18, أكتوبر 2024

a24-حسن عين الحياة

 

عندما زارت “a24” المناطق الأكثر تضررا من الزلزال المدمر الذي ضرب عددا من المناطق المغربية ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023، ووقوفها على التدابير الاستعجالية التي باشرتها القوات المسلحة الملكية معية الجهات المعنية للتقليل من تداعيات هذه الكارثة الطبيعية، لمست “بعثة الجريدة” تحديا منقطع النظير من سكان المناطق المتضررة لصدمة الكارثة، وإصرارهم القوي على تجاوز هذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخ المغرب الحديث، خاصة بعد الهَبَّة التضامنية التي انخرط فيها المغاربة ببُعد عفوي، لمساعدتهم على تجاوز هذه المحنة، التي سلطت الضوء على القيم الإنسانية التي يتحلى بها المغاربة عند الأزمات. لكن غريزة تحدي الظروف القاهرة، وقوة الإصرار على مواصلة العيش بقلوب مفعمة بالأمل، ستظهران أكثر في أعين التلاميذ، وهم  يصرون على مواصلة الدراسة، بالرغم من فقدان بعضهم للأهل والأقارب والأصدقاء والمنازل، بل ورغم تضرر مئات المدارس من الزلزال في الحوز وشيشاوة وتارودانت وورزازات وأزيلال ومناطق أخرى، حيث استأنف هؤلاء التلاميذ خلال الأسبوع الماضي الدراسة، في ظروف استثنائية ومرحلية، بعد نقل بعضهم إلى عدد من المدارس بمراكش، ونصب خيام عبارة عن حجرات دراسية لبعضهم الآخر. فكيف مرت عملية استئناف الدراسة في المناطق المتضررة من الزلزال؟ وكيف تمت عملية إيواء ونقل التلاميذ إلى المدارس؟ وماهي الاجراءات الاستعجالية لإعادة بناء وترميم المؤسسات التعليمية المتضررة؟

 

تضرر 1000 مدرسة من الزلزال.. وصدور تعليمات ملكية لإع ادة بناء المؤسسات التعليمية في أسرع وقت

لم يكن ممكنا قط، التدبير السريع للأزمة التي خلفها الزلزال العنيف بالحوزعلى مستوى “التعليم” في المناطق المتضررة، ولا احتواء تداعياته والتخفيف من وطأته الشديدة على نفسية التلاميذ وأسرهم وعلى شغيلة القطاع، لولا التعبئة الشاملة لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولى والقوات المسلحة الملكية والجهات المعنية من أجل عودة التلاميذ الفورية للدراسة، خاصة بعد صدور تعليمات ملكية صارمة، تقضي بإيجاد حلول سريعة وفعالة لتمكين التلميذات والتلاميذ من استئناف الدراسة في ظروف جيدة، موازاة مع إعادة بناء المؤسسات التعليمية في أسرع وقت. وبدأت هذه التعليمات تعطي أكلها، بعد تأكيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش نهاية الأسبوع الماضي، أثناء زيارته لبعض الدواوير المتضررة في الحوز، أن المدارس التي تعرضت للهدم بسبب الزلزال، سيتم التسريع بإعادة بنائها وتهيئتها لاستقبال التلاميذ في أجل سنة أو سنة ونصف، مع طمأنته سكان هذه الدواوير، أنه لتحقيق هذا الهدف سيتم توفير جميع الإمكانيات حتى يعود التلاميذ إلى حجرات الدراسة في أسرع وقت.

من جهته، كشف شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، عن رقم كبير، يبرز حجم الخسائر التي لحقت بالمؤسسات التعليمية في المناطق المتضررة، حيث أكد أمام لجنة التعليم في مجلس النواب، أن عدد المدارس التي تضررت من الزلزال بكل من الحوز وتارودانت وشيشاوة ومناطق أخرى ناهز 1000 مدرسة، موضحا أن هذه المدارس، إما تعرضت للهدم كليا أو انهارت جزئيا أو لم تعد صالحة بفعل الشقوق التي أصابتها، قبل أن يؤكد على أن فرقا تقنية من الوزارة، تضم مهندسين، تعمل على فحص المؤسسات المتضررة.

