22, ديسمبر 2024

المنعطف=سناء كريم

أكد التقرير السنوي للمرصد المغربي للسجون برسم سنة 2023، على أن الظروف غير الملائمة في السجون تعيق برامج التأهيل، وتضعف فرص إعادة إدماج السجناء في المجتمع، مسلطا الضوء على الأرقام المقلقة للاكتظاظ، وأثرها السلبي على حقوق السجناء، وجودة الحياة داخل السجون، وأيضا التأهيل لإعادة الإدماج، مشددا على ضرورة تدبير التنزيل المسطري والمؤسساتي والإنساني للعقوبات البديلة بمنهجية تهدف إلى تسهيل الاستفادة من مختلف أصناف البدائل للمحكومين بها، وبمقاربة تعطي للمنظمات المعنية بالسجون، وبحقوق الإنسان مجالا لمتابعة التطبيق، والحرص على دورها في كل مراحل إعمال الأحكام المقرر لها.

تنبيه إلى تأثير الاكتظاظ في إعادة إنتاج الجريمة وزيادة حالات العود:

سجل التقرير السنوي للمرصد المغربي للسجون، استمرار تسجيل أرقام مرتفعة لعدد السجناء، في مقابل انخفاض عدد المؤسسات السجنية رغم المجهودات المبذولة، ولاتزال ظاهرة الاكتظاظ تمثل السمة العامة للسجون في المغرب، مما يعيق تنفيذ برامج التأهيل، وإعادة الإدماج، ويحول دون التمتع بحقوق الإنسان الأساسية، خصوصا الحق في الصحة الجسدية، والنفسية، والحق في الفسحة الكافية، وفي التغذية السليمة، والمتوازنة.

وهكذا، ارتفع عدد السجناء من 86 ألف 348 سجينا، إلى 102.653 ما بين سنتي 2019 و 2023 أي بنسبة 18.83 في المائة، وبنسبة 5,6 في المائة ما بين 2022 و2023، حسب التقرير السنوي للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج لسنة 2023، فيما يقدر معدل اكتظاظ السجون المغربية بـ159 في المائة، وعلى الرغم من افتتاح ثلاث 3 مؤسسات سجنية، تجعل مجموع الطاقة الإيوائية 64 ألف و549 سرير، ويبلغ متوسط المساحة المخصصة لكل نزيل بالكاد 174 م2 الذي يبقى بعيدا عن المعايير الدولية المعمول بها، إذ نصت القواعد الأساسية الدنيا للجنة الأوروبية من أجل الوقاية من التعذيب وغيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية والقاسية، على أن الفضاء المخصص لكل سجين في زنزانة جماعية لا يجب أن يقل عن أربعة أمتار إضافة إلى مرفق صحي معزول.

واعتبر التقرير أن واقع الاكتظاظ في السجون المغربية بلغ مستوى خطير، وجعل المندوبية العامة الإدارة السجون تدق ناقوس الخطر حيث بلغ عدد الساكنة السجنية سنة 2023. 102 ألف و653  سجين وسجينة، ضمنهم 38552 سجناء احتياطيون، وتحتل جهة الدار البيضاء سطات الصدارة بـ 21 في المائة من مجموع الساكنة السجنية.

وأكد التقرير على أن هذا الاكتظاظ يحول حياة السجناء إلى جحيم، ويكدس السجناء كسلعة، وليس كبشر، وبالتالي من الضروري أن تتوفر لهم الكرامة الإنسانية بغض النظر عما ارتكبوه في حق المجتمع من مخالفة منهم للقانون الذي ينظم حياة الناس، حيث يعاني السجناء في مؤسساتنا السجنية من مختلف الفئات، والأعمار من التكدس أثناء النوم، واستعمال حتى الأماكن غير المعدة أصلا للنوم ( الممرات المراحيض…)، وما ينتج عن ذلك من انتقال الأمراض المختلفة، وخصوصا منها المعدية، بالإضافة للاعتداءات الجنسيةـ والآثار النفسية، والاجتماعية التي تخلقها على السجناء المعتدى عليهم.

واعتبر التقرير أن المعالجة الحقوقية لظاهرة الاكتظاظ تتطلب الوقوف عند الأسباب الكامنة وراء استفحال هذه الظاهرة، وما لها من آثار، و انعكاسات على الحق في الولوج إلى كل الخدمات التي هي منصوص عليها في المنظومة القانونية الوطنية والدولية، ومن ضمن هذه الأسباب غياب تجديد، وعصرنة المنظومة القانونية، وعلى الخصوص المتعلقة بالتشريع الجنائي، وتغييب فتح نقاش عمومي في اختيارات السياسة الجنائية من إقرار تصور ينسجم، والمعايير الدولية في اعتماد المقاربة الحقوقية، واستبعاد المقاربة الأمنية بالارتكاز على منظور عصري حداثي على قاعدة أن السجين شخص مسلوب الحرية فقط، وليس الكرامة المتأصلة فيه كإنسان.

الاعتقال الاحتياطي بين مطالب الترشيد والاستمرار في العمل به:

لازال موضوع الاعتقال الاحتياطي مثار جدل حقوقي، وقانوني، وإنساني، على اعتبار أن هذا الإجراء ماس بحرية الأفراد اعتمده المشرع فى قانون المسطرة الجنائية، بمقتضاه تسلب حرية الفرد مدة من الزمن على الرغم من أنه لم يحكم بعد بإدانته، ولا يزال متمتعا بضمانة قرينة البراءة كأهم الحقوق الأساسية التي يتعين أن يتمتع بها الإنسان، وهي شرط لازم لضمان المحاكمة العادلة.

