ليلى خزيمة
تم بناء مازاغان كمستعمرة محصنة على ساحل المحيط الأطلسي في بداية القرن السادس عشر. فقد قام الأخوين فرانسيسكو وديغو دي أرودا ببناء أول قلعة سنة 1514 ومعها أنشأت المسقاة.
وتم توسيعها بعد ذلك في الفترة مابين 1541-1548 وتحويلها إلى قلعة على شكل نجمة على يد جواو ريبيرو وخوان كاستيلو، وفقا لخطط المهندس المعماري الإيطالي بينيدي تودا رافينا.
وتعد المسقاة البرتغالية من أشهر المعالم التاريخية والمزارات بالحي البرتغالي أو القلعة البرتغالية مازاغانالمشتق اسمها من الأمازيغية “إيمازيغن”.
النواة الاولى
انطلقت النواة الأولى للحصن البرتغالي، أو “مازغان”، منذ سنة 1502 عندما حلت رحلة لبحارة برتغاليين بموقع “مازيغن”. وشرع في وضع اللبنة الأولى للقلعة كما قلنا سنة 1514م من طرف المهندسين البرتغاليين الأخوين فرانسيسكو ودييغو دي أرودا، عندما عاد أسطول برتغالي محملا بكل اللوازم والمعدات.
حسب البطاقة التعريفية لمازاغان،المنجزة من طرف المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بدكالة عبدة، ثمّة بعض التشابهات بين القلعة البرتغالية وقصر إيفورمانت بالبرتغال، الذي صُمّم بدوره من طرف الأخوينإرودا.وحسب الوثيقة، نفسها فقد شهدت القلعة البرتغالية أعمال توسعة وتحصين كبرى انطلاقا من سنة 1541 ميلادية، بعدما اضطر البرتغاليون إلى الانسحاب من حصون أكادير، التي كانت تُسمّى حينها سانتاكروز، وأسفي وأزمور، وذلك تحسبا لأي خطر محدق أو محاولة تحرير من طرف الجيوش السعدية.
وتُعتبر القلعة من القلاع البرتغالية التي بُنيت وفق تصاميم هندسية تتلاءم والتطور الكبير الذي عرفته الأسلحة النارية شكلا وقوة في تلك الفترة.
الاكتشاف صدفة خير من ألف ميعاد
تعد المسقاة البرتغالية، إحدى أهم المعالم الأثرية في الحي البرتغالي بالجديدة، حيث تبهر زائريها بروعة تصميمها وجمال مبانيها.فُتحت هذه المعلمة التاريخية للزيارة في وجه العموم انطلاقا من شهر ماي 1918م وصُنّفت تراثا وطنيا بظهير 3 نونبر 1919م وبعده ظهير 15 أبريل 1924م. ليتم تسجيلها سنة 2004 على قائمة التراث الانسانيالعالمي لليونسكو.
وقد جاء في مجلة متحف محمد السادس لحضارة الماء بالمغرب: «تقول المرويات الشعبية أن المسقاة البرتغالية بقيت مجهولة من سنة 1769، تاريخ خروج البرتغاليين من بلاد دكالة، إلى العقد الثاني من القرن العشرين، حين اكتشفها بالصدفة تاجر حاول توسعة دكانه، فعثر على خزان مليء بالماء.
هذه الحكاية كررها غير واحد، وقد ساهمت الرواية الشعبية إلى جانب المرشدين السياحيين في انتشارها، وتبناها بعض الكتاب الذين جعلوا منها الصيغة المعتمدة.
فهذا الكاتب مصطفى الجماهيري في كتابه الصغير الذي شارك في تأليفه إلى جانب ريمون فراش يقول: أعيد اكتشاف الخزان (أي خزان الماء المعروف بالمسقاة البرتغالية) سنة 1917 بالصدفة من طرف التاجر اليهودي يوسف بن عطار الذي كان بصدد هدم جدار من أجل توسعة دكانه.»صفحة 8.
ليضيف: «وكيفما كان الحال، فإن المؤكد أن هذه النفطية البرتغالية استعملت في فترة ربما متأخرة من القرن التاسع عشر وحتى العقد الأول، على الأقل، من القرن العشرين مثل حفرة لتلقي المياه العادمة». وهو ما أكدته كتابات متواترة منها على سبيل المثال ما جاء به دونيس فاليرو في كتابه الحكاية الصغيرة للاطلال البرتغالية بالمغرب والذي يقول: «بخصوص خزان الماء، قبل الحماية، فقد استعمل كمواسير، وكان على الفرنسيين القيام بأعمال تنظيف كبيرة قبل أن يظهروا أمام أعين الزوار، ما فيها من جماليات خفية».
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب جوزيف كولفن: «عندما انطلقت هذه الاشغال يوم 23 يناير 1916، لم يكن الأمر يتعلق بتصريف كتلة من المياه تبلغ 2500 م3، ولكن أيضا بإزالة طبقة كثيفة من الوحل الأسود والمختلط بالأحجار والنفايات. انتهت عملية التنظيف يوم 30 أبريل، وتطلبت 997 يوم عمل.»
الهندسة المعمارية لمسقاة مازاغان
في البداية، استعمل الصهريج أوالمسقاة البرتغالية، التي تم بناؤها داخل أسوار مدينة الجديدة، خلال القرن الخامس عشر،كمستودع للحبوب وتخزين الأسلحة.لتتحول إلى خزان للمياه، بعد أشغال التحصين الكبرى التي شهدتها مازغان انطلاقا من سنة 1541م، وذلك من أجل توفير وضمان الماء باعتباره مادة حيوية أيام الحصار والحرب.
