سناء كريم
قال الشعب الفرنسي كلمته بخصوص الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، في محطة ديمقراطية برهنت على أن تعزيز الوعي الشعبي ضروري لممارسة حق الاختيار، حيث جاءت النتائج عكس ما تكهنت به استطلاعات الرأي الفرنسية، والتي كانت تشير إلى تصدر أقصى اليمين هذه الانتخابات.
خلق تحالف اليسار، المجتمع تحت راية “الجبهة الشعبية الجديدة”، المفاجأة حين تصدره لنتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة بـ 182 مقعدا في الجمعية الوطنية الفرنسية، وفقا للنتائج النهائية لهاته الانتخابات التي يعتبرها الفرنسيون مصيرية لإعادة التوازن للبلد، وهو تحول كبير تشهده فرنسا أخيرا.
وحصل المعسكر الرئاسي، تحت راية “أونسومبل”، على 163 مقعدا، بينما حصل التجمع الوطني (أقصى اليمين) وحلفاؤه على 143 مقعدا، حسب وزارة الداخلية الفرنسية.
وهكذا، لا تستطيع أي من التشكيلات السياسية الوصول بمفردها إلى الأغلبية المطلقة البالغة 289 نائبا، وفق نفس المصدر.
ومن حيث عدد الأصوات، تصدر التجمع الوطني الانتخابات بأكثر من 8,7 مليون صوت، أي 32,05 بالمائة من الأصوات المعبر عنها. وحصلت الجبهة الشعبية الجديدة على أكثر من 7 ملايين صوت، أي 25,68 بالمائة من الأصوات، في حين حصدت الأغلبية الرئاسية على أكثر من 6 ملايين و314 ألف صوت، أي 23,15 بالمائة من الأصوات.
وبعد الكشف عن النتائج، أعلن رئيس الوزراء، غابرييل أتال، أنه سيقدم استقالته للرئيس إيمانويل ماكرون الأسبوع الجاري، والذي سيعود له مهمة تعيين رئيس الوزراء الجديد. لكن طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اول امس الاثنين، من رئيس الوزراء غابريال أتال، الذي أتى لتقديم استقالته، “البقاء في منصبه في الوقت الراهن لضمان استقرار البلاد” وفق ما أعلن “الإيليزي”، شاكرا له “على قيادته حملتَي الانتخابات الأوروبية والتشريعية”.
وكان جان لوك ميلونشون، الذي يمثل أقور حزب في جبهة التحالف اليسار، قد أعلن عن رفضه المطلق التحالف مع معسكر إيمانويل ماكرون، ردا على تصريحات هذا الأخير التي أكد فيها أنه لن يكلف ميلونشون بتشكيل الحكومة، تحت أي ضغوط.
وتم استدعاء حوالي 49.3 مليون فرنسي إلى صناديق الاقتراع أمس الأحد برسم الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي في 9 يونيو، بعد أن قرر حل الجمعية الوطنية عقب فوز أقصى اليمين في الانتخابات الأوروبية.
وتنافس حوالي 1,094 مرشحا في هذه الجولة الثانية لشغل 501 مقعدا في الجمعية الوطنية.
وفي ختام الجولة الأولى، تم انتخاب 75 نائبا من أصل 577. وحصل التجمع الوطني على 39 مقعدا، مقابل 32 للجبهة الشعبية الجديدة، و2 للمعسكر الرئاسي.
وبلغت نسبة المشاركة 66,63 بالمائة يوم الأحد، حيث صوت 28 مليون و870 ألف و328 ناخبا، وفقا للنتائج النهائية لوزارة الداخلية الفرنسية.
10 رسائل للانتخابات الفرنسية:
وفي تحليل لنتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية، رصد عمر الشرقاوي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية الحقوق المحمدية، 10 رسائل للانتخابات الفرنسية، ويتعلق الأمر بـ:
1- نتائج انتخابات ستقود حتما إلى ما يسمى “البرلمان المعلق” حيث غياب أغلبية واضحة ب289 عضوا بالجمعية الوطنية.