وأثار التقرير أنه على الرغم من تأكيد المسؤولين القضائيين أن ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي موجود ضمن أولويات السياسة الجنائية في المغرب، إلا أن نسبة المعتقلين احتياطياً في المغرب في ارتفاع مطرد، حيث بلغت نسبة المعتقلين احتياطياً في المغرب حتى 27 أكتوبر الماضي نحو 45.27 في المائة من عدد السجناء البالغ عددهم 84 ألفاً و393  معتقلاً، وهي أعلى نسبة تسجل منذ عام 2011.

وفي هذا الإطار، دق المرصد المغربي للسجون، ومعه الحركة الحقوقية المغربية ناقوس الخطر حول هذا الموضوع إذ ظل المرصد المغربي للسجون يثير باستمرار هذا الموضوع سواء عبر تقاريره السنوية، أو من خلال الندوات، واللقاءات التي خصصت للموضوع، كما تقدم باقتراحات وتوصيات لمعالجة الظاهرة على اعتبار الكلفة الباهظة الثمن للاعتقال الاحتياطي اقتصاديا، ومجتمعيا، وديمغرافيا، وهو ما يفرض معالجتها على مختلف المستويات سياسيا تشريعيا، حقوقيا ثقافيا وبشريا.

واعتبر الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان أن الاعتقال الاحتياطي في مفهوم النيابة العامة ليس تدبيراً استثنائياً، بل هو تدبير مفروض تستعمله مباشرة، أو تأمر باستعماله عن طريق قاضي التحقيق، وذلك من دون أي مراقبة لأعماله، لا سياسياً من البرلمان، ولا قضائياً من المحكمة متسائلا: “كيف يمكن الحديث عن سياسة جنائية تحترم حقوق المواطنات والمواطنين وتضمن الحرية إن كانت مساطر التحقيق تسمح بالاعتقال حتى في الجنح العادية، قبل أي تحقيق، وقبل أن يتأكد قاضي التحقيق من ارتكاب حقيقي لفعل إجرامي ومن وجود أسباب الاعتقال، ومن مبرراته”.

توصيات المرصد المغربي للسجون:

على المستوى التشريعي والقانوني :

= ضرورة ربط القانون المنظم للسجون، بالقانون الجنائي، وبقانون المسطرة الجنائية، وفق مقاربة شمولية تضمن الانسجام، والتكامل بين المنظومة القانونية ذات الصلة بالسجون.

= اعتماد مقاربة تشاركية تضمن مساهمة جميع الفاعلين المؤسساتيين، والمجتمع المدني في صياغة، وتفعيل وتتبع السياسات العمومية المتعلقة بالسياسة الجنائية، وتضمن الحق في الولوج إلى العدالة.

= تفعيل دور المجتمع المدني لمواصلة الترافع من أجل إطار تشريعي، وطني، يتلاءم والمعايير الدولية.

= تسريع أجرأة، وتفعيل القوانين المصادق عليها، والنصوص التنظيمية، والمراسيم التطبيقية المرتبطة بها.

= رفع التجريم عن الجنح البسيطة، والجرائم المرتبطة بالهشاشة والفقر.

على مستوى حماية حقوق الساكنة السجنية :

  • مراجعة الإجراءات التأديبية، وعلى الخصوص ما يتعلق بهيكلة مكونات لجنة التأديب، وضمان حق المؤازرة، والطعن، واحترام مبدأ التناسبية بين القرارات التأديبية، وحقوق السجينة المكفولة قانونا.
  • إصلاح مقتضيات، ومساطر الاستفادة من العفو للرفع من عدد المستفيدين/ات.
  • تفعيل مضامين الدليل المنجز حول الإضرابات عن الطعام في السجون، ضمان الحق في الإفراج الصحي عبر إقرار مقتضى قانوني يؤطر هذا الحق.
  • ضمان، وتعزيز الحقوق الأساسية للسجناء بما في ذلك حقهم في التكوين والتعليم، والتواصل، والإدماج.
  • إقرار تدابير، وإجراءات خاصة تستجيب لحاجيات الفئات الهشة (النساء، الأحداث، المسنين الأجانب وأشخاص في وضعية إعاقة.
  • إيجاد الحل الفوري لمعضلة السجناء ذوي الأمراض النفسية والعقلية، وتحميل السلطات القضائية، ووزارة الصحة كامل المسؤولية في استمرار معاناة هذه الفئة السجنية، ومصادرة حقوقها، وأهمها الحق في العلاج النفسي والعقلي.
  • ضمان التحقيق السريع والمحايد في الحالات المرتبطة بالوفيات والتعذيب وسوء المعاملة.
  • اتخاذ كل الإجراءات من أجل إيجاد حلول ناجعة لظاهرة الاكتظاظ، وانعكاساتها الخطيرة على ظروف إيواء السجينات، والسجناء والولوج للخدمات الأساسية.
  • تعزيز، التزام اللجان الاقليمية لمراقبة السجون بالقيام بزيارات منتظمة للمؤسسات السجنية، وإشراك فعلي لجمعيات المجتمع المدني.

على مستوى إلغاء عقوبة الإعدام :

الإلغاء النهائي لكافة المقتضيات القانونية التي تنص على عقوبة الإعدام وفقا للدستور، التصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، والسياسية، والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وفقا لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة

= إلزامية إجراء خبرة نفسية في القضايا المرتبطة بالجرائم الأشد خطورة. . إلزامية استفادة الأشخاص المتابعين بالجرائم التي يعاقب عليها الإعدام من الحق في تعيين محام ذي خبرة مقابل أتعاب مناسبة.

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version