حسن عين الحياة
قبل أسبوع، احتفل صناع الكلمة باليوم العالمي للشعر الذي يصادف 21 مارس من كل السنة، مستحضرين ما يحمله هذا اليوم من ثورة في المناخ والطبيعة، بالنظر إلى تزامنه مع حلول فصل الربيع، وأيضا، ما يحدثه من ثورة في الحواس والوجدان، باعتباره يوما يحتفل بمبدعي القصيدة، القدماء منهم والجدد، ومدى تأثيرهم في الناس، من خلال إبداعاتهم التي ترسم بالكلمات ما تعجز عنه الريشة وترفع دفء المشاعر إلى مستوى آخر من السمو.
ولأن المناسبة شرط، نخصص هذه الورقة لشاعر من نوع آخر.. لم يؤلف ديوانا ولا نشر قصيدة، ولا قرأ على الناس أبياتا من شعره.. لكن رغم هذا كله، يجمع كثير ممن عايشوه عن قرب على أنه شاعر، وأنه كان يحتفظ لنفسه بما تجود به قريحته من أبيات، نظم بعضها في مرحلة الشباب، وأخرى وهو ملك. الأمر هنا يتعلق بالملك الراحل الحسن الثاني، الذي عرف عنه براعته في فنون القول، واهتمامه الكبير بالشعر والشعراء وعشقه الكبير للأدب.
وبعيدا عن فلسفته في الحكم، والتي ميزته عن كثير من الزعماء العرب، وبعيدا أيضا عن صلابته في تدبير أمور الدولة، هناك جانب في شخصية الحسن الثاني لم يفلح المحيطون به في إبرازه، وهو حسه المرهف، كإنسان يترجم أحاسيسه وانفعالاته إلى أشكال إبداعية، تعكس شخصيته الفريدة كملك فنان، أو الأحرى الملك الإنسان.
وبحسب من عايشوه عن قرب، كان الحسن الثاني برغم اهتماماته وانشغالاته الكبرى بالقضايا الوطنية والدولية، يخصص له وقتالنظم الشعر والنهل من دواوين فطاحلة الشعر العربي.. حيث كان يطيب له سماع الشعر الجاهلي وإبداعات شعراء العصر الإسلامي وشعراء الدولة الأموية والعباسية مروراً بشعراء المهجر وكبار الشعر الرومانسي وانتهاء برواد الشعر الحر، كما كان يحب سماع مقامات الحريري والزجل المغربي القديم.. وهذه الاهتمامات دفعت واحدا من كبار الشعراء والعلماء المغاربة إلى الاعتراف يوما بأن الملك الراحل الحسن الثاني كان شاعرا.
هذا الوصف ستؤكده عديد المواقف التي برز فيها الملك الحسن الثاني شاعرا من جهة، ومهتما بالقصيدة من جهة ثانية، من قبيل اختياره لكلمات عدد من الأغاني المغربية، أو إصدار أمره لبعض الفنانين بالبحث في التراث المغربي عن قصائد بعينها لغنائها، أو تدخله في بعض الأغاني من أجل تغيير بعض الأبيات فيها حتى تكون ملائمة للمتن الشعري وغيرها كثير.
إن اهتمام الملك الراحل بالأدب والشعر خاصة، تجلى في حديثه وخطبه وحواراته الصحافية أيضا.. إذ كان بحسب الذين تشرفوا بلقائه، خطيبا مفوها، متمكنا من اللغة، بارعا في فنون القول وزخرف الحديث وطرز الكلام، كما كان حريصا على توظيف تراكمه الثقافي في خطبه واستجواباته الصحفية.. إذ لا يمكن أن يخاطب شعبه دون أن يوظف بيتا شعريا أو مثلا شعبيا، ناهيك عن نهله بشراهة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال كبار الفقهاء والعلماء والفلاسفة.. والملاحظ أن ميزة غنى الإنتاج الشفهي عند الملك الراحل، يعكساضطلاعه الواسع على العلوم والتراث الأدبي والفقهي والفلسفي، بحيث كان بحسب مؤنسه الراحل الفقيه بينبين، ملكا شاعرا، يكتب القصيدة وعاشقا لقصائد كبار الشعراء في العالم العربي.
