العالم كله مسرح
وليس الرجال والنساء ، كلهم الا ممثلين
لكل دخوله وخروجه
وبين الاثنين حياتنا، حيث نلعب عدة أدوار
شكسبير
أكاد أجزم أن لا أحد كان يتوقع ما حصل الا المخططين له طبعا. أن يستفيق الكون ويجد نفسه في غتوهات معزولة عن بعضها البعض، لم ينقص المشهد غير الأسلاك الشائكة التي تفصل الاحياء والبيوت فيما بينها.
بقدرة قادر أضحى الكون جزرا صغيرة تُدبر مصيرها وتخط يومها بشكل انفرادى.
عشت الجائحة بكل جوارحى وخلايا كيانى كما الآخرين، أغلقتُ عليّ باب بيتى ومارست هواباتى الصغيرة واستطبت أشياء وعافت نفسى أخرى.
لا أريد أن أعود بك أيها القارىء الى تلك الحقية السوداء، فكلّ عاشها بطريقته، فقط أتمنى أن أشركك وأفتح كوّة صغيرة لتعبر الى عالمى الصغير ونتقاسم معا بعض الخصوصيات.
هذه يومياتى أيام الجائحةكتيتها بكل تلقائية بدون تنميق ولا غلو أضعها بين يديك.
1
أشياء متعددة قد نغنمها من الحجز الاضطرارى داخل المنزل بسبب الحجر الصحي المفروض بقوة القانون.
فيما يخصنى لم يطرح الأمر عندى اشكالا كبيرا لأنى أصلا أعتبر نفسى “بيتوتى” أي أرتاح أكثر داخل جدران بيتى،أقرأ، أخربش بعض الصفحات، أشاهد بعض الأفلام و أستفيد من تنويع اهتماماتى المنزلية.
كشف هذا المُعطى الجديد الذى فرض ظلاله على المغاربة سلوكات مُخلّة ومخجلة ، لعل أبرزها هذا التهافت المبالغ فيه على اقتناء المواد الغذائية وغاز البوطان، وهذا ملمح وسلوك بشري تفرزه الأزمات الكبرى والحروب.
الخوف سلوك انساني مشروع الا أن المبالغة في الاقتناء وهستيريا النظافة وغيرها من السلوكيات التي افرزها هذا الفيروس أبانت عن هشاشة وضحالة نماذج بشرية والاسراف في تعرية سوآتنا.
2
هناك عالم مُوازى لعالمنا المعيشي انتعش بقوة هذه الأيام، العالم الافتراضي، عالم الواتساب واليوتوب والوسائط والصورة بصفة عامة.
هناك ارتفاع ملحوظ في منسوب الفكاهة والكوميديا السوداء التي تعاطت بكثرة مع الحالات والسلوكات المشينة والحجر المنزلي والصراعات التي تولدت عنه بين كائنات نفس البيت والاهتمام بالمطبخ والأكل المنزلي والاهتمام الأسري المستحدث والبحث عن الهوايات الكامنة في دواخلنا.
3
لأول مرة أُمعن النظر فى الحي الذى أقطن به، وأُلاحظ أن ضوء كل الطوابق والشقق مُضاء.
الناس أخيرا تجلس مُرغمة في البيوت، تتأمل الجدران وتكشف موجودات المكان وعيوبه أيضا.
منظر نادر الحدوث، ضوء مُعظم الشقق مُنار، تحس أن البيوت مُبتهجة حصّلت ماكانت تتوق اليه وهو الدفء، الناس تجلس أخيرا في منازلها، تتقاسم مع أبنائها نفس المكان، الجدران تسترجع ما سُلب منها.
4
استحضر بقوة الآن مشاهد عالقة بالذاكرة لأبطال أسطوريين أو أشخاص في أفلام خيالية استفاقوا فوجدوا أنفسهم الأحياء الوحيدين يتخطرون وسط الأنقاض والجثث، مشاهد كنا نعبرها هكذا متأكدين أنها بعيدة عنا ولن تحدث على الأقل في الزمن الذى نحياه، لكن إحساس خاص ورهيب غزانى هذه الأيام وأنا أرمق من مقر سكناي الاندثار الحركي وخواء الأزقة وتراجع ضجيج الأطفال في الخارج، وغيرها من المشاهد التي تعضد وتُزكى أُفول الحركة واقتصارها على الأساسي.
شيء يُماثل الأجواء التي يصفها “بول أُوستر” في رواياتهَ: بطء الزمن، تلاشى الحركة وغياب الوجوه….
هذا يحدث في مدينة لم تكن لتنام وتستكين على مدار اليوم والسنة.
أجمد شكر