كتب: عبد العزيز بنعبو
في هذا القر الرهيب، ومن داخل معاناة لا يمكن وصفها لأسر تعيش هامش الهامش. في جبال الأطلس حيث السقف عبارة عن عراء. ينبري تجار الألم، ليعلنوا مساندتهم الرسمية للتعذيب الحقيقي للمواطنين. مساندة عبر رفع ثمن الحطب، الذي بقدرة قادر تسلق عتبة 40 درهما إلى 100 درهم للقنطار الواحد. كل الذين لا يعرفون قيمة الحطب بالنسبة لسكان الجبال، عليهم زيارة إفران أو خنيفرة أو أزرو والتمتع بالمناظر، لكن دون ملابس دافئة ودون سيارات مكيفة ودون وجبات دسمة وساخنة. عليهم أن ينتظروا في العراء أول “زلافة ديال الدشيشة بالتومة”. وأن يحزموا أطراف أبنائهم بما تيسر من خرق بالية وبعض أكياس البلاستيك. عليهم أن يترقبوا العثور على قطعة حطب نسيها حطاب هنا أو هناك. عليهم أن يشربوا الشاي في الصقيع ليلا، وأن يتوقعوا سقوط سقف بيتهم الخرب في أي لحظة.
اما الذين يعرفون قيمة الحطب، فهم الذين يحفرون في وسط بيتهم حفرة كبيرة ويوقدون ما تيسر من حطب ويضعون عليها قطعة قصدير تحمر وجلا من برد الجبل، تلك وصفة البسطاء لمحاورة القر.
لكن بين كل هؤلاء يقف أناس لا علاقة لهم بالإنسان سوى الاسم، اناس يقتاتون من عذاب الأخرين، يتحينون الفرصة لفرض أتاوة العيش على الفقراء. يضاعفون ثمن الحطب ب 120 في المائة. كما يقوم زملاؤهم بمضاعفة ثمن الخضر وحتى “البقولة”، اما القطاني فحدث ولا حرج.
نعود ادراجنا إلى الجبال، نعود إلى قسوة اليومي ليس من أجل سد الرمق بالطعام. بل من أجل سد رمق البرد بما توفر من حطب التدفئة. نعود إليهم ونحن ننظر إليهم من علياء، نحن من نغلق أبوابنا ونلتف في “بطانية” أو نوقد مكيفا أو “شوفاج”. نحن من نفرض شروطنا على البرد الذي يحس بالضعف أمامنا، يحس بالهوان والذل ونحن نهزمه ونقصيه من حساباتنا. فلا يجد بدا من الانتقام منا عبرنا، فهم نحن و نحن هم، هم في الجبل ونحن في المدن هم يواجهون أنياب البرد الشرسة ونحن نسنن رماح دفئنا و نوجها للسيد البرد في مقتل، لا مكان له بيننا في المدن الكبيرة لا مكان له في الجدران. فقط بصيص أمل في أن يجول في الفيافي ويلسع أجسادا تئن تحت وطأة البؤس.
نحن و هم لا حرج علينا، لكن الذين يتاجرون في عذاباتنا اليومية وبؤسنا هم الذين يعيشون خارج الزمن الإنساني..