الحسن الثاني وشغفه بشاعر الحمراء محمد بنبراهيم
قبل الحديث عن الملك الشاعر، وجب التأكيد على حب الراحل الحسن الثاني للشعر والشعراء، خاصة المغاربة ممن بلغ صيتهم المشرق العربي. وهناك واقعة توثق لهذا الحب، حكاها أكثر من مصدر، تبرز في الحسن الثاني حرصه على إبراز قوة الشعر المغربي وشعرائه.. ففي عام 1968، كانت كوكب الشرق أم كلثوم قد حلت بالمغرب، وزارت عددا من المدن المغربية، ضمنها مراكش. وقتها كان رجل سياسي بارز اسمه “الطاهر أوعسو” عاملا على هذه المدينة، في استقبال سيدة الطرب العربي.
وفي حديث صحافي لمحمد نجيب بينبين، نجل الفقيه بينبين (مؤنس الحسن الثاني)، كان الطاهر أوعسو كلما حل عنده أحد الضيوف من الفقهاء والعلماء، يستدعي والده الفقيه بينبين للحديث معه.. “وحينما حلت أم كلثوم بمراكش، كان والدي رحمه الله من بين المرافقين للعامل ولسيدة الطرب العربي، وكان وقتها يشنف مسامعها بقصائد من الشعر المغربي الذي كانت تجهله… ومن بين القصائد التي تلاها عليها، قصائد محمد بنبراهيم شاعر الحمراء.. فأعجبت بها كثيرا، قبل أن تلتمس من والدي أن يسلمها ديوان هذا الشاعر، ليجيبها بألا ديوان له، لكن له شعر يفوق الديوان”، يقول نجيب، ليضيف إن الفقيه بينبين، قال لأم كلثوم بعدما سألته عن هذا الشعر الذي يفوق الديوان، إنه بحوزته، يحفظه عن ظهر قلب، وأيضا عند بعض تلامذته ممن يحفظون بعض القصائد.
وقال نجيب إن أم كلثوم قالت للملك الحسن الثاني قبل مغادرتها للمغرب “إن هناك شاعر كبير يدعى محمد بنبراهيم، شاعر الحمراء، لا ديوان له.. ولما سأل الملك عن مصدر المعلومة قالت له فلان (في إشارة إلى والده)”. وذات صباح، يضيف نجيب، أخذ بينبين محفظته وتوجه إلى ثانوية لالة مريم التي كان يدرس فيها، قبل أن يجد هناك من ينتظره، بحيث تم نقله إلى القصر الملكي بالرباط للقاء الحسن الثاني.. ساعتها سأله الملك عن حقيقة شاعر الحمراء، ليخبره بمثل ما أخبر به أم كلثوم، آنذاك كلفه بجمع ديوان هذا الشاعر الكبير.. وكان هذا أول لقاء للملك الحسن الثاني بالفقيه بينبين، الذي سيصبح فيما بعد مؤنسا ومرافقا له لأزيد من 30 عاما.
وفي حوار للراحل الفقيه بينبين مع “الجريدة الأخرى” عام 2005، كشف هذا الأخير عن تفاصيل حرص الملك الراحل الحسن الثاني على جمع ديوان شاعر الحمراء، قائلا:”أرسل الملك في طلبي، ولم أجد بدا من الإجابة، فسألني كم أحفظ من ديوان شاعر الحمراء، فقلت له “أحفظ 70 حتى 80 في المائة مما كتبه شاعر الحمراء”، فقال لي “بلغني أنك تحفظ الديوان كله”. فقلت “إذا قالها أمير المؤمنين فأنا أحفظه”، فقد أعطاني الله ملكة حفظ ما سبقني بها أحد”. وأضاف الفقيه بينبين، أنه بعد لقاء دام أزيد من 3 ساعات في يوم من أيام رمضان الكريم، “كلفني بجمع ديوان شاعر الحمراء رفقة مجموعة من أصدقاء الشاعر، ولما انتهينا من تحقيق الديوان ورآه طلب مني الملك أن أكون أحد مؤنسيه، ولم أجد بدا من القبول”.
