ليلى خزيمة . المنعطف24
مشاهدات اليوم تسبح بنا في عوالم الرائحة الزكية والمذاق العذب الذي يريح النفس ويبعث على الجد والعمل. رشفة واحدة هي الفارق بين النشاط والخمول، بين المزاج الحسن والعكر.رشفة مباحة، رشفة قهوة.
يعتبر هذا المنتوجواحدا من المشروبات الأكثر شعبية في جميع أنحاء العالم. يُحَضر هذا المشروب الساخن من بذور البن المحمصة، وينمو في أكثر من 70 بلدا. خصوصا في المناطق الاستوائية في أمريكا الشمالية والجنوبية وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية وأفريقيا. ويقال أن البن الأخضر هو ثاني أكثر السلع تداولا في العالم بعد النفط الخام. ونظرا لاحتوائها على الكافيين، فإن للقهوة تأثيرا منبها للبشر.
محلات بيع القهوة بالمغرب
اعتاد المغاربة كما هو الحال بالنسبة لمجموع بلدان العالم على احتساء فناجين القهوة إما في البيت بعد شراء البن المطحون وتحضيره وإمابارتياد المقاهي. إلا أنه في السنوات الأخيرة، لاحظنا انتشار محلات جديدة تقدم خدمة من نوع آخر لم يعتد المواطن عليها من قبل. محلات تبيع حبوب القهوة وتقوم بعملية طحن المسحوق حسب الطلب والرغبة وتحضير فناجين القهوة لعشاقها. مفهوم جديد مكن جميع شرائح المجتمع من الاستفادة من خدمة عالية المستوى لتواجده في الأحياء الشعبية كما الأحياء الراقية.
بزيارتنا لإحدى هذه المشاريع، تقربنا أكثر من مبدأ الخدمة ومراحل تطورها. يقول وليد الدراز، الممثل الإعلامي لشركة دهب: «الفكرة هي عصارة سنوات من الخبرة والتجربة في مجال القهوة. فخلال رحلاتنا خارج المغرب صادفنا هذا النوع من المحلات التجارية الخدماتية، فقلنا لما لا يكون لدينا مثلها في بلدنا. فرفعنا تحدي إنشاءها، وكانت أول شركة مغربية 100 %لهذا النوع من الخدمات. لدينا أربع أنواع من القهوة نقدمها للزبون: قهوة خاصة، قهوة برازيلية، قهوة موكا وقهوة الارابيكا. نستورد هذه الأنواع، المختلفة في الطعم والنكهة،في شكلها الخام من مجموعة من دول العالم. نقوم هنا في المغرب بعملية التحميص التي هي العملية الأساس في تحضير القهوة. وحسب خبرتنا قلائل هم الذين يقومون بهذه العملية هنا في المغرب لشدة دقتها واستنادها على خبرة ومهارة عالية».
ولتقديم هذا النوع من الخدمات، يعتمد المنخرطون فيه على يد عاملة بمهارات خاصة. لذلك أوضح إبراهيم اسويك المدير التجاري للشركة أنهم: «لإنجاز هذا النوع من المشاريع وضمان نجاحه، أول ما راهنا عليه هو تكوين الموارد البشرية. فميدان القهوة في المغرب كان ينقصه تكوين خاص للشباب. اعتمدنا في هذه التكوينات على أساتذة متخصصين متمكنين من داخل وخارج المغرب. يقدمون دروسا عملية في مجالي التكوين والتكوين المستمر. فأنشأنا أكاديمية دهب سنة 2018، كونا فيها في البداية 8 شباب بتنسيق مع أستاذ ذو خبرة في المجال ودرَّس في العديد من المدارس الكبرى والشركات عبر العالم. استفدنا من تجربته واستطعناإنشاء مركز ينتج شبابا متكونا في هذا المجال يقدم منتوجا نسهر على جودته. وهي نتيجة 35 سنة من الخبرة في مجال القهوة».الشيء الذي أكده سعد بويلار الرئيس التنفيذي للشركة: «أصبحت لدينا ولله الحمد علامة تجارية مغربية 100%بكل معايير الجودة سواء من ناحية طريقة التحميص أو الخلطةأو طريقة التسيير أو التوزيع والتسويق. وهذه ميزة يستشفها الزبناء لأن كل المشرفين على نقاط البيع يتكلمون نفس لغة الجودة ويقدمون المنتوج بنفس الطريقة ويجهزون فناجين القهوة بنفس التقنية وهذا عمل جبار تسهر عليه الأكاديمية».
