عبد اللطيف بوجملة
غير مسبوق ما يعيشه المغرب من حدة الجفاف و تحول إيقاعاته بشكل يؤكد كل ما ذهب إليه الخبراء في ان بلادنا ستعيش على إيقاع فقر مائي بنيوي و مدقع و خطير في السنوات القادمة، نظير ما أكده رئيس المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي رضا الشامي في فبراير الماضي، مشددا على أن هذه “المعضلة البنيوية تتطلب إجابة بنيوية” واستند،في ذلك، على نتائج دراسة استرالية نشرت في ” مجلة الطبيعة” أكدت أن المغرب يدخل في قائمة خمس دول في العالم التي يمسها الفقر المائي و ندرة التساقطات خلال الخمسين سنة القادمة، محذرا أن المغاربة لا يعون تماما بان الماء سيصير سلعة ناذرة و علينا أن نغير من عاداتنا السيئة في استهلاك هذا المصدر الحيوي.
لكن إن كان الشامي يتوجه إلى كل المغاربة، فان الاستجابة البنيوية التي المح إليها تهم السلوك الحكومي الراهن، سواء تعلق الأمر بالنتائج الكارثية للمخطط الأخضر، أم تعلق الأمر بنسخته المشوهة و البئيسة التي خلفته ” استراتيجية الجيل الأخضر”، و اللذان ركزا الاختيارات المتجاوزة للسبعينات نحو فلاحة تهمل الأساسي المتعلق بأمننا الغدائي نظير الحبوب و الاقماح و السكر و الزيوت و الأعلاف، مقابل التركيز على الثانوي و الذي يديم التبعية المطلقة للسوق العالمي و يغني الكوبرادور و الملاكين العقاريين الكبار القدامى و الجدد من كان لهم النفوذ و الحظوة لتقسيم كعكة الأراضي السلالية و الجماعية، لأجل عملة صعبة تغنيهم و تسمن أرصدتهم على حساب اختلال الميزان التجاري الفلاحي الفاضح و الذي يؤدى من المال العام او من القروض التي تثقل كاهل الميزانية العامة و تذهب سدى “كماء عادم”.
و لعل ما اقره التقرير الأخير للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية حول التسيير الفوضوي للمياه بالمغرب دليل أخر على غياب ما سماه الشامي بالاستجابة البنيوية المطلوبة لمواجهة نهب الثروة المائية الوطنية، سواء السطحية او الجوفية، في ظل احتضار اكبر الأودية في المغرب، و في ظل استنزاف الفرشاة الباطنية الجاري بسبب الزراعات الكثيفة و الأشجار المثمرة الغريبة عن تربتنا و التي تستنزف بشكل لا يصدق مقدراتنا المائية الفقيرة أصلا.
و لعل أهم التقرير المذكور ترفع الاتهام عن العدو السياسي الوهمي ألا وهو الجفاف، كعامل أوحد لهذه الوضعية، و يوجه الإصبع للسياسات العمومية المتبعة في الفلاحة، على الاقل من ثلاثة وجوه أولها استنزاف الفرشاة المائية و ثانيها الكرم الحاتمي و دون تمييز للدعم الموجه للسقي الخاص، و ثلثها لغياب هيئات التقنين و المراقبة. و لمن يريد التفاصيل يمكنه العودة للتقرير المذكور و الذي لن يروق لمهندسي هذه السياسات، و لاسيما المخطط الأخضر و نسخته الجديدة، و للمستفيدين الجدد منها، من أصحاب الضيعات الكبيرة للافوكاتي و الفواكه الحمراء و سواها، و التي لا تخضع لأي مراقبة تذكر.
بيد أهم الملاحظات التي خلص إليها تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية و التي تخص السياسات العمومية المتبعة و المحظية، هي أولا ضعف مستوى الاستثمار العمومي و الذي لا يتجاوز أربعة في المائة من الميزانية العامة، مقابل عشرة في المائة، في الحد الأدنى، و التي أوصى بها إعلان مالابو للامنا الغذائي لإفريقيا خلال العشرية التي ستنتهي السنة القادمة، و هي ثانيا أن الدعم الحاتمي الموجه للزراعات الكثيفة الموجهة للتصدير و الأعلى قيمة على المستوى التجاري على حساب الحاجيات الغذائية الأساسية، تؤكد تبعية الاقتصاد الوطني للأسواق الخارجية في ما يتعلق باستيراد الحبوب و السكر و الزيوت و الطاقة. و ان كانت قد خفضت نسبيا اختلال الميزان التجاري الفلاحي بالمقارنة مع صندوق التنمية الزراعية السابق، فان تغطية نفقات الواردات من الصادرات بقي ضعيفا، و هو الاختلال الذي سيتفاقم مع السنوات المقبلة، و سيزيد من تهاوي القدرة الشرائية للمغاربة.
مما يؤدي إلى طرح أسئلة جوهرية ترتبط بإفلاس السياسة الفلاحية العمومية و عدم قدرتها على الاستجابة البنيوية لثلاثة تحديات كبرى و مفصلية و هي مخاطر و تهديدات العطش و الفقر الغذائي سواء الزراعي او اللحوم الحمراء و البيضاء.
و لعل مؤشرات التعاطي مع هذه المخاطر ميدانيا تفسر لماذا تلجأ الحكومة الى الحلول السهلة و العارضة إلى حين، نظير اهتمامها بتحدي العطش، و لماذا هو اولوي، و مختل مجاليا؟
و إن استمر تغير المناخ على حاله، و هذا ما هو مرتقب و قريب لفرضيات الخبراء، فهل يعني نهاية شعارالمغرب الفلاحي اي نهاية المغرب كدولة فلاحية؟،و الا ما هي البدائل للحفاظ على الزراعات الكثيفة و أشجار الزيتون و الحوامض الورديات و الافوكاتيي و مختلف الأشجار المدارية و الاستوائية، و التي صرفت على زراعتها 400 مليار سنتيم مع المخطط الأخضر لوحده؟ و ماذا عن الخضروات سواء الموجهة للتصدير او الموجة لقوت المغاربة اليومي؟
و هل يعني عدم أولوية تربية الماشية، مع استمرار التغيرات المناخية، ان المغرب سيتوجه اكثر لاستيراد المواشي من تأمين اللحوم و الحليب، و بالتالي سينتهي أهم نشاط لصناع الغذاء المغربي من ساكنة البادية المغربية البئيسة، باعتباره محفظة الفلاح الصغير؟
أخيرا كيف يمكن تعويض الحاجة إلى المياه في ظلال المستوى الخطير و غير المسبوق لاستنزاف المياه الجوفية، و في ظل ضعف الاستثمار العمومي في مجال تحلية المياه ؟
و هي لاشك أسئلة محرجة للحكومة، و الاستجابة البنيوية لها حاسمة لاستقرار المغرب و لاستقرار باديته الشاسعة و التي تعيش على مفارقة الغنى الفاحش و البؤس الممتد.