عبد اللطيف بوجملة
ان كان المخطط الأخضر قد ساهم في تطوير الاسـتثمار الفلاحـي الوطنـي وتنويـع والرفـع مـن الإنتـاج الزراعـي ومـن الصـادرات الفلاحيـة وتنظيـم القطـاع، فان هذه الجوانب قد مست فقط حظ الأرملة، اي ثمن المساحة القابلة للزراعة، أي المليون هكتار المسقي الذي تركه الاستعمار و مختلف المخططات الزراعية انتهاء بصندوق التنمية الزراعية المحدث في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، مقابل إهمال البادية المغربية و صناع الغذاء المغربي من الفلاحين الصغار.
سياسة عمومية بدون تقييم
و لحدود اليوم لم يتم تقييــم نجاعـته وفعاليــته واســتدامته، تقييما محكما و خارجيا، باعتباره سياســة عموميــة تلقـت التمويــل ينبغي ان تخضع للمساءلة لأجل عقلنة و تطوير السياسات العمومية على أساس الانجاز و الإخفاق و الفرص المحققة و الضائعة، و ليس على أساس مساءلة الأشخاص و المنتفعين القلائل من كبار الملاك العقاريين.
سيقول قائل إن المخطط المذكور قد نال نصيبه من التقييم، لكن في النهاية الأبرز فيه انه تقييم غير شامل نظير التقارير التي أنجزت عن وعوده و ليس اختياراته البنيوية كتقارير المجلس الأعلى للحسابات والمندوبيـة السـامية للتخطيـط و أخرها تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية و التي همت اساسا نتائجه الكارثية في ما يتعلق بمسؤوليته المباشرة في استنزاف الثروة المائية و استدامة التبعية للأسواق الخارجية في ما يخص المخزون الاستراتيجي للغذاء الوطني.
كما سيرد مهندسوه، انه خضع لتقييم داخلي أشرفت عليه الوزارة الوصية للفترة من 2008 وإلـى 2018 ، عبر تقديم أراء المهنيين المستفيدين منه دون سواهم، و بانتقاء و تغليب السنوات المرجعية المستخدمة في مقارنة المؤشرات بعضها ببعض لتحمل الانطباع الواهم بالتطور و إظهار التحسن.
كما أن المؤسسة التشريعية المنوط بها سياسيا و أخلاقيا مساءلة هذا المخطط ، و ان بادرت إلى إنشاء مجموعة عمل موضوعاتية ســنة 2022 وكلفت بتقييــم المخطــط ، إلا أن المجموعة لم تفعل لأسباب غير معروفة.
و العبرة بالنتائج الظاهرة و الخطيرة، و التي أثرناها ما مرة، و هي تركيزه المطلق على اختيار الزراعات الكثيفة الموجهة للتصدير و المستنزفة للثروة المائية في ظل احتداد التغيرات المناخية و النقص الحاد في التساقطات و الموارد المائية البديلة، و فشله في تحويل المغرب إلى بلد فلاحي قادر على تامين غذائه الأساسي و استدامته و قادر على التصدير و استدامته، و لعل ترتيبنا 57 عالميًا مــن بيــن 113 دولــة، وفــي المرتبــة 12 فــي قائمــة بلــدان الشــرق الأوسط وشــمال أفريقيــا، فــي مؤشــر الأمن الغذائــي الصــادر عــن مؤسســة “إيكونوميســت إمباكــت”، دليل آخر على الفشل و غياب الإبداع.
و عوض أن يحقق المخطط وعوده بالرفاه و الوفرة، فان مهندسوه السياسيون رفعوا اليد العمومية على استيراد المواد الأساسية، و لاسيما الحبوب و القطاني و الزيوت و السكر، سواء برفع دعم صندوق المقاصة جزئيا أو كليا، و بتفويــض المســتوردين الذين عبثوا بالأسعار بعذر، أقبح من الزلة، و هو تقلبــات الأسعار دوليا.
و عوض توجيه الاستثمار العمومي للأساسي لكل فلاحة وطنية تريد الاستدامة و البقاء، و هو تامين الحاجيات من مياه السقي على وجه الاستدامة، في ظل بنيوية الجفاف، و بالرغم من التطور التكنولوجي الحال في مجال تحلية مياه البحر و التي تمتد على ألاف الأميال البحرية، فان المخطط اكتفى ببناء محطة تحلية يتيمة موجهـة للسـقي بأكاديرو دون احترام موعد انطلاقها المسبق. و لولا التدخل الملكي لتبني استراتيجة مستعجلة لما رأت المحطات المبرمجة النور.
فضلا عن اختيارات زراعية عشوائية و غير محسوبة و غير مربحة استراتيجيا، تهتم بضـرورة احتـرام المصدريـن للتزاماتهــم مــع الجهــات الخارجيــة ، كزراعة البطيخ الأحمر المستنزف للمياه بالمجال الصحراوي و غير الصحراوي، و لاسيما أمام خطر و تهديد العطش و استقرار البلد.
