21, نوفمبر 2024

 

ليلى خزيمة

على بعد حوالي 20 كلم شمال شرق العرائش وفوق تلة بارتفاع 54 مترا، يتربع موقع مزورة الأثري. يعد هذا الموقع الأركيولوجي من صنف “كرومليك”، حيث تتراص بشكل عمودي 167 صخرة أو ما يسمى بالمصطلحات الجيولوجية “المونوليت”، بأحجام وأشكال مختلفة، حول تلة بطول 58 مترا وعرض 54 مترا وارتفاع 6 أمتار. يبلغ قياس أحد الأحجار المتراصة، المعروفة باسم “الوتد”، أكثر من 5 أمتار، ويبلغ متوسط ارتفاعها 1.5 متر. يعد موقع مزورة الأثري الأكبر من نوعه بشمال إفريقيا ويُعتقد أنه يعود إلى العصر البرونزي. كما ينطوي: «على مؤهلات تاريخية وتراثية ويكتنز بخصوصيات معمارية وتاريخية متلهفة إلى أبحاث علمية دقيقة.» محمد مهدي بنسعيد وزير الثقافة.

الشكل الهندسي لموقع مزورة الاثري

يقول الباحثون أن موقع مزورة الأثري يتكون من موقعين. الأول هو الأحجار الدائرية والتي تم التأريخ لها ما بين الألف الرابع والثالث قبل الميلاد. أما الموقع الثاني فهو الوسط الذي يطلق عليه اسم “تيميلوس”، وقد أكد المؤرخون أنه يعود إلى الحقبة ما بين القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد.

واعتبر العالم الأركيولوجي عبد الجليل بوزوكار أن هذا الأمر مهم للغاية تاريخيا لأنه يعني أنه في نفس المكان كانت هناك استمرارية لتواجد النشاط البشري. كما يُظهر مقدرة الإنسان على بناء الأحجار بهذا الشكل، أي وضع حجرين يتراوح طولهما ما بين 4,2 و5 أمتار في المدخل ورص حزام دائري بأحجار يصل ارتفاعها إلى 1,5 مترا.

وأكد أن: «هذا التشكيل يظهر مقدرة الإنسان الذي كان يقطن هنا على إتقان طريقة البناء زمنا قبل الالتقاء مع أقوام أخرى. بمعنى أنه كانت هناك إرهاصات أولى للعمارة. أعتقد أنه تم اعتماد نوع البناء هذا لأغراض التنظيم الاجتماعي وربما العقائدي المرتبط بالطقوس التي كانت تمارس حينها».

كما تشير دراسات الموقع إلى أن القياسات التي تم القيام بها تبرز أن كرومليك مزورة هو ذو شكل إهليجي أي بيضوي وأن أبعاده ونسبه قائمة على وحدات قياس غير معروفة لحد الآن، كما أنه ليس لها مثيل إلا في إيرلاندا وبريطانيا. وهي تشكل أكبر كرومليك إهليجي صخري تم العثور عليه في العالم. وترجح الدراسات أن عمق الوادي المحاذي لمزورة وتغير مستوى البحر يشيران ربما إلى وجود مجرى مائي صالح للملاحة كان يقود للموقع وأنه ربما دليل على العلاقات التي كانت قائمة بين المغرب وبريطانيا خلال عصور ما قبل التاريخ.

مراحل التنقيب والبحث

بعد محاولات عدة للبحث والتنقيب واستخلاص النتائج عبر دراسات غير واضحة خلال القرن التاسع عشر، بدأ عالم الآثار الإسباني مونتالبان ما بين عامي 1935 و1936 أعمال تنقيب جادة في موقع مزورة الأثري. لكنها للأسف توقفت بسبب الحرب الأهلية الإسبانية واعتقال مونتالبان من قبل حكومة فرانكو وبالتالي ضياع كل الملاحظات والاستنتاجات التي كان قد وصل إليها عالم الآثار. وفي سنة 1952، قدم عالم الآثار الاسباني لويس ميغيل دي تاراديل تقريرا موجزا ​​وغير مباشر عن الموقع، ثم بين عامي 1969 و1972، أجرى فريق فرنسي أمريكي قراءات أخرى للنتائج لكن شابتها العديد من الأخطاء. أخيرا، وبناء على طلب من الحكومة المغربية، في الفترة ما بين 1979-1980 ثم في عام 1998، وتحت إشراف جون بيير دوغاس وعبد العزيز الإدريسي، تم تشكيل تعاون علمي مع البعثة الفرنسية المختصة في أبحاث ما قبل التاريخ، لإجراء بحث حول موقع مزورة الأثري. وقد أبانت الدراسة على أن: «الموقع هو تلة جنائزية بها كل الشروط الجيدة للمقارنة التاريخية والمعمارية مع منطقة ليكسوس نفسها ومنطقة الغرب المجاورة. أي وجود تلة كبيرة الحجم بها غرفة مركزية، مثل ما يوجد بسيدي سليمان وكودية بو ميمون. كما أكدت أن تاريخ موقع مزورة الأثري يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، والذي يمكن أن يشير إليه الأثاث المعدني والشاهدة المنقوشة والمقارنات الإقليمية. وهو متوافق تماما مع المصادر الأدبية القديمة. أما ميزة هذا القبر الأميري، فتتمثل في قلب نصب تذكاري مذهل ومرموق من عصور ما قبل التاريخ. وهذا لا يمكن إلا أن يعزز الهالة التي كانت تتمتع بها هذه الشخصية خلال حياتها». جون بيير دوغاس وعبد العزيز الادريسي، كلوي دوغاس، بيير شوفي، إمانويل بون وإبراهيم أوشاعو، المجموعة الصخرية والجبل الجنائزي لمزورة بالشواهد.

