سكينة فكراش
باحثة في الثقافة و التراث والتدبير الترابي
لم يكن الزلزال قويا ليهدم منازلنا، لكنه كان كافيا ليهز قلوبنا. الساعة كانت تشير إلى 23:11 حين بدأت الأرض تهتز قليلا تحت أقدامنا، ولم يكن أحد يتوقع أن تلك اللحظات، رغم أنها قصيرة نسبيا، ستبقى محفورة في ذاكرتنا للأبد.
في البداية، كان كل شيء غامضا. هل نحن حقا نشهد زلزالا؟ لم نكن نعرف ماذا نفعل في تلك اللحظات الأولى، لكننا خرجنا مسرعين إلى الخارج، نبحث عن الأمان تحت السماء المفتوحة. رغم أن بيوتنا بقيت صامدة، إلا أن شيئا في داخلنا قد انهار.
أمضينا تلك الليلة في العراء، نتبادل النظرات الصامتة، التي كانت تحمل في طياتها آلاف الأسئلة. لم يكن هناك الكثير مما يمكن قوله، فقد كان الشعور بالحياة والنجاة يطغى على كل شيء. ومع كل تلك النجاة، كنا نشعر بالألم لأجل أولئك الذين فقدوا حياتهم، الذين لم يكن الحظ بجانبهم في تلك الليلة الحالكة.
كانت أفكاري تعود إلى الصورة التي التقطتها في ذلك اليوم، قبل الزلزال بساعات، وأنا في طريقي الي منزل الوالدين بمراكش بعد أسبوع عمل طويل في العاصمة ، كتبت حينها: “إلا ضاق الحال، ركب على أسوار الحمرا قلبك يرتاح، واقرا للصلاح فاتحة، والباب اللي تريد تجبر مفتاحو” لم أكن أدرك في ذلك الوقت أن تلك الكلمات المستلهمة من فن الملحون، والتي بدت لي مجرد تعبير عابر، ستتحول إلى ملاذ نفسي في تلك اللحظات المليئة بالخوف.
عندما نعيش مثل هذه الأحداث المفاجئة، ندرك أن الحياة ليست ثابتة كما نعتقد. الزلزال لم يكن مجرد حركة أرضية، بل كان صدمة نفسية هزت كل اليقينيات التي نبنيها حول الأمان والاستقرار. الكلمات التي كتبتها في ذلك اليوم أصبحت نوعا من الدعاء غير المقصود، تبحث عن مأوى داخلي وسط هذا الفوضى الطبيعية.
لكن مع مرور الأحداث، ومع تلك الليلة التي هزت فيها الأرض نفوسنا قبل أن تهز المنازل، فهمت معنى أعمق لهذه الكلمات.أدركت أن “أسوار الحمرا” لم تكن مجرد جدران مادية، بل كانت رمزا للقوة والطمأنينة التي نجدها في داخلنا. وأن “الباب اللي تريد” ليس بابا خارجيا نبحث عن مفتاحه، بل هو باب القلب، باب السلام الداخلي الذي نحتاج أن نفتحه لأنفسنا، مهما كانت الظروف قاسية.
نعم، ربما لم تكن الهزة كافية لهدم بيوتنا، لكنها بالتأكيد كانت كافية لتسائلنا عن معنى الاستقرار الذي نبنيه، وكيف يمكن للطبيعة، في لحظة واحدة، أن تسلبنا شعورنا بالأمان. وهنا يجب أن نفهم أن الزلازل، سواء كانت في الأرض أو في حياتنا، ليست مجرد أحداث عابرة، بل لحظات حاسمة تدفعنا لإعادة التفكير في أولوياتنا، وفي كيفية بناء أنفسنا بشكل أقوى من أي جدران.
ومع هذه الذكرى المؤلمة، لا يسعني إلا أن أتمنى أن تكون الأرواح التي فقدناها قد وجدت السلام الذي نبحث عنه جميعا..