كان الملك الراحل شاعرا.. وهذه اهتماماته الشعرية
لأنه كان مؤنسا له لما يزيد عن ثلاثة عقود، وبحكم المامه الواسع بالأدب العربي، كشف الفقيه بينبين عن وجه آخر للحسن الثاني، ظلا مغيبا طيلة فترة حكمة (38 سنة).. إذ كلما سُئل عن الملك الراحل قال: “كان الملك المرحوم شاعرا”، وأنه كان قبل النوم يدعوه لقراءة قصائد أو مؤلفات أو مقامات إلى أن تحين ساعة نومه.
وقال بينبين إن الملك الحسن الثاني دعاه ذات ليلة لسماع قصيدة كتبها في عنفوان الشباب يتغزل فيها في فتاة.. يقول في مطلع أبياتها لها “ذراع يستلفت النظرات.. فلا يوم قضيته في هناء.. ولا ليل تعيش فيه حياتي”. ولأن المقام يفرض على المستمع مجاراة إيقاع الملك، لم يجد بينبين بدا من مناظرة الحسن الثاني في شعره، قائلا “حيي وأهتف بأجمل الذكريات.. واشذب الشعر رائع النغمات.. شعر خير الملوك قولا وفعلا.. حسني سيـد الحمى والحماة”. وبحسب بينبين استمرت القصيدة إلى 50 بيتا.
ثمة قصة أخرى تكرس في الملك الراحل صفة الشاعر.. فذات ليلة، كان بينبين يقرأ ما جادت به قريحته من الشعر في حضرة الحسن الثاني بقصره في الدار البيضاء.. كانا كما عادتهما يتسامران، لكن فجأة قاطعه الحسن الثاني، طالبا منه أن يستمع إلى هذا البيت القائل: “يا سليل النبي إني سليل.. وسليل النبي يرجو تحية.”بعدها سأل الملك مؤنسه، بحكم درايته الواسعة بفنون الشعر، لمن يكون هذا النفَس الشعري.. فكر بينبين مليا، وقال إن هذا النَّفَس يشبه الشعراء العظام. لكن الحسن الثاني فاجأه بالقول: “هذا شعري”. واعترف بين بين أن الملك الراحل كان رحمه الله يحب سماع وقول الشعر.. “كان يناظرني في الفقه والتاريخ والأدب والتفسير والحديث وكان بحرا لا ساحل له في مجال النحو”.
وبحسب بينبين، كان الحسن الثاني، فضلا عن كتباته للشعر، يحفظ الكثير من القصائد الشعرية، وكان من بين من حفظ لهم، عنترة بن شداد والحارث بن حلزة، كما كان أقرب الشعر إلى قلبه، شعر الحكمة وشعر الحروب، ناهيك عن حبه للمقامات، خاصة مقامات الحريري، كما كانت تعجبه طرائف الشعر، إلى جانب إعجابه الشديد بقصيدة “الهدهد” لأحمد شوقي الملقب بأمير الشعراء.
الحسن الثاني ينفض الغبار عن قصيدة نادرة لعبد القادر الجيلاني وأم كلثوم تغنيها
عندما سُئل الموسيقار المغربي الراحل صالح الشرقي عن الملك الراحل الحسن الثاني، وعن علاقته بالفن والفنانين، لم يتردد قط في الإفصاح عما شاهده بعينه في القصر الملكي، حين كان الحسن الثاني يستضيف كبار المطربين من المغرب والمشرق، معترفا بأن الملك الراحل كان يستفسر عن أحوال الفنانين والتساؤل عن جديدهم… وأن اهتمامه كان يتجلى أيضا في إصغائه للشعر والموسيقى ومواكبة تطورات الساحة الفنية المغربية.
وكشف الشرقي في حواره مع الصحفي المقتدر بوشعيب الضبار عام 2004، أن الحسن الثاني نادى
ذات مرة، وفي إحدى المناسبات، على الشاعر الغنائي فتح الله المغاري، وخاطبه قائلا: “أنت كاتب جيد للكلمات، فلماذا لا تتعامل مع الملحنين والمغنين، بدل أن تقوم بالتلحين والغناء لنفسك فقط؟ إن هذا التعاون الفني سيعطي كلماتك وقعا أكثر قوة في أذن المستمع”. وهذا يبرز تذوق الملك الراحل للشعر، في شقه الزجلي أيضا.
