عبد الرحيم باريج
عبرت الكثير من القوى السياسية والحقوقية عن رفضها لما أسماه الخطاب الحكومي المتشدد والإجراءات التأديبية المجحفة إزاء طلبة كليات الطب والصيدلة الذين يواصلون مقاطعة الدروس النظرية والتطبيقية. ووقفت عند التطورات الخطيرة التي تعرفها الأوضاعُ بكليات الطب والصيدلة، مؤكدة على رفضها للمواقف الحكومية المتشددة في شأن الاستعداد لإيجاد حل عاجل وعادل للأزمة الحالية. وأعربت عن شجبها للقرارات التأديبية التي اتخذها الحكومةُ في حق عددٍ من طلبة كليات الطب والصيدلة، داعية الحكومة إلى تَحمُّـلِ المسؤولية السياسية الواجبة والضرورية من خلال إيجاد الحلول المناسبة والسريعة لهذا الاحتقان المتواصل لأجل تفادي السقوط في كارثة عام أبيض.
وقف استفزاز الطلبة
واعتبرت إقدام بعض عمادات كليات الطب والصيدلة على توقيف عشرات الطلبة الناشطين بالتنسيقية الوطنية لطلبة الطب والصيدلة عن الدراسة لمدد تتراوح بين ستة أشهر وعامين والإعلان عن إقصاء بعض الطلبة من التسجيل ومن الدراسة ببعض الكليات، يتنافى تماما مع جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومع كل القوانين المحلية الجاري بها العمل، بما في ذلك الدستور المغربي، المؤطرة للحق في حرية التعبير والتظاهر السلمي وممارسة العمل النقابي. ودعت رؤساء الجامعات إلى ما سمته “وقف استفزاز وتخوين طلبة كليات الطب والصيدلة وتوقيف بعضهم، وبفتح حوار مع ممثليهم والاستجابة لمطالبهم العادلة والمشروعة”.
وتشبثت الحكومة بموقفها الرافض ل”الرضوخ لمطالب الطلبة”، وهو الموقف الذي جدد التأكيد عليه رياض مزور وزیر التجارة والصناعة، خلال ندوة نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني بمدينة سلا، بقوله “لا يمكن أبدا أن نتخذ قرارا يرهن مستقبل المغرب”، تعليقا على رفض الطلبة لقرار تخفيض أعوام الدراسة من سبعة إلى ستة أعوام. وصرح مزور “حين اتخذنا هذا القرار كان الهدف هو تقوية قدراتنا في ميدان التأطير الطبي، وهناك نقاش بين الطلبة والحكومة، فهل نقول للطلبة، لكي نقنعهم بوقف الإضراب، إنهم على حق، ونلغي هذا القرار ونرهن مستقبل البلد ككل؟ هذا صعب”. وأكد قبله مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة، دعم كل من خالد أيت الطالب وزير الصحة والحماية الاجتماعية، وعبد اللطيف ميراوي وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، في مواجهة احتجاجات طلبة الطب. وقال في ندوة صحافية بعد أشغال المجلس الحكومي شهر فبراير الماضي، أن الندوة الصحافية التي عقدها ميراوي وأيت الطالب أجابت عن مختلف العناصر المتعلقة بالموضوع، وهاجما فيها طلبة الطب المحتجين وأكدا أن الطلبة لا يحق لهم الاعتراض على التوجهات الإستراتيجية للدولة لأجل توفير 97 ألفا من الأطقم الطبية والتمريضية، عبر جملة من الإجراءات التي بدأ تنزيلها، بينها تقليص عدد أعوام تكوين الأطباء من 7 إلى 6 أعوام ورفع عدد المقاعد المخصصة لمن يرغب في الإلتحاق بهذه الشعبة إلى 20 في المائة. وأكد الوزير بايتاس أن هذا التوجه جاء لفسح المجال لأبناء الشعب من بعض المناطق النائية الذين حرموا سابقا من دراسة الطب، بالإستفادة من الفرص المتاحة عبر بناء كليات طب جديدة ومنح أيضا المجال للأسر الغنية لمن لها الطموح في أن تحقق أمالها في المجال الطبي بالقطاع