وشدد بنموسى على أن هناك تعليمات ملكية صدرت لإعادة بناء المؤسسات التعليمية في أسرع وقت، مؤكدا بالقول “نعمل على إكمال إعادة بناء المدارس قبل نهاية هذا الموسم”، مبرزا في الوقت نفسه أن هذه التعليمات الملكية التي وصفها بـ”الصارمة والواضحة” شددت على إيجاد حلول سريعة للمتضررين. وقال الوزير في حديثه عن التدابير الاستعجالية، “لجأنا إلى نقل التلاميذ إلى مراكش وإلى نصب خيام للدراسة”، مضيفا أن هذه حلول تبقى ظرفية، لأنه بحسب الوزير، يصعب التعليم في الخيام في منطقة يصل علوها 2000 إلى 3000 متر.

مجهودات جبارة لاستئناف الدراسة في المناطق الأكثر تضررا

في الوقت الذي كانت الجهات المعنية منهمكة في عملية الإنقاذ وفتح الطرقات وتوزيع المساعدات على ضحايا زلزال الحوز، استنفرت وحدات من القوات المسلحة الملكية كل طاقتها، معية وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، من أجل نصب خيام مجهزة لاستقبال التلاميذ، كخطوة أولى لعودتهم التدريجية لحجرات الدراسة.

وبدأت عملية استئناف الدراسة، بمنطقة أمزميز وقرى أخرى تضررت من الزلزال، بعد توفير مئات الخيام المجهزة بالمعدات التربوية والتكوينية اللازمة، معززة بألواح شمسية.

وبحسب المعطيات المتوفرة، جرى نصب خيام التعليم بعدد من المناطق المتضررة، وأخرى بمحيط المؤسسات التعليمية التي لا تشكل خطرا، فضلا عن تنصيب خيام أخرى داخل مجمعات القرب الرياضية والثقافية. وتتوفر الخيمة الواحدة، بحسب مصادر من الوزارة الوصية، على كل المعدات اللازمة للدراسة، حيث تبلغ مساحتها 80 مترا، مما يؤهلها لاستقبال 40 تلميذا وتلميذة.

موازاة مع هذه العملية الهادفة إلى استئناف تلاميذ المناطق المتضررة للدراسة، عملت وزارة التربية الوطنية، مبكرا على عقد لقاءات تواصلية مع أمهات وآباء وأوليات التلميذات والتلاميذ بالمناطق الأكثر تضررا (خاصة إقيلم الحوز)، من أجل التحسيس بأهمية الاستمرارية البيداغوجية واستئناف الدراسة.

وبحسب الوزارة، شهد إقليم الحوز، كباقي المناطق الأكثر تضررا من الزلزال، تنظيم قوافل تواصلية مع أمهات وآباء وأولياء أمور التلميذات والتلاميذ، حيث انتقلت الفرق المختلطة التي تم تشكيلها في هذا الصدد، إلى الخيام التي تمت إقامتها لإيواء الأسر المتضررة، قصد تحسيسهم بأهمية الاستمرارية البيداغوجية لبناتهم وأبنائهم، ومتابعة دروسهم أسوة بأقرانهم في باقي جهات المملكة.

وخلال هذه اللقاءات، يضيف المصدر، تم إطلاع الساكنة على حرص الوزارة على ضمان تمدرس التلميذات والتلاميذ والتسريع باستئناف العملية التعليمية، حيث تمت بلورة الحلول البيداغوجية المناسبة حسب الخصوصيات المحلية، بما فيها تحويل التلميذات والتلاميذ، وخاصة بالسلك الثانوي والذين عبر أولياء أمورهم عن رغبتهم وموافقتهم على ذلك، إلى مؤسسات تعليمية أخرى، إما داخل أو خارج الإقليم، مع توفير الإقامة والمبيت بالداخليات المستقبلة.

وتماشيا مع هذه الخطوة، عبأت الوزارة ما يلزم من الملحقين الاجتماعيين لتوفير الإنصات وتقديم المشورة والدعم النفسي والتربوي والاجتماعي للتلميذات والتلاميذ، بهدف تخفيف أثر الصدمة الذي خلفته الهزة الأرضية عليهم، وعودتهم التدريجية إلى الوضع العادي للدراسة.

من جهة أخرى، انطلقت خلال الأسبوع الماضي عملية التحويل التدريجي لتلميذات وتلاميذ المؤسسات التعليمة بإقليم الحوز (دائرة آسني) وإقليمي تارودانت وشيشاوة إلى المدارس المستقبلة في مراكش، حيث صرح عدد من المسؤولين بالوزارة، أن هذه العملية ستشمل، بشكل تدريجي حوالي 6000 تلميذة وتلميذ، منحدرين من 26 جماعة في إقليم الحوز، فضلا عن استفادتهم من منحة كاملة تشمل النقل والإيواء والتغذية.

