a24- د/ محمد عبد السلام المقوز
أستاذ مساعد بجامعة الزاوية كلية الاقتصاد
صناعة الأزمة هي في حقيقتها عملية جراحية جذرية في الكيان الإداري الذي صنعت فيه، بهدف تأكيد وضمان استمرار المصالح الحيوية القائمة، وتدعيم قوى الاستقرار والتوازن المتواجدة، أو ايجاد قوى واستقرار وتوازن جديد.
ومن تم فقد تؤذي عملية صناعة الأزمة على المستوي الدولي إلى ابتلاع دول، وتفتيت امبراطوريات، وتفكيك تحالفات واقامة احلاف جديدة، وضم أجزاء لدول أخري، وإعادة رسم الخرائط السياسية، وإعادة ترتيب الاوضاع والقوى وذلك كله من خلال عملية صنع الأزمة..
ان الأزمات المفتعلة يستخدم مفتعلها أسلوب “الإدارة بالأزمات” في حين أن الطرف الآخر يلجأ إلى أسلوب “إدارة الأزمات” وهذا لا يعني أن جميع الأزمات مفتعلة من قبل أحد أطراف الأزمة، بل قد تكون الأزمة حدثت من جراء عوامل خارجة عن سيطرة ونطاق طرفي الأزمة، ومن ثم يلجأ كلاهما إلى إدارة الأزمة، فتعمل الإدارة بالأزمات على افتعال الأحداث والعمل على تصاعدها وجذب روافد ومصادر جديدة مؤيدة لها، وإجبار الكيان الإداري الذي حدثت فيه الأزمة على الانصياع لتأثيرها، فهي بذلك إدارة وقتية وليست دائمة ترتبط بالحدث الأزموي، وتنتهي بانتهاء هذا الحدث، والذي في العادة يكون بمثابة الإشارة والتنبيه والتهديد المباشر أو غير المباشر إلى الكيان الإداري.
عموما لا يمكن الاعتماد على أسلوب الإدارة بالأزمات ضمن الطرائق التي نعالج بها الأزمات، فالاعتماد أولاً واخيراً لا بد أن يكون موجها إلى إدارة الأزمة بالأساليب والاجراءات والطرق العلمية الحديثة، والتي تعتمد على أسس ثابتة ومحددة نستطيع من خلالها توقع وتخيل النتائج مسبقا، بعكس ما يحدث باتباع أسلوب الإدارة بالأزمات.
لأكثر من ثلاثون عام ومنذ مطلع 1975 عملت القيادات الجزائرية على تقديم الدعم الا محدود سواء كان هذا الدعم سياسياً، أو عسكرياً، أو اقتصادياً، او أمنياً، لما يسمى بجبهة البوليساريو، التي بدورها تسعى إلى الاستيلاء على الصحراء المغربية عن طريق هذا الدعم.
فما هو الدافع والرؤية الاستراتيجية للقيادات الجزائرية المتعاقبة التي تجعلها متمسكة باستقلال ما يعرف في دوائر الأنظمة الشمولية بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية؟
نظرة متأنية وتحليل عقلاني للموقف الأزموي والاستراتيجي للقيادات الجزائرية، يتضح ومما لا شك فيه أن السبب الرئيس لهذا الدعم يتمثل في عدة عوامل من أهمها:
أولاً: العوامل الاقتصادية
ويمثله الهدف الجيوستراتيجي حيث تعني الجيوستراتيجية البحث في المركز الاستراتيجي للدولة، أو الوحدة السياسية، سواء في الحرب، أو السلم، فتتناوله بالتحليل إلى عناصره، أو عوامله الجغرافية العشرة، وهي: الموقع، والحجم، والشكل، والاتصال بالبحر، والحدود، والعلاقة بالمحيط، والطبوغرافيا، والمناخ، والموارد، والسكان.
أن الهدف الاقتصادي لخلق أزمة الصحراء المغربية الحصول على منفذ بحري للمحيط الأطلسي بعد الاستيلاء على ثروات المنطقة الصحراوية للصحراء المغربية، والتي تمتاز بتنوع مصادرها الطبيعية من غاز، وفوسفاط، وثروة سمكية، بالإضافة إلى موانئها مثل ميناء الداخلة الذي يعتبر من اهم وأكبر الموانئ بالقارة الافريقية، والذي تشكل عائداته أهم مورد ودخل للتنمية في الصحراء المغربية.
ثانياً: العوامل السياسية
الأزمات السياسية من أخطر الأزمات التي تواجه الدولة وتمس كيانها الداخلي وأمنها القومي، وتنشأ بسبب تخلف وقصور في النظام السياسي، وتتمثل الأزمة السياسية في حدوث تخبط في القرارات والقوانين والتشريعات، وعدم القدرة على اتخاذ قرارات صحيحة ومدروسة من قبل متخذ القرار السياسي، مما يؤدى إلى حدوث حالة الفوضى السياسية للدولة.
هذا التعقيد في المشهد السياسي متمثل في الواقع السياسي الجزائري، الذي جعلها من ضمن البلدان التي تعاني من عدم وجود استقرار سياسي لوقوع نزاع بين الشرعية التاريخية، المتمثلة في جبهة التحرير المهيمنة على الواقع السياسي ومطالب الشعب الجزائري بتغيير الشرعية التاريخية إلى شرعية دستورية، وتداول سلمي على السلطة وفق منظومة ديمقراطية متعارف عليها دوليا.
ولتقليل زخم الحراك السياسي بشوارع الجزائر، كان لزاما على النظام خلق وصناعة أزمات للتغطية والتمويه على المشاكل القائمة التي تواجه السلطة في الجزائر، فنسيان مشكلة ما، يتم فقط عندما تحدث مشكلة أكبر واشد تأثيراً، بحيث تغطي الأزمة الجديدة المفتعلة على المشكلة القائمة، ويصبح المجتمع تحت السيطرة وهذاما يطلق عليه بمصطلح”الإدارة بالأزمات”وهو علم صناعة الأزمة للتحكم والسيطرة على الآخرين.