الخاص قصد تلبية حاجيات المواطنين في تلقي العلاج في كل أنحاء التراب الوطني. وتصدى الوزيران لنزيف هجرة الأطباء التي تصل سنويا إلى 600 طبيب إلى فرنسا لوحدها من أصل 1600 وبعض العشرات إلى كندا وأمريكا وألمانيا، إذ تفرض فرنسا على من يريد الاشتغال في مستشفياتها العمومية ومصحاتها الخاصة حيازة شهادة طبيب بدراسة سبعة أعوام كاملة غير منقوصة. وهددت الحكومة بمنح الأطباء المقاطعين لجولة جديدة من الإمتحانات الأصفار في حال استمرارهم في الإضرابات التي شلت كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان…
حينما قررت اللجنة الوطنية لطلبة كليات الطب
شكل عام 2012 بداية لمسلسل التوتر بين طلبة الطب والوزارتين المعنيتين، حينما قررت اللجنة الوطنية لطلبة كليات الطب، تنظيم وقفات احتجاجية وطنية بجميع كليات الطب وإضرابات إنذارية بكافة المصالح الإستشفائية الجامعية، بغرض لفت أنظار وزارتي الصحة والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر إلى قيمة التعويض عن الخدمة التي يتقاضاها طالب الطب المغربي ابتداء من العام الثالث، والتي لم تكن تزيد قيمتها عن 110 دراهم شهريا، إلى جانب رفض الدولة الترخيص لإنشاء كليات طب خاصة. وناشدت التنسيقية الوطنية طلبة القطاع وزير الصحة آنذاك الحسين الوردي، لإدماج خريجي كليات الطب التابعة للدولة في الوظيفة العمومية.
تلقى إعلان الوزير الوردي، عزمه إقرار الخدمة الإجبارية لمهنيي الصحة في المناطق النائية لمدة عامَين وفق مشروع قانون جديد، (تلقى) ردود أفعال غاضبة من طلبة وخريجي كليات الطب، دفعهم للخروج إلى الشارع احتجاجا على القرار الذي أكدوا أنه سيفاقم معاناة الطلبة مما يلزمهم الاشتغال دون ترسيم. ولم ترق كثيرا الوردي مقاطعة طلبة الطب للدروس النظرية والتداريب الاستشفائية خلال الدخول الجامعي لموسم 2015-2016، بعدما أكد أن عام أبيض في انتظارهم، لتقرر التنسيقية التصعيد عبر وقفات احتجاجية زيادة على الإضراب عن العمل داخل المراكز الاستشفائية الجامعية.
وأبقى تعاقب الحكومات والوزراء على القطاع المعني استمرارية الشد والجذب بين الطلبة الأطباء والحكومة، زاد من حدته قرار وزير التعليم العالي الحالي عبد اللطيف ميراوي تقليص أعوام التكوين في الطب من سبع إلى ستة أعوام ابتداءً من الموسم الدراسي 2022/2023، بهدف تسريع وتيرة تكوين الأطباء وسد الخصاص الذي يعاني منه المغرب، مما دفع القرار “أطباء المستقبل” إلى التصعيد من حدة احتجاجاتهم بدءاً من 14 من دجنبر الماضي في ظل الضبابية التي يتسم بها مستقبل تكوينهم خلال العام السادس وما بعده ووسط غياب لأي تجاوب ملموس من طرف الوزارتين الوصيتين بعد مرور أكثر من عام على إقرار تقليص أعوام التكوين.
ودعت اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة الوزارتين الوصيتين إلى الجلوس معا على طاولة الحوار بمقترحات جادة وموضوعية، مع تفعيل لجان تقنية بهدف وضع تصور واضح حول الدراسة في كليات الطب بالمغرب، بعد أن عقدت اللجنة جموع عامة تقريرية ومصيريّة بمختلف كلّيات الطب لتدارس الملف المطلبي، ثم ردت وزارتا التعليم العالي والصحة باجتماع بمُمثلي طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان في الخامس من دجنبر من العام الماضي بغرض احتواء الاحتقان وتدارس الملف المطلبي.