نقل وإيواء مئات التلاميذ من المدارس المتضررة بالحوز إلى المؤسسات التعليمية بمراكش

مع انتصاف شهر شتنبر الجاري، كان تلاميذ المناطق المتضررة من الزلزال، قد شقوا طريقهم إلى الفضاءات المهيأة مؤقتا للدراسة، سواء قرب مكان إقامتهم أو بالجماعات المحيطة، ما جعل عودتهم للدراسة وسيلة لتجاوز تأثيرات الكارثة من جهة، وتكريم ذويهم الذين تقاسموا معهم أحلامهم من جهة ثانية. وفي الوقت نفسه كان التحدي الأكبر بالنسبة للجهات المعنية، هو انقاد السنة الدراسية في المناطق التي ضربها الزلزال.

وهكذا، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية الرامية إلى ضمان مواكبة والتكفل بالأشخاص المتضررين، لضمان حق هذه الفئة الاجتماعية في التربية والتكوين، انطلقت العملية الدراسية وفق مخطط مضبوط، بعد تسخير السلطات عشرات الحافلات لنقل تلاميذ الدواوير المنكوبة، في ظروف جيدة، إلى مدراس بمدينة مراكش، حيث تم نقل تلاميذ المؤسسات التعليمية على مستوى جماعة “ويرغان” بالحوز إلى داخليات المؤسسات التعليمية بمراكش. وشملت هذه العملية، مرحليا، نقل 789 تلميذا من الثانوية الإعدادية لـ”ويرغان” إلى الثانوية التأهيلية محمد الخامس، و385 تلميذا من الثانوية التأهيلية لـ”تينمل” إلى الثانوية التأهيلية بن يوسف، وإدماج 347 تلميذا من الثانوية الإعدادية “إغيل”، بمعهد القاضي عياض للتعليم العتيق.

حلول استعجالية وإصلاحات فورية لتجنب الاكتظاظ بالمدارس المستقبل في مراكش

مباشرة بعد نقل عدد من التلاميذ إلى الثانوية التأهيلية بن يوسف بمراكش، اتضح أن هذه الثانوية في حاجة إلى إصلاحات جوهرية، حتى تستوعب الأفواج القادمة من المناطق المتضررة من الزلزال، خاصة بعد تداول مقطع فيديو يوثق للحالة المزرية لقسم داخلي بهذه الثانوية بمواقع التواصل الاجتماعي.

من جهته، تفاعل شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مع مقطع الفيديو، ليحل بعين المكان، قصد الوقوف على حقيقة الأمر، حيث تأكد فعلا أن هذا الجناح الداخلي بحاجة إلى إصلاحات، ليتم إصدار قرارات فورية، كنوع من التفاعل السريع مع ما تم نشره بمواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب الوزارة، تقرر إخضاع القسم الداخلي للثانوية التأهيلية بن يوسف للتعليم العتيق للإصلاحات اللازمة، والتخفيف من أعداد التلميذات والتلاميذ بهذه الداخلية، واستبدال شركة المناولة المكلفة بخدمة نظام المطعمة، فضلا عن تعزيز تواجد وتدخل الأطر المكلفة بالدعم الاجتماعي والنفسي بفضاء هذه الداخلية.

وأضافت الوزارة، أنه تقرر عقب هذه الزيارة التفقدية التي قام بها الوزير بنموسى، التخفيف من أعداد التلميذات والتلاميذ بهذه الداخلية بما يمكن من تجنب الاكتظاظ بها، حيث سيتم تحويل التلميذات القاطنات، والبالغ عددهن 230 إلى دار الطالبة- دار “السراغنة” بمراكش، مع إجراء الإصلاحات اللازمة لهذا القسم الداخلي بصفة استعجالية، والتي تهم، أساسا، الصباغة والنجارة والسباكة وتركيب الألواح الزجاجية والمرافق الصحية، وتخصيص خزانات فردية للتلميذات والتلاميذ بصفة فورية.

في السياق ذاته، وللتخفيف من أعداد التلميذات والتلاميذ بهذه الداخلية بما يمكن من تجنب الاكتظاظ بها، تم الأسبوع الماضي إيواء حوالي 117 تلميذا من الثانوية التأهيلية “تنمل” بالجماعة القروية ثلاث نيعقوب (إقليم الحوز)، بإقامة “المدرس” الواقعة بحي الداوديات بمدينة مراكش، وذلك بهدف تمكينهم من مواصلة دراستهم في مؤسسات تعليمية تابعة لعمالة مراكش.

