المنعطف 24. بقلم عبد الرضي لمقدم
رافق مقولة ماركس الشهيرة ” الدين أفيون الشعوب ” جدال كبير حول العلاقة بين الدين و الدولة و بينه و بين الماركسية و التيارات التقدمية بشكل عام بما تجاوز المعنى السطحي لمقولات ماركس و موقف الماركسية بشكل أوسع.
و إذا كان ماركس قد قال مقولته الشهيرة و المشار إليها أعلاه، فإنه كان يقصد العلاقات التي كانت سائدة بين الدولة البروسية و الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا خلال القرنين السابع و الثامن عشر الميلادي.
لكن قد ظل لهذه الجملة صدى خاص، فالدين يمكن أن يكون أفيونا مثلما يمكن للفن و الأدب أن يكونا أفيونا كما هو الشأن بالنسبة لكرة القدم و السياسة أن يكونا أفيونا هما الأخرين . هذا و قد عبر عن ذلك صراحة فيديل كاسترو الراحل في حوار مع أحد الكرادلة في كوبا.
فماركس لم يعمم مقولته لتكون صالحة لكل عصر أو لكل قطر او لكل التشكيلات الإجتماعية كما فعل غيره( أنجلز- لينين) فقد أكد هؤلاء أن الدين كعنصر مهم في دعم و مساندة نضال الكادحين و هو ما يستنتج من كلام ماركس عن الفلاحين في ألمانيا.
فلا يهم إن كان الإنسان مؤمنا أم لا لأنه في الأخير ما يهم هو قراءة الواقع لإستخلاص قواعد و مستنتجات تمكن من تغيير كل الجوانب الإيجابية و توضيفها لإحداث ذاك التغيير المنشود و تشخيص الجوانب السلبية التي تعيق هذا الغرض و دراسة تأثيراتها المحتملة أن تعرقل مسار التطور التاريخي للبشر.
فأولا و قبل كل شيء يجب الإقرار بأن ماركس قام فقط باقتباس عبارة” الدين أفيون الشعوب” من الفيلسوف إيمانويل كانط حيث وردت العبارة في كتابه (الدين في حدود الفعل البسيط) حيث كان رجال الدين المسيحيين يقدمون تطمينات عند رؤوس الموتى لا سيما و أنه كان هناك تخوف سائد لدى العامة من الموت و الخوف هنا هو خوف بدني و ليس خوف أخلاقي.
على خلاف الدين الإسلامي، ففي الدين المسيحي هناك طبقة تسمى_ الإكليروس_ و هي مؤسسة قائمة الذات وفق الترتيب و التسلسل الهرميين في الكنيسة و هؤلاء يقومون بدور الوسيط و هذا الدور هو الذي تستمد منه الكنيسة سلطتها الرمزية و الروحية في حين لا توجد هذه المؤسسة في الإسلام رغم أن هذا الأخير توجد به مذاهب و فرق و اجتهادات أحيانا متصادمة فيما بينها.
لذلك نجد أن التقدميون العرب سقطوا في هذا الخطأ باستعمالهم لمقولات ماركس و أنجلز و غيرهم نفسها في شأن الدين رغم اختلاف الزمان و المكان و الظروف و الأوضاع حيث حاكموا الدين من موقع مسيحي و غربي و هذا ما أدى إلى أخطاء فكرية قاتلة.