19, أكتوبر 2024

المنعطف-ليلى خزيمة

لم تكن صدفة أو حتى مجاملة عندما حصد فيلم كذب أبيض للمخرجة أسماء المدير كل تلك الجوائز وحصل على التقدير من طرف المهنيين ولجان التحكيم في مختلف المهرجانات التي شارك فيها. ففي عرض خاص بالصحافة اليوم، كان للمهنيين الصحفيين موعد مع إبداع من نوع آخر. القصة ليست الغاية في حد ذاتها، لأن لكلٍ قصته وروايته التي يُحِيكها ويحكيها من منظوره الخاص. ما استهوي المشاهد، هو جملة التقنيات والأساليب المعتمدة في إنتاج بل إبداع هذا الفيلم.  فالسرد والوصف بهما حركة متواصلة تروي دون حاجة إلى الصورة. وهذه الأخيرة وُضِّفت بشكليها الرمزي والواقعي في انسجام تام مع بقايا ذاكرة مبثوره. وعدم وجودها أو ملامحها الممحية والمبهمة تعبر عن جملة الأسئلة التي تطرحها أسماء المدير.

لم تتوقف أسماء في سرد حكايتها عند حدود الكَلِم، بل استخدمت الإضاءة كواحدة من الشخصيات التي تعبر وتجسد مواقف وأحداث وتروي ما لم تستطع الشخوص أو الشخصية الجدة البوح به. في حين يصرخ الصمت الذي تبنته معظم الشخصيات سواء الحاضرة أو الغائبة بأعلى الأصوات خصوصا من خلال صورة فاطمة الجامدة / المتحركة، ومع اعتماد أغاني مجموعة ناس الغيوان التي أوضحت الصورة وزادتها جمالية. المزج بين الجد والهزل في بعض الحوارات، كان واحدا من الأساليب التي اعتمدتها أسماء المدير في البحث عن الذات والتعبير كذلك عن سلطة الحصار المفروض على ذاكرة الشخصيات. حصار تمثل أيضا من خلال الفضاء الذي اعتمد في غالبيته على حي على شكل مجسم قام ببنائه والد البطلة. حي قليلة فيه النوافذ إلى العالم الخارجي، إضاءته اصطناعية بألوان صارخة تَدْعن إلى إظهار حقيقة غير واقعية لتؤكد الكذبة وتنقطع ما بين الفينة والأخرى. ومما كرس فكرة الحصار في هذه الفضاءات هو تواجدها داخل فضاء حقيقي مظلم وجامد إلا من بعض تنقلات الأبطال وتنعدم فيه نوافذ الإضاءة والإغاثة.

عشر سنوات من العمل والبحث والسؤال ولملمة بقايا الصور، لتتجلى عند أسماء المدير الصورة وترسم ملامح الطفولة التي بنيت على كذبة وعلى صورة لم تكن هي صورتها، بل عنصر مسروق من مدرسة. توثيق وأرشفة لحقبة من خلال المجسمات المصنوعة من الكارتون والشخصيات المصوغة من الحجر والاسمنت والتي تعبر عن تصلب الذاكرة. لوحات واقعية وأخرى رمزية تعاقبت على مدار الساعة والنصف في جدال يمزج ما بين الفيلم الروائي والوثائقي والتوثيقي عبر ذاكرة الشخصيات. كذب أبيض أول فيلم مطول لأسماء المدير، إبداع سينمائي سيتعرف عليه الجمهور الواسع بدور العرض المغربية في 21 من فبراير القادم.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version