ترجمة- أمال المنصوري- ليلى خزيمة- احمد العلمي
حاول الدكتور والباحث والدبلوماسي كريم الرواقي رصد كل تفاصيل ما وقع في فالنسيا وكيف تعاملت السلطات مع الحدث، واقعة فتحت النقاش من جديد حول نظام سياسي، يفترض أن يكون قد تقدم بشكل كبير في مجال تحقيق السلم والحفاظ على العيش الكريم، وتحقيق تنمية مستدامة والتقعيد لكل ما يمكن ان يخلق للمواطن طمأنينة لا تعصف بمشاعره نحو المجهول.
فمأساة فالنسيا أبانت عن تكافل اجتماعي بين كل الأجناس التي تعيش في اسبانيا، والدليل على ذلك الحركة الدؤوبة التي قام بها المجتمع الاسباني والسكان المجاورون للمتضررين بتهييء ظروف التغلب على ما نتج عن الواقعة، بل أكثر من ذلك تعاون منقطع النظير إلى حدود اليوم، بوجبات غذائية مشتركة وتسخير كل الظروف لتجاوز الأزمة التي ضربت المنطقة.
الأستاذ الباحث كريم الرواقي الدبلوماسي والكتاب، حاول في هذه المقالة المترجمة إلى اللغتين الاسبانية والانجليزية ، وحاولت هيئة التحرير ب”المنعطف” من خلال ترجمتها إلى اللغة العربية وإعدادها للنشر، كي تكون أرضية لفهم مخرجات هذه المأساة.
لقد هزت المأساة الأخيرة في فالنسيا الضمير الاسباني بشدة، وأماطت اللثام عن مدى ضعف وهشاشة نظامها وكشفت عن الحاجة الملحة إلى التزام جماعي حقيقي برفاهية الشعب واستقرار البلاد. لقد دعا بشدة فيديريكو مايور زاراغوزا، المدير العام السابق لمنظمة اليونسكو والرئيس الحالي لمؤسسة ثقافة السلام، إلى بناء ثقافة السلام واللاعنف في قلب وعقل كل فرد. خصوصا في هذه الأوقات التي ارتفع فيها الألم خلال الصعوبات العميقة الحالية وأصبحت رؤيته أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وأضاف “حيث تذكرنا بأن السلام لا يقتصر على غياب الصراع المسلح، بل يتأسس من خلال التعايش السلمي والتعاطف والتضامن، وهي القيم التي تشكل أهمية بالغة في الشدائد، مثل تلك التي يواجهها مجتمع فالنسيا حاليا”.
فبالنسبة لرئيس بلدية سرقسطة، السلام ليس مثالا مجردا، بل هو حقيقة يجب بناؤها كل يوم من خلال قرارات الأفراد والمؤسسات.
ثم إن ثقافة السلام التي يدافع عنها لا تسعى فقط إلى منع العنف، بل تدعو أيضا إلى بناء علاقات داعمة ومحترمة تشمل جميع شرائح المجتمع، من الأسرة إلى الساحة السياسية، وهذا يعني أنه في وقت الأزمات، يجب علينا إعطاء الأولوية للتعاون والتفاهم المتبادل، والتغلب على التوترات والانقسامات التي تنشأ غالبا في لحظات الألم الجماعي.
لقد اختبرت المأساة في فالنسيا قدرتنا على العمل متحدين، وهي تذكير عاجل بالحاجة الماسة إلى السلام الذي يتجلى من خلال التعاطف والدعم الملموس.
وضع مقلق ومدمر بسب حدث فالنسيا
لقد كان الوضع في فالنسيا مدمرا، ليس فقط بسبب الخسائر البشرية ولكن لأنه كشف أيضا عن محدودية نموذج الحكامة في المواقف العصيبة. ومع ذلك، فإن رسالة عمدة سرقسطة تشجع على النظر إلى ما هو أبعد من البنية الضعيفة والتساؤل حول نوع المجتمع الذي نريد بناءه.
