هيئة التحرير
في أمسية أدبية استثنائية، وفي إطار الدينامية الثقافية التي يشهدها حزب جبهة القوى الديمقراطية، استضافت رئاسة لجنة الثقافة بالمجلس الوطني للحزب الأديبة الدكتورة لطيفة المسكيني، ضمن برنامج “مسارات أدبية” الأربعاء 30 اكتوبر 2024، لتسليط الضوء على مراحل مشوارها الأدبي وأهم المحطات التي ساهمت في بناء رؤيتها الخاصة للعالم.

لطيفة المسكيني، التي عُرفت بفرادة تجربتها الإبداعية وبجرأتها في معالجة مواضيع معرفية وثقافية حساسة، تناولت خلال اللقاء أبرز التحديات التي واجهتها كشاعرة وأديبة، وكيف انعكس تأثير البيئة الثقافية والاجتماعية المغربية التي ترعرعت فيها على مسارها الأدبي.
كما تحدثت عن أبرز الملامح الفكرية والفلسفية والعرفانية لتجربتها الشعرية، وعن تجليات انفتاحها على الثقافة العربية والثقافات الإنسانية العالمية في أعمالها الأدبية سواء ما كان في الشعر أو تحقيق المخطوط أو الترجمة.

تميز اللقاء بنقاش حيوي حول قضايا الشعر والفكر المعاصر و العرفان الصوفي، حيث تطرقت المسكيني إلى هموم المثقف العربي في ظل التحولات العالمية السريعة. وتحدثت عن أهمية الأدب عموما وعن الشعر بشكل خاص، كوسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية، ودوره في مواجهة التحديات الفكرية التي تفرضها العولمة.
لم تخلُ الجلسة من مناقشة عميقة حول إشكالية الكتابة والجنسانية، ومصطلح الكتابة النسائية، الذي ترى فيه إجحافا بحق المنجز الأدبي الذي تكتبه المرأة، وقوفا على قضايا الواقع واللغة وعلاقتها بالذات المبدعة من منظور المفرد والجمعي.

أثار اللقاء، الذي أداره باقتدار كبير رئيس لجنة الثقافة الشاعر رشيد الياقوتي، تفاعل الحاضرين، الذين شاركوا بأسئلة وأفكار أغنت النقاش وأضفت عليه أبعادًا جديدة، ليشكل هذا الحدث نافذةً مميزة على عالم لطيفة المسكيني الأدبي والفكري.
في هذه الأمسية الفكرية الباذخة و قف الحضور النوعي والمتنوع عند كيف كانت لطيفة المسكيني تتشكل على مهل كقصيدة في ديوان الحياة.
منذ سنوات دراستها في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، كانت لطيفة تستمد قواها من النقد الحديث والمعاصر، غارسة قدميها في تربة ثقافية أصيلة، ومكللةً بشهادة الدكتوراه في عام 2005، وهي تحمل رؤيتها الناقدة لآداب اللغة العربية في وحدة فريدة من نوعها.

وبمهارة بارعة، تتنقل المسكيني بين لغات العالم، تتحدث العربية كما تتحدث الفرنسية، تهمس بالإنجليزية، وتتناغم بالبرتغالية، بل وحتى العبرية، لتكون حلقة وصل بين عوالم متباينة. وقد أسفرت هذه الرحلة اللغوية عن إصدارات شعرية شكّلت محطات مضيئة، بدءًا من “السِّفر المنسي” في 2003، مروراً ب”قزحيات الصمت”2006 و”حناجرها عمياء”2007، وصولاً إلى “فتنة غياب”2012، و”طروس” 2020،كانت هذه المجاميع الشعرية قصائد تتغلغل في الصمت وتستحثّ ما تخفيه الروح والفكرة من ضوء وظلال.

بين دفتي الكتب التراثية القديمة والمخطوطات الصوفية النفيسة، انكبت لطيفة على تحقيق كتابات ذات طابع روحي وأدبي عميق، لتحقق في العام 2019 مؤلف الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي “بُلغة الغواص في الأكوان إلى معدن الإخلاص في معرفة الإنسان”، وتخط مقالتها حول مفهوم الولاية من منظور ابن عربي في المؤلف الجماعي “ابن عربي في مقام الشاوية”2021.
وفي أحدث الترجمات الأدبية، ترجمت عن الفرنسية للشاعرة اليونانية ميليتا توكا- كاراشاليو ثلاث مجاميع شعرية لتمنحها صوتًا عربيًا أصيلًا، دافعةً بالشعر إلى عوالم جديدة لم يكن ليبلغها لولاها.

وحين استمع الحاضرون إلى نصوصها، استمعت هي بدورها إلى أصداء حصدت من خلالها جوائز مهمة، من جائزة فاس الشعرية عام 1993، إلى “جائزة الديوان الأول” عن مجموعتها الأولى “السِّفر المنسي” 2003، ومن ثم “جائزة المغرب للكتاب” – صنف الشعر عن مجموعتها الشعرية الثالثة “حناجرها عمياء” 2008.
علاوةً على عطائها الأدبي، كانت لطيفة تلعب دورًا محوريًا في المشهد الثقافي؛ فهي عضو في هيئة تحرير مجلة “البيت”، والهيئة التنفيذية لبيت الشعر في المغرب، كما تولت أدوار في لجان ثقافية عديدة آخرها كان كرئيسة للجنة جائزة المغرب للكتاب في صنف الشعر سنة 2020.


وأينما وُجدت نقاشات الشعر والثقافة، كانت لطيفة حاضرة، في جلسات شعرية مغربية وعربية، وندوات دولية تضيء فيها ملامح الإبداع الشعري المغربي والعربي والدراسة في مجال التصوف وفي مجال النقد الأدبي.
هكذا، كانت وما زالت لطيفة المسكيني، الشاعرة والمحققة والمترجمة، تسير في رحلتها الأدبية، بخطى واثقة، شاعرةً مغربيةً كتبت قصيدتها الخاصة على صفحات الزمان، وجعلت من شعرها رفيقًا، ومن لغاتها جسرًا بين الثقافات وبينها وبين الآخر.