لكن لم يتوصل الباحثون إلى التعرف بشكل دقيق على تقنية تزويد الخزان بالمياه، وذلك راجع إلى غياب حفريات أثرية. لكن بعض الإشارات التاريخية تدل على وجود بئر خارج أسوار القلعة من الناحية الغربية، كانت تزود الخزان بالمياه عبر قنوات باطنية إلى جانب تجمع الأمطار.
تأخذ المسقاة البرتغالية التيتضم أيضاأربع قاعات أخرى،شكل فناء واسع تحت أرضي، ذي تصميم مربع الشكل، مغطى بسقف مشكل من عدة قباب مبنية على الطراز الهندسي القوطي بالطوب المشوي.وبها أبراج هي برج الرباط وبرج السجن وبرج اللقلاق. يرتفع علو القباب قرابة 5 أمتار عن أرض المسقاة، فيما تستند على 25 عمودا مبنيا بالحجارة المنحوتة.12 من بينهذه الأعمدةصممبشكل دائري و13 أخرى مربعة الشكل.
وقد استعمل الجير والرمل للجمع بين مختلف العناصر.ورغم كون الفناء شبه مقبب من الداخل، إلا أنه مسطح من الخارج.كما توجد أدراج جانبية بين برجي الرباط والسجن، تسمح بالصعود إلى سطح المسقاة عبر بوابة مقفلة.
وفي وسط المسقاة هنالك مثاب بئر كان في الأصل موجودا فوق سطح المسقاة.ويمكن إلى يومنا هذا ملاحظة آثار الحد الأقصى لمستوى الماء المخزن على الجدران والأعمدة. كما يمكن ملاحظة وجود أنبوب لتصريف المياه الفائضة إلى خارج المسقاة على مستوى الجدران التي يبلغ سمكها حوالي 3،5 متر الكائن بين برجي اللقلاق والرباط. أما أرضية المسقاة،فمغطّاة بوحدات طولية من الآجور الأحمر المشوي، متصلة فيما بينها بمادة الرصاص لمنع التسربات المائية.
وهي تنحدر وتميل في اتجاه وسط المسقاة.
في حين، لا يتوفر سقف المخزن إلا على فتحةواحدة يصل قطرها إلى 3،55 متر. فيما يصل الماء عن طريق قنوات في باطن الأرض تجلبه من العيون والأمطار، كما يضم بعض السلالم الجانبية التي تربطه بسجن المسقاة.
وتضم المسقاة زخارف وعلامات تدل على تاريخها، من بينها النقش الذي يمثل صليب “جنود المسيح”.
المعلمة التاريخيةالملهمة
صمّمت المسقاة البرتغالية بشكل هندسي دقيق، جعل منها تحفة معمارية متميزة شدّت إليها إعجاب كبار المخرجين السينمائيين العالميين والفنانين التشكيليين، ومن بينهم المخرج الأمريكي أورسن ويلز، الذي صوّر فيها بين عامي 1949 و1952، إحدى أروع تحفه السينمائية الخالدة التي كتبها وليام شكسبير تحت عنوان عطيل.
وقد نال أورسن ويلز الجائزة الكبرى لمهرجان كان السينمائي عن هذا الفيلم. وكانت المسقاة أو “السقالة” كما يعرفها الجميع، حاضرة في أعمال العديد من المؤرخين مثل المؤرخ الشهير بيدرو دياش المتخصص في المآثر العمرانية البرتغاليةوالذي قال عنها: «لا يسعنا إلا التوقف عند هذه المعلمة المعمارية الفذة المتمثلة في صهريج مازيغن».
وأوضح بيدرودياش،أن جواو دي كاستيليو أظهر ببنائه هذه المعلمة على أنه:«معماري فذ، قادر على إنجاز تحفة عظيمة لا مجال للنيل من كمال صنعها الفنّي، فالأسلوب البسيط الذي سبق أن اعتمده في بعض أجزاء دير «مسيح كومار» يجمع بين رقة الفنان المرهفة ومعرفة المعماري المتقنة.
ويشير إلى أن تلك الزخارف الفياضة بالحياة من الطراز الموروث عن عصر النهضة لا تشوبها شائبة، ولا تنم الخطوط ولا انسجام الأشكال عن أية حيرة أو اضطراب».
كما عبر غونز الوكوتينيو عن إعجابه بهذه التحفة الفنية، مشيرا إلى قول حاكم مازاغان في تقرير كتبه سنة 1629: «لو كان هذا الصهريج قد بني في بلد أجنبي، لسرت بذكره الركبان ولأصبح حديث المجالس والبلدان، ولما قلّت شهرته عن مسلات روما وحمامات ديوقلييانوس».
في فبراير 2021، أغلقت المسقاة البرتغالية بسبب تدهور وضعيتها، بعدما تم إنجاز دراسة تقنية أكدت وجود مشاكل على مستوى البناية بين سنتي 2019 و2020.
لتحل سنة 2023 لجنة مكونة من خبراء برتغاليين لإبداء الرأي والتعاون فيما يخص الهندسة البرتغالية الخاصة ببناية المسقاة من أجل بدأ أشغال الترميم.