موقع مزورة الاثري، أساطير وعبادات

حيكت العديد من القصص والأساطير حول موقع مزورة الأثري المتفرد، وكل حيثياتها تؤكد على أن سكان شمال إفريقيا القدامى انخرطوا في عبادة الأسلاف، نظرا لوجود العديد من تلال الدفن المماثلة في جميع أنحاء شمال إفريقيا. وكذلك أن الشخص المدفون هناك كان زعيم حرب قبلي مهم أو ملك.

لفت هذا النصب التذكاري انتباه المغامر البريطاني السير آرثر كوبل دي بروك الذي ذكره في كتابه استكشافات في إسبانيا والمغرب ووضع له رسما توضيحيا سنة 1846. كما ذكره المؤلف وعالم الجيولوجيا الفرنسي إيميليان رينو في كتابه الوصف الجغرافي للإمبراطورية المغربية. ليقدم بعدها الجيولوجي وعالم الأحياء الفرنسي غوستاف ماري بليشر سنة 1875 أول وصف كامل لتلة مزورة. وفي عام 1932، وصف الكاهن الفرنسيسكاني هنري كوهلر الأحجار المتراصة المحيطة به.

أما عن حكايات موقع مزورة الأثري، فتقول إحدى أساطير الميثولوجيا الإغريقية أن هذا الموقع هو قبر للعملاق “أنتونياس” أو كما يسمى بالأمازيغية عنتي، وهو ابن إلاه البحر “بوسيدون” وإلاهة الأرض “غايا”. فالأسطورة تحكي أن عنتي دفن هنا بعد هزيمته من طرف هرقل في المعركة التي جمعت بينهما خلال زحف هرقل نحو مدينة ليكسوس. ظل عنتي بطلا أسطوريا لا يقهر. كان يصارع كل الغرباء، وعندما تضعف قواه يذهب إلى أمه الأرض وينشر التراب على جسمه، وبذلك يستعيد قواه من جديد وبقي الأمر على هذا النحو إلى تمكن هرقل من اكتشاف سره. وبعد صراع أسطوري طويل تمكن هرقل من معرفة نقطة ضعف عنتي فرفعه عن الأرض فضعفت قواه، وبالتالي تمكن من التغلب عليه.

ونظرا لشهرة هذا الصراع الأسطوري، فقد تم رسمه على الأيقونات الإغريقية بشكل يبرز خصائص كل من شعبي البطلين. إذ تم رسم عنتي بشعر طويل ولحية طويلة وهي من مميزات مظهر الأمازيغ القدماء، في حين رُسم هرقل بمظهر يمثل الإغريق القدماء أي بشعر قصير ولحية قصيرة. كما أن متحف اللوفر الفرنسي لا زال يحتفظ برسم للفنان الأثيني أوفرونيوس، وهو عبارة عن لوحة تمثل البطل الأمازيغي عنتي وهو يصارع هرقل.

وتقول الأسطورة أن طول عنتي كان يصل إلى أزيد من 26 مترا، مما يفسر حجم قبره الذي يصل إلى ثلاثين مترا. وقد قام الجنرال الروماني كوينتوس سيرتوريوس بفتح القبر لعدم إيمانه بحجم العملاق عنتي. وعندما فوجئ بحجم الجثة، قام بتقديم قرابين وغطى القبر احتراما للعملاق. كما يعتقد السكان المحليون أن أكبر صخرة في الموقع مزورة والمسماة بالوتد تشير إلى اتجاه غروب الشمس في الاعتدال الخريفي والربيعي.

العودة إلى الحياة

حفاظا على تاريخه، عرف مؤخرا موقع مزورة الأثري عمليات ترميم من قبل وزارة الثقافة، في إطار برنامج يهدف إلى إعادة تثمين المواقع الأثرية بإقليم العرائش.

وقد شكلت زيارة السيد محمد مهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والرياضة للموقع، شحنة حيوية للموقع، إذ قال في تصريح للصحافة بالمناسبة، إن موقع مزورة: «معلمة فريدة ليس فقط على صعيد شمال إفريقيا، بل على الصعيد الدولي، لأن المعالم المشابهة له في العالم هي قليلة جدا». وتابع السيد الوزير أن للموقع: «أهمية كبرى في المجال الأثري والأركيولوجي، وهناك اهتمام كبير على الصعيد الوطني والدولي بهذا النوع من المعالم التاريخية. فالوزارة منخرطة بأن يحظى الموقع بالترميم وأن يتم تعزيز الأبحاث العلمية حول هذه المعلمة، والتي سيقوم بها المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، لأن هناك جزء من تاريخ الموقع لا نعرفه، وهو ما يقتضي دعم الأساتذة والباحثين للكشف عنه».

وأضاف أنه يتعين أيضا: «الاهتمام بجمالية المنطقة، وهي فرصة لربط المآثر التاريخية بتنمية محيطها وترسيخ مفهوم السياحة الثقافية، من خلال استثمار المؤهلات لربط الماضي بالحاضر والمستقبل، لإنعاش الدورة الاقتصادية المحلية، وبث دينامية إيجابية في هذه المنطقة من إقليم العرائش».

من جهته، أكد مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، عبد الجليل بوزوكار، أن: «الموقع مهم جدا ليس فقط بالنسبة لتاريخ المغرب، بل لتاريخ إفريقيا والإنسانية».

 

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version