ناهيك عن الارتفاع في أسعار الخضروات و الحبوب و القطاني و الاعلاف و اللحوم و التي لم يشهد المغاربة لها نظيرا في السابق. فعلى اي انجاز يتحدث مهندسو المخطط ؟
اهمال المخطط بدون مبرر
على المستوى المجالي أهمل المخطط بشكل غير مبرر و غير مفهوم المناطــق الســقوية التقليدية التــي كانــت المــزود الرئيســي للســوق الوطنــية والتــي تــم قطــع مــاء السـقي عنهـا كدكالـة وتادلـة والحـوز،على سبيل المثال لا الحصر، مقابل الاهتمام الزائد و المفهوم بالمناطــق الحديثــة النشــأة وتمكين أصحابها من الفلاحين الجدد، و التي لا تربطهم بالفلاحة أي واشج سوى الربح و الريع و التصدير، مــن مـوارد مائية مستدامة. و أمام استنزاف المياه الجوفية بهذه المناطق التقليدية هنالك حرب يومية لتأمين سقي ما تبقى من أشجار الزيتون و الحوامض و الورديات و التي كلفت استثمارات طائلة لتجديدها مع المخطط، و هي تشهد مصير الاجتثاث و اليبس و تحويلها إلى رماد، حسب معطيات استقيناها من الميدان.
ثم هل يعقل مع وعود المخطط و فرقعاته الإعلامية الممجدة لنجاحات وهمية ان يتحول المغرب من بلد ينتج ما يكفي من الماشية لأهم شعائره الدينية و عيد الأضحى إلى مستورد نهم بهذا المناسبة الدينية و بغيرها لتامين حاجياته من اللحوم الحمراء بالشكل الذي ظهر مع المخطط الأخضر و يظهر مع نسخته الرديئة المنعوتة باستراتيجية الجيل الأخضر؟
و ما قيمة الزيـادة فــي الدعــم المخصـص لمربـي الأبقار الحلوب و الذي وصل الى 6000 درهــم للــرأس عــوض 4000 درهــم،و نحن نكتوي كمغاربة من رداءة القيمة الغذائية للحليب و الذي يعتمد على استيراد غبرة الحليب من الخارج لتأمين حاجياتنا الاستهلاكية من هذه المادة و من اللحوم الحمراء؟ و ما نصيب الفلاح الصغير من هذا الكرم؟ ثم ما قيمة دعم استيراد الكباش في ظل غلاء الأسعار غير المشهود و في ظل عدم استجابة اغلبها للشروط الشرعية لهديها؟
و لا يمكن ان يتم تقييم المخطط الأخضر و استراتيجية الجيل الأخضر، في ظلالتوقيــع في مـاي 2023 علـى عقــود برامــج جديــدة مــع التنظيمـات المهنيــة ونفــس السلاســل الإنتاجية التــي سـبق لأصحابها الاستفادة مـن دعـم مخطـط المغـرب الأخضر، دون تقييم نجاعة القروض التي لجأ مهندسوه لتمويلهما، من القارضين الدوليين مثــل البنك الدولي، والبنك الأفريقي للتنمية، والتعـاون الياباني، والوكالـة الفرنسـية للتنميــة، و بلغت، مثلا،21 مليـار درهـم بيـن عامي 2008 و2018 ، وهو ما يمثل حوالـي 10 في المائة مـن الدين الخارجي للمغـرب لسنة 2022، حيث باتت عبء على كاهل الميزانية العمومية و دون نتائج مهمة ان لم يكن الاستهلاك و التصدير و مساهمة المال العام في اقتصاديات غنية نصدر لها ماءنا الافتراضي و جزء غير يسير من كلفة الإنتاج و النقل؟ و كم بلغت لحدود اليوم؟
غيض من فيض
أخيرا وليس أخرا، لان كل ما سقناه من أمثلة هو مجرد غيط من فيض، و ما خفي هو أعظم بالتأكيد، و في ظل الوعود المرفوعة كم خلقت هذه المخططات من مناصب شغل لفائدة الشباب العمامل بالبادية المغربية؟
كل المؤشرات الرسمية تؤكد أن القطاع الفلاحي لـم ينجح في خلق فـرص شغل إضافية كما لا يتحكم في مناصب الشــغل المحدثة، و التي ترتهن للظروف المناخية، فضلا عن أثار تطوير المكننة و الذي ساهم في خفض حاجة الفلاحين الكبار، و لاسيما الجدد، إلى اليـد العاملة. كما ساهم ضعـف الدعـم المباشر للفلاحين الصغار فـي خفـض التشغيل العائلي، حيث تؤكد المندوبية السامية للتخطيط تراجع دراماتيكيا في نسبة مساهمة القطاع الفلاحي فــي سوق الشغل بالانتقال من 9 في المائة ســنة 2008 إلى اقل من اثنين في المائة ســنة 2018
فما بالك بوضعية التشغيل في ظل استراتيجية الجيل الأخضر مع توالي سنوات الجفاف، حيث تغيب المعطيات الإحصائية الرسمية بشأنها.