وبحسب صالح الشرقي إن الحسن الثاني كان يصغي كثيرا للشعر ويقدر بشكل كبير الشعراء، وأن الملك اختار له بنفسه قصائد معينة أثرت فيه من أجل تلحينها، يقول الشرقي “أتذكر أن الملك الراحل الحسن الثاني اختار لي عدة أعمال شعرية، وطلب مني بحسه الموسيقي تلحينها، ومن بينها قصيدة “يا من يرى في الضمير ويسمع” للإمام الشطيبي وكان معجبا بحمولتها الدينية والصوفية”.
وكان الملك الراحل من خلال نهمه الكبير للشعر قد وقف على قصيدة شعرية رائعة للشيخ عبد القادر الجيلالي، ولم ير وسيلة من نفض الغبار عنها سوى تحويلها إلى أغنية بلحن وموسيقى رائعين، ولم يخطر على باله آنذاك سوى الموسيقار صالح الشرقي، ليقدمها إليه، وهي قصيدة “يا رسول الله خذ بيدي”، وقال الشرقي في بوحه الجميل إن الحسن الثاني “هو من سلمني أيضا بيده الكريمة قصيدة (يا رسول الله خذ بيدي)، قصد صياغتها في قالب موسيقي”.
وكان من تجليات هذا الاختيار، أنه بعد أداء الأغنية عام 1968 بحضور سيدة الطرب العربي أم كلثوم، سلبت كلماتها لب كوكب الشرق، بالقدر الذي جعلها تقف من بين الجمهور بعدما أثرت فيها كثيرا، لتقوم إلى حيث الجوق الموسيقي وتشرع في ترديد لازمتها كما لو أنها هي من تؤديها، قبل أن تقرر غناءها فيما بعد، وهي الحالة الوحيدة في تاريخها الفني التي قبلت فيها كوكب الشرق أداء أغنية من تلحين ملحن مغربي، وهو الفنان الراحل صالح الشرقي.
الملك يتدخل في قصائد غنائية لأبرز المجموعات الغنائية
كان الملك الحسن الثاني وفق عديد المصادر، يحفظ كثيرا من القصائد الشعرية لكبار الشعراء القدامى والمعاصرين، وكان يرددها في جلساته الخاصة مع مؤنسيه.. حتى أنه كان يفاجئ بعض عمالقة الفن المشرقي بدرايته العميقة بأسرار الشعر العربي، ومضاهاتهم في مجال تخصصهم، ذلك أنه كان يفاجئ بعض الفنانين الكبار ببعض القصائد الشعرية أو يتدخل في الوقت المناسب، وهم يؤدون الأغاني في حضرته، لتصحيح ما غاب عنهم في الأبيات التي يحفظونها، أو يعدل بعض الأبيات حتى توافق النسق العام للقصيدة.. فذات مرة، كشف المرحوم محمد بختي في حوار جرى بيننا، أن الملك الراحل تدخل يوما لتصحيح أغنية للمشاهب يقول مطلعها “يا مجمع لعرب”.
وبحسب بختي عند سماع الملك الراحل للمقطع القائل: “مركبكم مكسور وما صابو عُلاما”، خاطب المجموعة قائلا: “العُلاماكاينين الزعماء للي مكاينينش”. آنذاك أصبحت المجموعة تؤدي الأغنيةبهذا المقطع “مركبكم مكسور وما صابوزُعاما”.
وبعيدا عن لمشاهب، حدث ذات مرة أن غنت مجموعة تكادة أمام الحسن الثاني، وعند انتهاء وصلتهم الغنائية سألهم قائلا: “الله يرضي عليكم، عندكم قطعة خالي محمد..؟”. وهي قصيدة من المنسي من التراث.. لم تكن المجموعة تعرفها، ولا سمعت بها من قبل، وأمام صمت أعضاء مجموعة تكادة، أمرهم الملك بأن ينقبوا عنها، وأن يعودوا في المرة المقبلة وهم يحفظونها.