هذه الحلقة المأساوية هي دعوة لتعزيز قيم السلام والتضامن في كل جانب من جوانب الحياة العامة والخاصة، من العلاقات بين المواطنين إلى التعاون بين مختلف المستويات في الحكومة.
إن السلام يستلزم مسؤولية مشتركة يتعين علينا جميعا أن نشارك فيها بفعالية تعزيز اللتعايش المحترم والالتزام بالصالح العام.
وفي هذا الصدد، تشكل الاجراءات الرمزية للتضامن مثل زيارة الملك ورئيس الوزراء إلى فالنسيا ، قيمة كبيرة، ولكن لابد أن تكون مصحوبة بإجراءات هيكلية تعكس التزاما حقيقيا بالقيم الديمقراطية وسلامة جميع المواطنين.
ولا يكفي إظهار الدعم في أوقات الأزمات، بل يتعين علينا بناء نظام حيث يشكل التضامن والاحترام والتنسيق ركائز ثابتة فيه مما يضمن حماية السكان بالكامل ورعايتهم بطريقة عادلة وفعالة، بغض النظر عن المنطقة التي يعيشون بها.
إن ثقافة السلام التي يدعو إليها عمدة مدينة سراسطة تذكرنا أيضا بأهمية العدالة الاجتماعية باعتبارها أساس السلام الدائم.
ذلك أن التفاوتات البنيوية وعدم التوازن في توزيع الموارد لا يعرضان التماسك الاجتماعي للخطر فحسب، بل يضعفان أيضا قدرة البلاد على مواجهة الكوارث والاستجابة لها بفعالية.
وقد كشفت الماساة التي شهدتها فالنسيا عن مدى ضعف بعض المجتمعات في مواجهة الكوارث الطبيعية، وأظهرت الحاجة إلى تعديل النموذج الإسباني المستقل بما يتلاءم مع العصر الحالي، حيث يشكل الترابط والقدرة على الاستجابة السريعة والمنسقة أهمية بالغة.
إن هذا النهج للسلام واللاعنف الذي طرحه رئيس بلدية سرقسطة بذكرنا بان الوقاية تشكل عنصرا حاسما في السلام، وفي حالة فالنسيا، فإن النتيجة المأساوية هي أيضا نتيجة للتطورات الحضرية غير المنضبطة والتخطيط الذي أعطى الأولوية في كثير من الحالات للمصالح التجارية على الاحتياجات البشرية والاستدامة الدينية، وتتطلب ثقافة السلام ان تاخذ في الاعتبار العواقب الطويلة الأجل الأفعالنا وقراراتنا سواء على المستوى الشخصي أو المؤسساني من اجل منع الكوارث في المستقبل وضمان أن تكون مدننا امنة ومرنة تم إن بناء ثقافة السلام يعني في نهاية المطاف خلق نظام سياسي واجتماعي قاعدته الأساسية هي التضامن ليس فقط في الأزمات ولكن كمبدا اساسي وثابت وهذا يتطلب تعزيز السياسات التي تعزز التماسك بين المجتمعات المستقلة المختلفة وتضمن التعاون بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية للاستجابة بفعالية لأي كارثة إن السلام لا يبني فقط في المواقف الاستثنائية، بل هو جهد يومي يتطلب التزاما راسخا بقيم الاحترام والعدالة والمساواة.
إن المأساة التي شهدتها فالنسيا، فضلا عن كونها كارثة تترك فينا حزنا عميقا، تعتبر فرصة للتأمل والاصلاح والسعي إلى ماهو افضل والتكريم الضحايا، يجب أن نضمن الا تكون هذه الحادثة مرحلة عابرة، وان تعمل على ترسيخ نموذج للحكم والتعايش يحمي ويقدر حقا حياة وكرامة الجميع إن ثقافة السلام التي يروج لها فيديريكو مايور مرقسطة تدعونا إلى بناء بلد يكون التضامن والاحترام المتبادل هما المبدأ الموجه، حتى يصبح مجتمعنا في المستقبل أكثر استعدادا المواجهة أي محنة دون المساس بالقيم التي توحدنا وتجمعنا.