هذه اليد العاملة تطورت وأصبحت ظاهرة تراها في كل مكان: «لدينا ما يفوق 400 عامل وعاملة مقسمين ما بين موظفين تجاريين ووكلاء تجاريين ومسوقين موزعين عبر 18 مدينة من مدن المملكة وما يزيد عن 90 فرعا بهدف الوصول إلى 100 فرع في القريب العاجل. أما بالنسبة للخدمات التي نقدمها،فلدينا الخدمة المباشرة التي تتم ما بين مسؤول نقطة البيع والزبون ولدينا كذلك الوكلاء التجاريين الذين يهتمون بالبيع للفنادق والمحلات التجارية الأخرى والمقاهي»، يصرح وليد الدراز.
تنقلنا عبر مجموعة من نقاط البيع ولمسنا تفاعلا رغم أن المغاربة معروفون بحبهم لشرب كؤوس الشاي: «الحمد لله، الأرقام التي وصلنا إليها جد مشرفة توضحهاالإحصائيات التي نقوم بها لتقييم تفاعل المجتمع المغربي مع هذا النوع من المشاريع الخدماتية. فالمستهلك يبحث عن جودة المنتوج. فكرة التفرع عبر ربوع المملكة جاءت من شمال المغرب. فأول نقطة بيع كانت بمدينة تطوان. السياح المغاربة الذين زاروا المدينة خلال فصل الصيف وتعرفوا على الخدمة، كانوا يلحون على الاستفادة من هذه الجودة في مدنهم. فقررنا أن نوسع مجال تسويقنا لمشروع محلات بيع وتحضير القهوة هذه… واليوم، نسعى إلى توسيع نطاق اشتغالنا نحو الجهة الشرقية وجنوب المغرب وصولاإلى المدن الصحراويةإن شاء الله. وأهدفنا لم تكن لتتحقق لولا اليد العاملة المغربية التي تتفانى في تطوير المشروع»، يضيف وليد الدراز.
لكن، لماذا كل هذا الحب للقهوة عبر العالم؟ ومن أين جاءت؟ وكيف تطورت؟
الرحلة من الاكتشاف الى الانتشار
تقول الأسطورة أن راعيا من الحبشة المعروفة حاليا باسم إثيوبيا هو الذي كان له الفضل في اكتشاف القهوة، عندما رأى أن ماعزه أصبحت أكثر نشاطا من المعتاد بعد تناول ثمار الشجيرة.فقرر أن يتناول بعضا منها، فكان أول من لاحظ التأثير المنشط للكافيين الموجود في كرز نبات القهوة العربية. شارك الراعي اكتشافه مع المجتمع الصوفي المحيط به. وقد صنع هؤلاء محلولا مغليا في الماء، وسرعان ما أحبوه لأنه سمح لهم بعدم النوم أثناء الصلاة.
وبعيدا عن الأسطورة، كشفت دراسة بيولوجية أن أصل القهوة يعود فعلا إلى إثيوبيا، حيث تم استهلاكها منذ عصور ما قبل التاريخ من قبل أسلاف شعوب هذه المنطقة من العالم. وكشفت الحفريات أن المستحضرات التي تعتمد على القهوة كانت جزءا من نظامهم الغذائي سواء منها المشروبات أو مستحضرات الوجبات.
أما أول توثيق مكتوب يتعلق بالقهوة، فيعود تاريخه إلى القرن التاسع، في عمل طبي، تناوله بعد ذلك ابن سينافي القرن الحادي عشر، واستشهد به في كتابهقانون الطب. يصف العمل الطبي آثار القهوة والكافيين على الجسم، وبشكل خاص على الجهاز الهضمي.
وعلى مدار القرون التالية، انتشرت القهوة من إثيوبيا إلى اليمن ومصر وعبرتحدود الدول الشرقيةإلى شبه الجزيرة العربية، وذلك بفضل المسافرين الذين ذهبوا إلى مكةللحج. أخذ هؤلاءالحبوب الثمينة التي أعطتهم الطاقة لرحلتهم الطويلة. ثم انتشر النبات إلى بقية العالم العربي، مما جعله أكثر شهرة وتقديرا. وبحلول القرن الخامس عشر، وصلت حبوب القهوة إلى أرمينيا وبلاد فارس وتركيا وشمال أفريقيا. وقد انتشرت من العالم الإسلامي، إلى إيطاليا، ثم إلى بقية أوروبا وإندونيسيا وإلى الأمريكيتين.وأصبح هذا المنتوج يمثل مساهمة كبيرة في اقتصاد الدول المنتجة له.
