حرب دروس…
والغريب في الأمر أنه خلال اليوم الموالي لليلة الخصام غالبا ما تصبح الأوضاع في كامل الهدوء والسكينة فترجع الأمور إلى نصابها وتستمر الحياة بين بوجمعة العبدي وزوجته هشومة في وئام لا نظير له وكأن شيئا لم يكن…والأدهى من ذلك فقد كانت هشومة لا تقبل أن ينتقد زوجها من طرف الجارات وكانت تغار عليه…
أما الطابق الأيسر وهو المتواجد فوق غرفتنا المتواضعة فكان يسكنه علال العسكري أحد قدماء المحاربين وزوجته محجوبة .فقد سبق لعلال أن جند في الجيش الفرنسي وشارك في الحرب العالمية الثانية ورجع منها على رجل واحدة…وكم مرة سمعته يحكي لوالدي عن أهوال الحرب في أوروبا وكيف أن فرنسا استطاعت أن تهزم الألمان بواسطة مجندي مستعمراتها وخاصة منهم المغاربة … كان له دكان لبيع السجائر بسوق السمارين كما كان يتقاضى تعويضا على رجله المفقودة في الحرب..