تأملات في مأساة فالنسيا، التضامن الحوكمة وضرورة الاستجابة الموحدة، لقد تركت المأساة الأخيرة في فالنسيا اثرا عميقا في الضمير الجماعي الإسبانيا، مما يبرز الحاجة الملحة لإعادة تقييم وإعادة التفكير في سياسات التخطيط الحضري والتنمية في البلاد هذا الحدث المأساوي سببه نموذج النمو الحضري غير المفيد وغياب التخطيط السليم، وقد كشف عن فشل كبير في إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية على المصالح التجارية.
فبدلا من بناء مدن تتكيف مع الواقعين الاجتماعي والبيئي، اهتمت المشاريع بشكل أساسي بتعظيم الأرباح على المدى القصير، مما أدى إلى بيئات حضرية هلة ومعرضة للكوارث الطبيعية والمواقف الطارئة.
لقد انتج هذا النموذج التنموي، الذي أهمل المعايير الأساسية للأمان والملاءمة.
لا شك أن الامركزية كانت أحد الأعمدة الرئيسية للنظام الديمقراطية الإسباني، حيث عززت تمثلا غنيا للتنوع الثقافي الإجتماعي للبلد
للعيش والاستدامة، وضعا أصبحت فيه المجالات الحضرية لا أمنة ولا مرنة.
فبدلا من الاستجابة لاحتياجات السكان لإنشاء أماكن صالحة للعيش ومحفوظة، تم تشجيع البناء غير المنضبط، متجاهلا المخاطر الكامنة وراء هذا التوسع الحضري السريع.
إن قرارات التخطيط الحضري التي تم اتخاذها دون تخطيط دقيق ودون مراعاة العواقب على المدى الطويل أدت إلى إنشاء مناطق معرضة للفيضانات، والانهيارات الأرضية، أو غيرها من الكوارث، مما يؤثر بشكل مباشر على حياة وسلامة المواطنين.
تظهر كارثة فالنسيا الحاجة إلى إعادة التفكير في النهج المتبع في التنمية الحضرية وجعلها قائمة على المرونة والاستدامة. الأمر لا يتعلق فقط بإنشاء مدن أكبر وأسرع، بل بإنشاء بيئات حضرية أكثر أمانا وتكيفا مع التحديات المستقبلية. قد تكون اليابان النموذج الذي يجب اتباعه.
فبعد التجارب المدمرة التي مرت بها من جراء الزلازل والتسونامي طبقت حلولا مبتكرة ووقائية لتجنب الكوارث.
في طوكيو، على سبيل المثال، تم بناء نظام صرف صحي ضخم تحت الأرض، يعرف بـ مشروع مدينة طوكيو تحت الأرض».
يتكون هذا النظام من سلسلة من الأنفاق والكهوف تحت الأرض المصممة لامتصاص وتوجيه كميات كبيرة من المياه خلال الأمطار الغزيرة أو الفيضانات.
لا يحمي هذا النظام المدينة من الفيضانات فحسب، بل يعمل أيضا كنموذج وقائي يعتمد على التخطيط بعيد المدى، مما يساهم في التنبؤ بالكوارث الطبيعية وتقليل تأثيرها على السكان.
يجب أن يكون هذا النهج الوقائي الذي يركز على البنية التحتية المرنة وتكييف المدن مع المخاطر الطبيعية، درسا للجميع. فبدلا من اتباع نموذج تنموي يركز فقط على النمو الاقتصادي الفوري، يجب أن نناضل من أجل نموذج حضري يضمن سلامة ورفاهية واستدامة الأجيال القادمة مع الحفاظ على سيرورة التقدم.
إن نموذج اليابان يثبت أن التخطيط الوقائي والتنبؤ بالمخاطر هما المفتاح لتجنب الماسي مثل تلك التي شهدتها فالنسيا مؤخرا.
