عبدالنبي مصلوحي
إذا كان لكل بلاد ما تشتهر به، فإن ما تشتهر به بلادنا بين عامة الشعب هو ثنائية التضاد “الإفراط والتفريط”، الإفراط والمبالغة في توفير شروط العيش الكريم لفئة معينة والتفريط في فئة أخرى..شخص يستعمل الطائرة من مدينة إلى أخرى وآخر لايجد دابة تنقله إلى دوار آخر ليتبضع الدقيق لأبنائه….شخص توفر له الدولة جميع إمكانياتها للعلاج في الداخل و الخارج وشخص آخر كذبوا عليه ببطاقة لا تمكنه في بعض الأحيان حتى من الحصول على “الدوا لحمر” في مستشفى عمومي علقت على بابه ورقة تخبر مسبقا قاصديه من مرضى الشعب على التسلح بالصبر قبل أن يأتي دورهم ليراهم طبيب يفتقد إلى أدني وسائل الكشف العصرية في قاعة لا تصلح حتى لعلاج القطط، فما بالك بالإنسان.
ومثلما توجد هذه الثنائية التي تقصي الوسطية بين الأفراد والفئات فإنها توجد أيضا ببن المناطق والجهات، حيث أن مجالا ترابيا معينا يوجد فيه الترامواي والـ”تي جي في” والقناطر المعلقة والطرق المزدوجة وأخرى معزولة عن محيطها، إذا جاء فصل الشتاء يعتقل سكانها حتى ينتهي الموسم المطير، حتى المسالك التي يمكن أن تعبر منها دوابهم تغطى بالثلوج، وقد تداول الأسبوع الماضي رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يصور مأساة فقدان أحد فلاحي الجبل بإحدى مناطق المغرب العميق لقطيع كامل من الماشية التي نقت تحت برودة الثلج.
المدرسة العمومية التي يتعلم فيها السواد الأعظم من أبناء الشعب ممن يفترض أنهم رجال الغد الذين سيدبرون شؤون البلاد في المستقبل تعرف تفريطا لا مثيل له عبر كل تاريخ المدرسة العمومية، فيما التعليم الخصوصي الذي هو في الأصل استثماري فقد هيأت له الدولة كل الظروف والإمكانيات القانونية وغيرها..
فلاحون يعيشون على الدوام في مخطط أخضر، وهم قلة، والأغلبية العظمى من الفلاحين محكوم عليهم وفق مخطط أسود بأن يظلوا صغارا، الثري الذي يستورد طائرة للاستعمال الشخصي أو يختا فاخرا يستعمله مرة في السنة تأخذ منه إدارة الضرائب اثنين ونصف في المائة، فيما العدس الذي هو وجبة الفقير فتأخذ عنه عند استيراده 60 في المائة..ألا توجد هنا ثنائية التضاد “الإفراط والتفريط”..الإفراط في ” تفشيش” الكبار من أصحاب الحظوة والجاه، والتفريط في من لا مولى له غير الله…؟ أليس في هذا مساعدة على نشر الظلم داخل المجتمع المغربي والتحريض على الاحتقان….وزرع قيم الحقد وحب الانتقام بين الفئات….؟
هذه هي بلادنا …فيها “الفوق” وفيه “التحت”، وما بينهما مفقود…الفوق للأشخاص و الفئات والمناطق المنعم عليها والتحت لمن لا مولى له غير رحمة الله.
واقع بئيس، يتم تكريسه صباح مساء عبر سياسات عمومية تنتجها حكومات لا يهمها التغيير الذي يريده الشعب نحو تحسين أحواله الاجتماعية والاقتصادية، بقدر ما يهما التغيير الذي يزيد في الهوة بين “التفريط” والإفراط”، الإفراط في تحسين أحوال الفوق، والتفريط في من يعيشون “التحت”.