19, أكتوبر 2024

 

قراءة نقدية: قاسم العجلاوي: مؤلف ومخرج مسرحي

قدمت فرقة فضاء القرية للإبداع،بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل في شقه المتعلق بالإنتاج والترويج،العرض الأول لمسرحية “كلام الليل” بمسرح ابن مسيك، مساء الأربعاء 11 أكتوبر 2023.

“كلام الليل” من تأليف إسماعيل بوقاسم وإخراج بوشعيب الطالعي وتشخيص بشرى مسطري، علي علاوي، وفاءالعصادي وحسن عين الحياة، بمعية مجموعة من التقنيين في هندسة الإضاءة والصوت وتصميم الملابس وسينوغرافيا حسن عين الحياة.

يحيلنا نص “كلام الليل”، منذ الوهلة، على فضاء حانة تُروى فيها حكاية حياة عباس،الشاب الحالم والباحث عن وجوده في الحاضر من خلال الحكي عن ماضيه.. شخصية عباس بطل المسرحية شخصها باقتدار وحرفية كبيرة الصحافي الذي يطارد الأحداث والحوادث اليومية والفنان الرسام والممثل المتعدد المواهب حسن عين الحياة،وكأن النص كُتب على شاكلته، أو أن حسن عين الحياة رسمالنص بكتابة جديدة فوق الركح.

شخصية عباس، الفنان الذي يرسم لوحاته في حانة بخطوط وألوان وأشكال، تشبه كلام الليل الذي قد يمحوه صحو النهار، ويصبح مجرد أحلام مجهضة. وهنا قدم المخرج رؤيته في العرض المسرحي كلام الليل في لوحتين.

ـ لأولى تجسد لحظات الفرح والضحك والخمر والسهر في الحانة رفقة فتاة الهوى،التي أدتها باقتدار الفنانة الواعدة وفاء العصادي، في دور مركب، من فتاة الهوى ومروضة سرك الحيوانات.

ـ الثانية تجسد لحظات الاعتقال والتعذيب في السيرك والسجن والمقبرة، وأيضا في طلاسم عرافة شخصتها باجتهاد الممثلة بشرى مسطري، والتي حاولت فيها بحركات لولبية وكلمات صوفية، كشف أسرار ابنة عباس وحياته الضائعة، لتقديم طبق فني بحمولة متنورة ومنفتحة على ثقافة الحرية دون خدش أو خروج عن السياق العام .

نص “كلام الليل”صاغه المؤلف بلغة رصينة، زاوجت بين النص العربي والأسلوب الدارجي، واختار المؤلف النص العربي في جل الحوارات الثنائية، بين عباس الحالم بغد مشرق مع معشوقته، والباحث عن روحه الضائعة مع سجانه وجلاده وعرافته أيضا، بإلقاء جيد في نفَسِه ومخارج حروفه، وصوره الشعرية الجميلة.والأسلوب الدارجي في لحظات السهر والسمر والخمر، لمنح المتلقي فسحة المرح والفكاهة ولو على خيبات ماضينا ومرارة حاضرنا، كما تقول فتاة الليل في إحدى حواراتها: “الضحكة غادي تولي تباع.. واللي ضحك بلا ما يخلص غادي يخيطو ليه فمو.”

وبقدر ما قدم لنا حسن عين الحياة شخصية عباس تشخيصا وتعبيرا جسديا وبحوارات كثيرة ومتلاحقة احتلت جل مشاهد العرض على مدى الساعة والربع،بقدر ما قدم لنا حسن عين الحياة أيضا سينوغرافيا وظيفية وجميلة اعتمدت تقسيم الخشبة إلى فضائين أو نفَسين كما يقول المؤلف،نفَس الرسم والحلم في الحانة والهوى والحكي والمتعة إلى أقصى حد، من خلال إضاءة دائرية وكؤوس وزجاجات خمر تحيل على فضاء الاستهامات الليلة وتجلياتها الروحية..ونَفَس السجن والاعتقال والجلد بالسوط والتيه والبحث عن ميمونة البنت أو الروح الضائعة.في مستويين متوازيين، الأول في الوسط اليمين، مكون من صندوق مفتوح من الواجهة الأمامية، سمحت بتشكيل مكانيين، احدهما ارضي كسجن ومعتقل رهيب، يحاسب فيه المتهم على جريمة لم يرتكبها، والآخر فوقي كساحة سيرك ومدخل مقبرة، ومغارة عرافة. وبهذا التوازن بين فضائين في اليمين واليسار ومقاعد وعصي متحركة، تشكلت مشاهد المسرحية في إيقاعات متفاوتة بين التنامي الدرامي الذي يشد المشاهد إلى درجة التماهي مع الأحداث فرحا أوحزنا، وإيقاعات بطيئة أحيانا إلى حد الرتابة بدون مبرر،كما نجد في أداء علي العلاوي، لغة وحركة في لوحتي التعذيب والمقبرة أو في بعض البياضات الناتجة عن عدم ضبط التوظيف الموسيقى مع حركات رقص الممثلين وتشويش هندسة الإضاءة على رؤية المتلقي خصوصا في مشهد السجن الأرضي وبؤرة الضوء في حركة العرافة.

إجمالا، نص جميل في لغته وصوره وبلاغته الخطابية وفي مضمونه الحامل لرسائل إنسانية سامية، وتشخيص حرفي إبداعي خصوصا، عند البطل في غنى وتنوع أسلوبه وأدوات عمله، وسينوغرافيا وظيفية معبرة عن أماكن وأزمنة حددت مجال اللعب الركحي، وساعدت الممثلين على تقديم الشخصيات بسلاسة في فضاء جميل حالم.

 

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version