التركيبة الجينية للقهوة وطريقة زرعها
البن هو شجيرات ذات أوراق دائمة الخضرة ومتقابلة. تنتج هذه الشجيرات ثمارا ممتلئة حمراء أو أرجوانية أو صفراء، تسمى كرز القهوة، مكونة من نواتين، تحتوي كل منهما على حبة قهوة.
حوالي 50% من المادة الجافة لحبوب البن الخضراء غير المحمصة تتكون من الكربوهيدرات، وخاصة السكريات. تمثل البروتينات 10 إلى 12% والدهون 10 إلى 18%. تحظى حبوب البن بالتقدير لمركباتها النشطة بيولوجيا: أحماض الكلوروجينيك،بنسبة 5 إلى 9% من الكتلة الجافة، ذات الخصائص المضادة للأكسدة والكافيين،بنسبة 0.5 إلى 3.5%، ذو الخصائص المحفزة.
ومن بين الأنواع الرئيسية للقهوة، فإن العربية عموما هي أكثر اعتبارا من روبيستا التي تميل إلى المرارة وأقل نكهة ولكن هيئتها أفضل من العربية. لهذا فإن نحو ثلاثة أرباع القهوة المزروعة عالميا هي القهوة العربية. بالإضافة إلى ذلك تحتوي سلالات روبيستا على حوالي 40-50% من الكافيين أكثر من الأرابيكا ولهذا السبب يتم استخدامها كبديل غير مكلف للقهوة العربية في العديد من خلطات القهوة التجارية.
أما الطريقة التقليدية لزراعة القهوة فيقول الخبراء أنها تعتمد على وضع عشرين بذرة في كل حفرة في بداية موسم الأمطار.لكن، بهذه الطريقة، كانت تُفقد حوالي 50% من البذور لينمو النصف المتبقي.في حين هناك الطريقة البرازيلية الأكثر فاعلية لزراعة القهوة وهي أن توضع الشتلات في حاضنة حتى تنمو في الخارج لمدة ستة إلى اثني عشر شهرا.
تحميص القهوة، علوم وأسرار
التحميص هي العملية السحرية التي تحول النبتة من مجرد بذرة إلى منتوج خرافي يسلب الألباب. وهو ثالث المراحل الأربعة التي تتدخل في إعداد القهوة بعد الزراعة والتخمير وقبل التحضير. فن التحميص يعتمد على الخبرة، وقليلون هم الذين يخاطرون بالخوض فيه. فهي المرحلة التي تحدد النكهة والطعم والجودة بعد نوعية النبتة.ظاهرة كيميائية معقدة تجمع بين عدة مكونات: الحرارة والماء والكتلةواختلافات في الضغط. عند تسخينها، يتبخر الماء الموجود في حبوب البن، والذي يتكون من 10الى 12%من الرطوبة. بفعل الحرارة، يتدفق الماء من قلب الحبة نحو الخارج، وهذا التسخين يخلق تدفقا للطاقة الحرارية من الخارج إلى داخل الحبوب، مما يخلق تفاعلا ثلاثيالأبعادمع تبادلات الغازات التي تتم من الداخل إلى الخارج.
بانتقال الماء من الحالة السائلة إلى الحالة البخارية، يزيد الماء الضغط حتى يكسر جميع تجويفاتالخلايا، وبالتالي يحرر جميع الزيوت الموجودة في الحبوب بشكل دائم. لذلك فإن تحول الحبوب أثناء التحميص هو مرحلة مهمة يتغير فيها اللون من الأخضر إلى البني، وتفقد الحبة ما يصل إلى 18% من وزنها، ويتضاعف حجمها، وتصبح أقل كثافة، وبها مسامات أكثر.
لذلك، هناك بعض القوانين التي يجب مراعاتها خلال عملية التحميص منها ألا يكون التحميص طويلا جدا أولا قصيرا جدا، أن يأخذ منحنى درجة الحرارة شكل حرف “س” بالأحرف اللاتينية، ألا تنخفض درجة حرارة القهوة، الانتباه إلى المرحلة الحاسمة في التحميصوالتي تبدأ من أول صوت فرقعة إلى آخر المرحلة وتكون ما بين 20 إلى 25 % من اكتمال التحميص،وأخيرا، يجب أن يتم التبريد بعد التحميص في أقل مدة زمنية ويكون عموما أقل من 4 دقائق.تبقى درجات الحرارة والمدة الزمنية المعتمدة من خاصية كل خبير وهي التي تحدد النكهة ونسبة المرارة والجودة وتطلق العنان للروائح الزكية المنعشة.
رائحة تصدح بها محلات بيع وتحضير القهوة المتفرقة عبر الاحياء لتجذب الزبائن وتحدد مزاج ولون يومهم.