استئناف الدراسة بالجماعات المتضررة بأقاليم تارودانت و ورزازات وأزيلال

بعيدا عن إقليم الحوز، تمت عملية نقل 630 تلميذا من مؤسسات تعليمية ببعض جماعات إقليم تارودانت المتضررة من الزلزال، إلى داخلية الثانوية التأهيلية محمد السادس بتالوين، حتى يتمكنوا من مواصلة تحصيلهم الدراسي.

وبحسب سيدي صيلي، المدير الإقليمي للتربية والتكوين بتارودانت، إن مجموعة من المؤسسات التعليمية بإقليم تارودانت تضررت بفعل الزلزال، مما استوجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات للتعاطي مع هذا الوضع ومنها نقل التلاميذ حفاظا على السير العادي لتحصيلهم الدراسي.

وقال المدير الإقليمي، في حديثه اعلامي إن نقل التلميذات والتلاميذ إلى ثانوية محمد السادس بتالوين قصد متابعة الدراسة، تم بعد تأهيل فضائها للاستقبال الداخلي للذكور والإناث، وأيضا تأهيل مجموعة من المرافق لاستقبالهم في أفضل الظروف.

ومثل باقي التلاميذ في الحوز وتارودانت وشيشاوة، تم استئناف الدراسة، في منتصف شهر شتنبر الجارى، بجميع المؤسسات التعليمية، الواقعة بتسع جماعات في إقليم ورزازات، المتضررة من تداعيات زلزال الحوز.

وبحسب مصادر متطابقة، كانت لجنة تقنية قد عاينت مباني جميع المؤسسات التعليمية بالجماعات المتضررة بالإقليم، وأوصت بضرورة إخلاء مبنى حجرتين دراسيتين فقط بمدرسة “إنمتر” الواقعة بجماعة تلوات بعد تعرضه لانهيار شبه كلي، قبل أن يستأنف تلاميذ وتلميذات هذه المؤسسة التعليمية، التابعة لمجموعة مدارس عبد الله بن ياسين، حصصهم  الدراسية داخل خيمة كبيرة نصبتها سلطات عمالة الإقليم بعد تجهيزها بالطاولات والمقاعد والوسائل البيداغوجية، كحل بديل ومؤقت لضمان الاستمرارية البيداغوجية للمتمدرسين المعنيين.

موازاة مع ذلك، وتحديدا في أقليم أزيلال، استأنف تلاميذ الجماعة القروية لأيت أمديس دراستهم في ضروف سليمة، حيث تم نقل 450 تلميذا مسجلين بالمؤسسات التعليمية لجماعة آيت أمديس، إلى مجموعة مدارس آيت موسى. وجاءت هذه العملية بعدما قامت المديرية الإقليمية للتربية الوطنية بآزيلال، بمعية لجان مختصة مكونة من مهندسين وتقنيين بعمليات واسعة لتقييم المدارس المتضررة، والتي مكنت من الوقوف على الأضرار على مستوى كل بنية من أجل تأهيلها لاستقبال التلاميذ في ظروف سليمة.

الكريمي يشرح مقاربة تحويل تلاميذ إقليم الحوز إلى مدارس بمراكش

بعد نجاح عملية تحويل تلاميذ المدارس المتضررة من الزلزال بإقليم الحوز إلى مدارس بالمدينة الحمراء، أكد أحمد الكريمي، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش آسفي، أن تحويل تلاميذ المؤسسات التعليمية، التي تضررت بشكل كبير في إقليم الحوز إلى داخليات مختلف المؤسسات التعليمية بمراكش، يعد مقاربة جديدة في إطار البدائل الممكنة لضمان دخول دراسي جيد.

وأوضح الكريمي، في تصريح لـ”لاماب”، عقب حلول عدد من الحافلات التي نقلت جزء من تلاميذ إقليم الحوز إلى ثانوية محمد الخامس باب أغمات بالمدينة الحمراء، أن هذه العملية تهم تحويل المؤسسات بتلاميذها وأطرها الإدارية والبيداغوجية ونموذج تدبيرها إلى أماكن أخرى، مضيفا أن المؤسسات التعليمية، التي يتم تحويل تلاميذ المناطق الأكثر تضررا في إقليم الحوز إليها، ستكون قادرة على توفير الشروط اللازمة لاستئناف الدراسة في أسرع وقت ومواصلة بناء مسار التحصيل العلمي والتربوي لهؤلاء التلاميذ.

 

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version