2- ماكرون أكبر الخاسرين، وسيكون مضطرا لاستكمال ولايته وفق إكراهات مرحلة التعايش أو الاضطرار لتقديم استقالته.
3- اليسار والجبهة الشعبية بصفة عامة التي يقودها ميلونشون أكبر الرابحين، حيث شكك الكثير من السياسيين في قدرة ابن طنجة على توحيد اليسار والفوز بالانتخابات.
4- الجبهة الشعبية والجبهة الوطنية، سيستفيدان من سيناريو تأزيم الوضع السياسي والدستوري لدفع ماكرون نحو الاستقالة، اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة.
5- سجلت نسبة المشاركة في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية 67 في المائة أعلى نسبة في انتخابات تشريعية منذ تلك المسجلة عام 1981 (61,4 في المائة).
6- انتخابات هيمنت عليها ثلاث كتل سياسية كبيرة عوضا عن المنطق الحزبي التقليدي كما عهدناه في الانتخابات السابقة.
7- الرئيس الفرنسي لن يكلف أي رئيس حكومة و سينتظر التشكيل الجديد للجمعية الوطنية “مجلس النواب” قبل اتخاذ قراره الدستوري.
8- نتائج الانتخابات ستلزم رئيس وزراء فرنسا غابريال أتال بتقديم استقالته إلى الرئيس ماكرون في أقرب وقت غدا أو بعد غد.
9- نتائج الانتخابات التشريعية تؤكد أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2027، في حالة عدم استقالة ماكرون ستكون بين كتلتي اليسار والجبهة الوطنية
10- نتائج الانتخابات أظهرت ميل ميزان القوى للبرلمان على حساب رئيس الجمهورية، الذي سينهي ولايته بطريقة صعبة للغاية.
ويختلف مراقبون من يرى أن هذا التشنج بين جان لوك ميلونشون، إيمانويل ماكرون، قد يؤدي إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ومن يقول بصعوبة ذلك إلا بعد مرور سنة من تاريخ قرار حل البرلمان، أي 9 يونيو 2025، وبالتالي من الضروري التوافق بين التيارين لتشكيل الأغلبية خصوصا ان الجبهة الشعبية مكونة من عدة أحزاب يسارية أخرى، و من المحتمل أن تنقسم، أو تقدم مرشح يحضى بدعم جميع مكوناتها، خصوصا وأن الدستور الفرنسي لا يسمح بحل البرلمان لمرة ثانية قبل مرور سنة، و من تم، لن تكون انتخابات جديدة قبل شهر يونيو 2025 في حالة فشل تشكيل الحكومة الجديدة.
تحليل معاهد الاستطلاعات الفرنسية:
كشفت وكالة الأنباء الفرنسية “ا.ف.ب” أن معاهد استطلاعات الرأي تتوقع حصول التحالف المؤلف من حزب “النهضة” الرئاسي وحلفائه الوسطيين على 150 إلى 180 مقعدا في الجمعية الوطنية، خلف تحالف اليسار (171 إلى 187). وهو تقدم خصوصا على التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي كان يتوقع أن يحقق فوزا كبيرا لكنه حل في نهاية المطاف في المرتبة الثالثة بسبب تشكل “جبهة جمهورية” للتصدي له في الفترة الفاصلة بين الدورتين الانتخابيتين، مشددة أن معسكر ماكرون الذي كان يتمتع بغالبية نسبية من 250 نائبا في الجمعية الوطنية السابقة، بات يعاني ضعفا.
وأضافت أن رئيس البلاد يواجه استياء حتى في صفوف معسكره منذ قراره المفاجئ الذي اتخذه بشكل يكاد يكون متفردا، بحل الجمعية الوطنية بعد الهزيمة الكبيرة في الانتخابات الأوروبية، وبات استئثاره بالقرارات، موضع انتقاد علني.
