حسن عين الحياة
ثمة تجليات كثيرة للفكاهة كفنفي المغرب.. بعضها برز من خلال العنصر الجماعي الذي أفلح في “صناعة الضحك” في زمن كانت فيه الفكاهة المغربية تعيش مخاض التأسيس،وقد برز كرواد لها، خاصة بعد الاستقلال مباشرة،فنانون موهوبون، كالبشير لعلج وبوشعيب البيضاوي والقدميري والمفضل الحريزي وبوجمعة أوجود، الذين جسدوا المسرح آنذاك في صورته الفطرية من خلال “سكيتشات” هزلية وبعض التمثيليات التي كانت ثبت عبر الإذاعة، وبعدها التلفزيون، لتأتي بعد ذلك “صناعة الضحك” من خلال جيل آخر، من رواد الفكاهة، والذين تابعهم المغاربة بشغف عبر التلفزيون، كبلقاس وعبد الجبار لوزير وعبد الرحيم التونسي (عبد الرؤوف) وحمادي عمور والداسوكين والزعري ومحمد بنبراهيم وعبد الرحمان برادي وخديجة أسد وزوجها عزيز سعد الله وغيرهم كثير. قبل أن تبرز ظاهرة الثنائي، والتي أنجبت فكاهيين كبار، كـ”قشبل وزروال” و”قرزز ومحراش”،و”باز وبزيز”، و”السفاج ومهيول”، و”الصداقة”، و”عاجل وفلان” و”التيقار”، و”لهبال” و”الهناوات”، و”الثنائي 90″ و”الزيكوالزاك” وآخرون.
في هذا الركن، نسلط الضوء على فنان مغربي من رواد فن الكوميديا في المغرب، وفي هذه الحلقة نتوقف عند الفنان:الراحل بوشعيب البيضاوي
هو واحد من رواد الفكاهة وأحد المؤسسين لنواة التجربة المسرحية الأولى في المغرب ما بعد الاستقلال، إلى جانب نخبة من كبار المبدعين أمثال البشير لعلج ولحبيب القدميري ولمفضل الحريزي وفنانين آخرين.. وهو أيضا واحد من أبرز رواد فن العيطة في المغرب، إذ رغم مرور 58 سنة على وفاته، ماتزال أغانيه تتردد إلى غاية الآن على ألسنة عدد من الشيوخ وعشاق الأغنية الشعبية.
ولد بوشعيب البيضاوي عام 1929 بدرب الدالية في المدينة القديمة بالدارالبيضاء، واسمه الحقيقي بوشعيب الزبير. ورغم طفولته القاسية، تمكن من الحصول على تعليم جيد، بعد دخوله مدرسة “الضيعة البيضاء” التي كانت حكرا على الطبقة المتوسطة، حيث تمكن من خلال دراسته على يدي معلمين فرنسيين من إتقان اللغة الفرنسية وهو في صغير السن، ما مكنه من مغادرة المدرسة مبكرا والاشتغال في مكتب محام فرنسي. لكن لظروف ما، غادر بوشعيب البيضاوي المكتب، واشتغل مشرفا على مصبنة في المدينة القديمة.
وتقول بعض المصادر التي اشتغلت على شخصية هذا الفنان، إن هذا العمل مكنه من الالتقاء بالبشير لعلج ولحبيب القدميري ولمفضل لحريزي ومحمد البورزكي الذين كانوا زبناء للمصبنة. ولأن بوشعيب كان وقتها مفتونا بفن العيطة، وكان يغني في مجالس الأصدقاء وله أيضا بعض التسجيلات، اقترح عليه القدميري الانضمام إلى فرقة “الكواكب للمسرح”، فقبل ذلك، وإن كان آخرون يقولون إن مكتشفه هو البشير لعلج، خاصة وأن هذا الأخير هو من اقترح على البيضاوي أن يلعب أدوارا نسائية في أعماله المسرحية.
ويرى كثيرون، أنه في زمن كان صعبا على المرأة التمثيل أو صعود الخشبة أو الظهور خلف الكاميرا،
كان بوشعيب البيضاوي وحده يسد هذا الخصاص، ليس من خلال أدائه الفريد للأدوار النسائية على المسرح فحسب، وإنما حتى من خلال أغانيه التي كان يقلد فيها الأصوات النسائية بامتياز، إلى درجة تفوق حتى على بعض “الشيخات” الشهيرات في عصره، ما دفع بكثيرينإلى وصفه وقتها بـ”ملك العيطة”.
لقد تمكن بوشعيب البيضاوي، رغم عمره الفني القصير، (توفي عن عمر 37 سنة عام 1965) من أن يرسم لنفسه بروفايلا خاصا، وأن ينحت اسمه في سجل عمالقة المسرح والكوميديا والغناء في المغرب، خاصة وأنه في تمكن في زمن كان يعيش فيه المغرب ظروفا صعبة (الاستعمار)، أن يزرع البسمة على شفاه المغاربة من خلال الأدوار النسائية الكوميدية التي كان يتقمصها. كما كان أول من أدخل فن العيطة للمسرح. ويقال إن الملك الراحل الحسن الثاني، حضر وهو ولي العهد حفل تأسيس فرقة “الكواكب” لمؤسسها البشير لعلج عام 1956، وكانت تضم بوشعيب البيضاوي والقدميري والصويري لحريزي ورواد آخرين، وكان تأسيس هذه الفرقة بدعم من الملك الراحل محمد الخامس.