تدخل الوزارة الوصية
ولم يكن الإجتماع كافيا بالنسبة للطلبة، لتوقيف احتجاجاتهم خاصة وأنه لم يسفر سوى عن مَحضر اتفاق تضمن عدد من الوعود، مطالبين برد فعل مقنع من الوزارتين فيما يتعلق بضعف التكوين والتأطير، وعدم وضوح مرامي قرار تقليص أعوام الدراسة، معلنين بذلك عن استمرار الطريق النضالي لإيجاد حلول لضعف التأطير والمواكبة وتوفير تكوين متين في ظل التزايد المطرد لعدد الطلبة الوافدين، إضافة على ما يشتكي منه طلبة الصيدلة من عدم الإستفادة من التداريب داخل مختبرات صناعة الأدوية، وغياب للتأطير أثناء الأعمال التطبيقية الاستشفائية.
ورد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والإبتكار عبد اللطيف ميراوي على قرار التقليص، أن تنزيله لم يأت اعتباطا بل سبق للنموذج التنموي وأن تضمنه، مرجعا إياه إلى تحول كبير في التكوين عموما والميدان الصحي خصوصا، مدعما ذلك بأمثلة عدد من البلدان التي لا تتجاوز مدة التكوين في هذا المجال ستة أعوام، مدعما موقفه بقيام وزارته بإضافة ما يفوق 20 ألف مقعد جديد بالجامعات المغربية.
وبرر طلبة الطب رفضهم قرار تقليص مدة التكوين بالدفاع عن مشاكل أكبر تنخر كليات الطب بالمغرب، والتي عددتها اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان في ملفها المطلبي الذي ما تزال متشبثة باستجابة وزارتي الصحة والتعليم العالي لكل مضامينه. ويشمل مكاتب أطباء وصيادلة المستقبل، وإعادة النظر في قيمة التعويضات عن المهام والمتمثل في تعويض هزيل يقدر بـ 21 درهما لليوم، مع معالجة طريقة صرفها والتي تتم بشكل شهري وليس على دفعات، إلى جانب ضمان حق الطلبة في الإستفادة من التغطية الصحية والحماية من حوادث الشغل والأمراض المهنية، كما يناشد طلبة الطب الحكومة لإعادة تهيئة الأراضي الإستشفائية الحالية وتجهيزها بالمعدات اللازمة.
وطُرحت طيلة أشهر المنصرمة ولازالت تساؤلات عديدة في ظل استمرار أزمة طلبة كليات الطب، حول ما إذا كان سيسير المسلسل نحو مزيد من الإحتقان، وعما إذا كان سيشهد ملف طلبة الطب سيناريوهات مشابهة لملف الأساتذة. وذكرت الجمعيات الحقوقية في مراسلاتها التي رفعتها بتاريخ 23 ماي الماضي للحكومة والوزارات المعنية أنه “في الوقت الذي كان ينتظر فيه من الحكومة التدخل، طبقا لصلاحياتها القانونية والإدارية ولمسؤوليتها السياسية في التدبير السليم للشأن العام، لوضع حد للتصعيد ضد الطلبة، تم التفاجؤ بتصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي والإبتكار عبد اللطيف ميراوي”، معبرة عن “امتعاضها الشديد منها”. وقالت أن في ذلك “تهديد صريح وعلني للطلبة المضربين يرقى لمستوى تشهير ممنهج في حقهم، وهو ما يعتبره المكتب المركزي تصريحا غير لائق ستكون له تداعيات خطيرة، ليس فقط على مستوى جميع كليات الطب والصيدلة بالمغرب وإنما على مستوى منظومة التعليم العالي وسمعة الجامعات المغربية ككل”. وأدانت “شروع بعض عمادات كليات الطب والصيدلة في توقيف عشرات الطلبة الناشطين بالتنسيقية الوطنية لطلبة الطب والصيدلة، عن الدراسة لمدد تتراوح بين 6 أشهر وعامين، والإعلان عن إقصاء بعض الطلبة من التسجيل ومن الدراسة ببعض الكليات، والشروع بموازاة ذلك، في توجيه استدعاءات من طرف الضابطة القضائية لبعض الطلبة، وتحرير محاضر رسمية في حقهم قصد تقديمهم لمحاكمات دون وجه حق”. ورأت الهيئات ذاتها في كل هذه المستجدات التي تعرفها كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة بالممكلة “خطوات مستفزة” تقول أنها “تذكر بحظر الدولة المغربية للنقابة الطلابية للاتحاد الوطني عام 1973”.