فقال رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال الذي قاد حملة الانتخابات في هذا المعسكر ويمكنه أن يعتد بنتائجها، الأحد “حل (الجمعية الوطنية) قرار لم اختره لكني رفضت الاستسلام لتداعياته”.
وسيضطر ماكرون الذي أكد قبيل إعادة انتخابه في 2022 أن فرنسا لا تتمتع “بنظام برلماني”، إلى التعامل مع خصوم لا يمكنه من دونهم الحصول على غالبية ولو نسبية.
وحسب “ا.ف.ب” تنفس المعسكر الرئاسي الصعداء نوعا ما جراء نتيجة الأحد. وقالت أوساط رئيس البلاد إن “الكتلة الوسطية حية” مشددة على ضرورة “توخي الحذر” في تحليل النتائج، لكن خلافا للخطط الرئاسية، لم ينقسم اليسار، أقله خلال فترة الانتخابات، بل انطلق موحد الصفوف تحت راية الجبهة الشعبية الجديدة.
وباتت الولاية الثانية والأخيرة للرئيس الفرنسي الذي وعد بالقضاء على الميول المتطرفة في البلاد عند انتخابه العام 2017، مدموغة بتقدم غير مسبوق لليمين المتطرف الذي يتوقع حصوله على 134 إلى 152 نائبا.
هل يتجه المعسكر الرئاسي إلى اليسار الذي يطالب برئاسة الحكومة رغم انتقاداته المتواصلة له خلال حملتي الانتخابات الأوروبية والدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا؟
وأضاف، سيقدم المعسكر الرئاسي “الشروط المسبقة لأي نقاش” لتشكيل غالبية، على ما قال رئيس حزب “النهضة” وزير الخارجية ستيفان سيجرونيه، ذاكرا العلمانية والبناء الأوروبي ودعم أوكرانيا.
وفي تحليل لتصريحات زعماء الانتخابات، أبرز المصدر ذاته، أن “جان لوك ميلانشون والبعض من حلفائه، قالوا إنهم لا يمكنهم حكم فرنسا”.، فيما ينفر ميلانشون زعيم حزب فرنسا الأبية (يسار راديكالي) الكثير من الوسطيين.
أما اليمين الديغولي الممثل بحزب الجمهوريين فبدا وكأنه يستبعد أي تحالف مع معسكر ماكرون. وقال أحد مسؤوليه لوران فوكييه “بالنسبة لنا لن يكون هناك ائتلاف أو تسوية”.
وحسب المصدر ذاته، قد تضعف هذه الانتخابات رئيس الجمهورية أيضا على الساحة الدولية. فقد سلطت نتائج اليمين المتطرف خلال الدورة الأولى الأضواء على فرنسا. وأعربت دول أوربية عدة عن قلقها وأخرى عن اهتمامها مثل إيطاليا التي تديرها جورجيا ميلوني اليمينية المتشددة، فيما تتولى المجر بقيادة القومي فيكتور أوربان الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي حتى شهر شتنبر 2024، أما موسكو، فرحبت علنا بنتيجة اليمين المتطرف بعد الدورة الأولى.
ويشارك إيمانويل ماكرون الأربعاء في قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن مع وزيري الخارجية والجيوش ستيفان سيجورنيه وسيبستيان لوكورنو بحسب مصادر حكومية عدة.
ورأت كلاوديا ميجو من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن في برلين “ثمة خشية من فرنسا معطلة غائبة تأتي بنتائج عكسية في ظروف دولية صعبة جدا”.
وتساءلت “ما الذي يحل إذ غاب أحد القادة أو بات يأتي بنتائج عكسية؟ إن اتخذت الأمور منحى سيئا، سنجد أنفسنا مع ترامب ومع اليمين المتطرف في ألمانيا الشرقية وأوربان على رأس الاتحاد الأوروبي، وفرنسا في حال الفوضى”.