وفي هذا السياق، كشفت المأساة عن الحاجة الملحة إلى تحسين تنسيق سياسات التخطيط الحضري على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية، لمنع تكرار الأخطاء الماضية.
لذلك من الضروري أن تلعب الحكومة المركزية، إلى جانب السلطات الإقليمية دورا أكثر فاعلية في عملية الإشراف وتنظيم التنمية الحضرية خاصة في المناطق التي قد تكون عرضة للظواهر الطبيعية.
كما يجب تعزيز التعاون بين مختلف مستويات الحكومة لضمان اتخاذ القرارات بشكل مشترك ومنسق دون أن تؤثر المصالح الخاصة لكل منطقة على المصلحة العامة.
وختاما، يجب أن تكون المأساة في فالنسيا نقطة تحول ليس فقط للتفكير في التخطيط الحضري والوقاية من الكوارث، بل أيضا الإعادة التفكير في السياسات التنمية طويلة المدى. يجب أن نتعلم من التجارب الدولية مثل تجربة اليابان، التي تظهر لنا أن نموذج التنمية الحضرية الذي يركز على المرونة والوقاية ليس ممكنا فحسب، بل هو ضروري.
ومن خلال اتباع نهج متكامل وتعاوني يعطي الأولوية السلامة المواطنين ولجودة حياتهم، سنتمكن من بناء مدن جاهزة لمواجهة تحديات المستقبل دون التضحية بالاحتياجات الإنسانية لصالح المصالح التجارية قصيرة المدى.
فالنسيا والالتزام الديمقراطي تأملات في زيارة الملك والملكة والرئيس في مواجهة المأساة الإنسانية
تمثل زيارة جلالة الملك فيليب السادس والملكة ليتيزيا مع رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، التفاتة رمزية للتضامن والدعم الذي تعامل معه المجتمع بشكل إيجابي، ومع ذلك تدعونا هذه المأساة أيضا الى التفكير العميق في معنى الديمقراطية والمسؤولية المشتركة الجميع المواطنين في بناء دولة أكثر عدلا واستقرارا.
تعتبر هذه الكارثة، نتيجة للتطورات الحضرية غير المنضبطة وغياب التخطيط الذي يولي الأولوية للاحتياجات الإنسانية على المصالح التجارية، أحد أصعب اللحظات التي مرت بها فالنسيا في تاريخها الحديث.
ومع ذلك، وبعيدا عن الدمار الفوري، فقد كشفت المأساة عن التحديات الأساسية لنموذج الحوكمة في إسبانيا، وهو النظام القائم على استقلالية المناطق، والذي على الرغم من أنه يعزز التنوع واللامركزية، إلا أنه يظهر أيضا محدوديته في أوقات الأزمات.
من المهم التأكيد على أن فالنسيا ومواطنيها كانوا معزولين لعدة أيام قبل وصول الملك والملكة ورئيس الحكومة.
فلا يجب أن يُفسر تأخر الزيارة على أنه نقص في التضامن أو التزام المؤسسات الوطنية، ولا على أنه فشل في التنسيق معسلطات المجتمع الفالنسي.
ففي حالة طارئة بهذا الحجم، لا تعكس التوقيتات والقرارات دائما الإرادة الفورية للتحرك من قبلا المسؤولين، بل تخضع للصعوبات اللوجستية وضرورة تنسيق الموارد بشكل فعال لتقديم استجابة مناسبة.
ومع ذلك من المفهوم أن مواطني فالنسيا ، وسط خسارة مدمرة ومواجهة الحزن والألم جراء فقدان أحبائهم، قد يشعرون بالإحباط ونفاد الصبر على ما يرونه نقصا قصا في الدعم الفوري.
مع ذلك، يجب أن نتذكر أن التضامن لا يعبر عنه فقط من خلال الحضور الفعلي للقادة، بل أيضا من خلال التحضير وتعبئة الموارد التي تعمل غالبا بعيدا عن الأنظار العامة.