المنعطف-أمال المنصوري
وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في قبة البرلمان المغربي، خطابا كان رفيعا، لا من حيث الدلالة ولا من حيث الظرفية التي تشهدها العلاقات بين البلدين المغرب وفرنسا، خطاب اختلط فيه التاريخ بالاقتصاد والثقافة وبالبعد الإنساني، حيث جسد الامر مستوى اللحظة الآنية التي تعيشها العلاقات بين البلدين “المغرب وفرنسا” في سياق سياسي محض يفرض على الكل التشبث بسيادته و بالأعراف الديبلوماسية وبسط يد التعاون بمنطق رابح-رابح.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان يتحدث باسم دولة عريقة لها تاريخ ومؤسسات، لإعطاء دفعة حاسمة للعلاقات الممتازة المتعددة الأبعاد بين المغرب وفرنسا، ومن أجل الأخذ في الاعتبار طموحات البلدين، ومواجهة التطورات والتحديات الدولية سويا، علما ان مرحلة الجفاء قد ولت وان المغرب صار معادلة صعبة داخل القارة الافريقية، بحكم تمكنه من استقطاب فكر منطق التعاون المشترك دون الغوص في المشاكل الداخلية، وحسم كل ما من شانه ان يعود بالنفع على مجال ترابي ينتمي اليه، وهذا ما اوضحه الرئيس الفرنسي ضمنيا، عندما قال ان المغرب قوة إقليمية لا جدال فيها.
خطاب أكد فيه بالملموس إيمانويل ماكرون، على كتابة صفحة جديدة في التاريخ المشترك بين البلدين، عنوانها الأبرز الشراكة الإستراتيجية الوطيدة و الاستثنائية التي عززتها هذه المرة، وهذا هو الجديد كما قال، فالارتباط بالقضايا الوجودية للمملكة المغربية وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للصحراء المغربية، وهي الأولوية التي لا جدال فيها، بالإضافة الى المشاريع الكبرى الواقعية من حيث التوجه والفعالة من جهة الحاضر والمستقبل.
بطبيعة الحال استحضار الرئيس الفرنسي للمعطيات التاريخية له دلالة رمزية، لأنه استغرق تقريبا ربع مدة الخطاب، للتذكير فقط بالقضايا المصيرية مع المملكة المغربية، التي أصبحت اليوم بمثابة أرضية مشتركة لبناء مستقبل واعد في العديد من القضايا، والتي باشرتها الشراكات والتوقيعات التي تمت في أول يوم من الزيارة الرسمية والدبلوماسية لرئيس الجمهورية الفرنسية والوفد المرافق له ، والتي شملت قضايا مهمة وواعدة، بدءا من الدفاع والأمن والهجرة وغيرها، وصولا إلى الطاقات المتجددة والذكاء الاصطناعي، والتي أبانت عن عمق هذه الاستراتيجيات الواعدة.
كما جاء الخطاب كذلك حاملا لرسالات مهمة، ألا وهي التأكيد من خلال قبة البرلمان، لما لهذا المكان من رمزية على الصعيد الوطني ثم على الصعيد الدستوري، “الخطاب” على تجديد الموقف الثابت للدولة الفرنسية بأن مستقبل الصحراء وحاضرها هو تحث السيادة المغربية، وهو تأكيد علني على موقف فرنسا الثابت في تأييد الحكم الذاتي الذي دعا إليه المغرب سنة 2007، هذا الموقف يعني عمليا بأنه يدعم مسار المجهود الدبلوماسي الذي تقوم به المملكة، لكن هذا الدعم سيكون على مستوى الأمم المتحدة من خلال دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي.
وما يؤكد حمولة الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي وابعادها، بوفد رفيع المستوى وعدد الاتفاقيات الموقعة وعلى اختلافها، هو التجسيد على أرض الواقع بالإعلان أن هناك مجموعة من المبادرات الاستثمارية التي ستقدمها الشركات والمؤسسات الفرنسية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، علما ان مثل هذه القرارات من دولة له شانها دوليا لم يكن من قبل، أي توثيق الاعتراف بالسيادة المغربية على هذه الأقاليم و تثبيت الشرعية التاريخية، بالنظر إلى دور فرنسا أولا على المستوى الدبلوماسي باعتبارها عضوا في مجلس الأمن، ثم وزنها داخل الاتحاد الأوروبي دون اغفال شرعيتها التاريخية، وبالتالي اصبح الادراك عاليا لدى فرنسا ان مصيرها المشترك مع المغرب في التوجه نحو المستقبل، واستحضار سبل التعاون والتشاور في المشاريع الكبرى والتي ستعود بالنفع على اروبا بالدرجة الأولى.
الخطاب تضمن أيضا الاعتراف الضمني بالدور المحوري الإقليمي والقاري للمملكة المغربية من خلال مقاربتها التنموية والإستراتيجية في العمق الإفريقي وهو ما يعزز دعوته للتعاون الواعد في هذا المجال الإفريقي، حيث ذكر الرئيس الفرنسي بلدان جنوب الصحراء والساحل، إذ قال بأن العمل مع المملكة سويا هو ضمان الاستقرار من خليج غينيا إلى ليبيا، هذا الاستقرار هو النموذج الذي تعززت به الأقاليم الجنوبية، وهو ضمنيا يشير إلى المبادرات الإستراتيجية التي أطلقها المغرب بعد المبادرات التنموية خصوصا المبادرة الملكية الأطلسية في هذه الأقاليم .
انتهى الخطاب وانتهت معه الزيارة التي تبقى من بين اهم الشركات في العشرية الأخيرة بين دولتين من قارتين مختلفتين، لا سيما وان كل دولة لها وزن داخل القارة التي تنتمي اليها، ومشاريع ضخمة ستكون مخرجاتها فعالة على القارتين لكن المميز في الشراكة ان المغرب استطاع اعداد أرضية لهذه المشاريع المستقبلية، وهو قادر في نفس الوقت على ان يكون نموذجا يحتذى به في العديد من القطاعات الحيوية، وهو ما اقره ماكرون في خطابه.