وبالفعل، يقول مصدر كشف لنا عن هذه القصة، إن المجموعة نقبت عن قصيدة “خالي محمد” وعثروا عليها، وقاموا بتلحينها وتسجيلها أيضا.. وأثناء حضورهم للقصر ثانية، قدمتها أمام الملك الحسن الثاني وفي ظنهم أنها كاملة، ليفاجئهم الملك بأن القصيدة ينقصها الكثير.. قبل أن يسألهم عن الاسم الأصلي لهذه القصيدة.. ولأن لا أحد من أعضاء المجموعة عرف الاسم، أخبرهم الملك أنها تسمى “المرا المعفونة”.وبحسب أحد أعضاء المجموعة الذي تحدث عن هذه القصة، كان الحسن الثاني رحمه الله يحفظ ما لم يقوموا بجمعه على شكله الأصلي كما هو متداول في بادية أهل الشاوية.
ما جرى لمجموعة تكادة حدث أيضا مع مجموعة جيل جيلالة. ففي كتاب “أصدقاء ملك” للدكتور سعيد هبال، وردت شهادة للفنان عبد العزيز الطاهري، أحد الأعضاء البارزين لمجموعة جيل جيلالة.. حيث يتذكر كيف حضر إلى القصر رفقة المجموعة بمناسبة شعبانة التي كان يحييها الراحل الحسن الثاني في أواخر شهر شعبان، وكيف خصهم الملك آنذاك بحديث مطول حول فن الملحون. يقول الطاهري “طلب منا أن ننشد قصيدة “العاود” و”فالحة” للتهامي المذغري، كما سألني رحمه الله هل أحفظ قصيدة “النحلة” فقلت له نعم يا مولاي، فأنشدت قسما منها..”:
السلطان طبيب والرعية مضرورة..
لا وزير ليه يبلغ الخبار
ويجيب الشربة لمن اتضر
إلى خان الوزير بعدت لوزارة
وما إن أنهى الطاهري هذه الأبيات، حتى طلب منه الحسن الثاني أن يعيد قراءة هذا الشطر أمام عدد من الوزراء لغرض في نفسه، وكان الملك أمامهم ينصت باهتمام كبير.
وبعيدا عن جيل جيلالة، يبرز اهتمام الملك الراحل الحسن الثاني بالشعر من خلال اختياره لكلمات النشيد الوطني، الذي يتغنى به الآن عديد المعجبين من شتى بقاع العالم، خاصة في المناسبات الكروية العالمية التي يكون المنتخب الوطني لكرة القدم مشاركا فيها.
فرغم حصول المغرب على استقلاله سنة 1956، إلا أنه ظلدون نشيد وطني، اللهم اقتصاره على اللحن الموسيقي الذي كان عبارة عن تحية ملكية (un salut royal)، وهو لحن يعود الفضل في اختياره للجنرال ليوطي، بعد أن أبدعه الكابتن الفرنسي “ليو مورغان” رئيس الفرقة الموسيقية للحرس الشريفي.
وتقول عديد المراجع إنه جرت عدة محاولات بعد استقلال المملكة، من أجل صياغة نشيد وطني مكتوب، لكن لم يحالف هذه المحاولات النجاح، لتظل موسيقى مورغان مجرد ألحان دون كلام، ومن ثمة تصبح معتمدة كنشيد وطني يعزف في المناسبات الرسمية والزيارة الملكية.
لكن بعد تأهل المنتخب المغربي لكرة القدم إلى نهائيات كأس العالم بالمكسيك سنة 1970، وجد الحسن الثاني أنه من اللازم صياغة نشيد وطني مكتوب حتى يعزف في هذا المحفل الدولي، وتقول هذه المراجع إن الملك الراحل أجرى مسابقة بين الشعراء المغاربة آنذاك من أجل كتابة قصيدة شعرية تعبر عن الأمة وفقا للموسيقى واللحن الذين وضعهما مورغان، ليختار من ضمن القصائد واحدة للشاعر الكبير مولاي علي الصقلي.. وتبعا للمراجع ذاتها، أعجب الملك الراحل بقصيدة “مانبت الأحرار.. ما شرق الأنوار” للصقلي، كما أدخل عليها شخصيا بعض التحسينات، قبل أن يتم اعتمادها رسميا نشيدا وطنيا للمغرب.