إنجاز: نجوى لمرابط
على بعد 100 كيلومتر من مدينة تطوان تتراءى لك مع تلك المناطق الجبلية، والسهول جماعة أمتار التابعة إداريا لاقيم شفشاون، التي يعيش مواطنوها على وقع مرير مع الصحة و التعليم وغياب الماء الصالح للشرب والكهرباء والبنية التحتية وغياب الامن وسوء التسير ومطارح الازبال وغياب المرافق الصحية ومشاكل النقل التي لا حصر لها.
الصحة:
تعاني ساكنة مركز “أمتار” الواقع على الطريق الساحلية الرابطة بين تطوان و الجبهة، وضعا صحيا مزريا للغاية، إذ أن المركز الصحي الوحيد بالمنطقة يفتقد لأبسط وسائل الاستشفاء وكذا الخصاص على مستوى الأطر الطبية التي تحضر حينا وتغيب أحيانا كثيرة، وتدني مستوى الخدمات الصحية.
الشيء الذي يضطر بسببه مرضى المنطقة الميسورين إلى التنقل مسافات طويلة بحثا عن العلاج أما الفقراء فينتظرون الفرج من السماء ويئنون بمفردهم بعيدا عن من انتخبوهم ليدبروا أمورهم ويخففوا عنهم قسوة ومعاناة الظروف. ضاربين عرض الحائط بكل الوعود التي قدموها للساكنة من أجل تحسين عيشهم من خلال الاستفادة من الخدمات الصحية، والتعليم…
هذا وقد إرتأت ساكنة مركز أمتار توجيه نداء لكل من له غيرة على هذا الوطن، وفي قلبه جزء من الرحمة و الشفقة على أبناء المغرب أن يلتفت إلى معاناتهم و مشاكلهم العديدة وفي مقدمتها ضعف الخدمات الصحية.
سوء التسيير:
سنوات طويلة من الإهمال ، والأمر يزداد سوءا يوما بعد يوم. فبالإضافة إلى التخطيط العشوائي وغياب المرافق الصحية وانعدام الأمن، أصبحت المنطقة، التي توقعها البعض أن تكون وجهة سياحية؛ نموذجا سيئا عشوائيا لا ملمح له.
وفي ظل غياب مسؤولي الجماعة المحلية ، تتفاقم الوضعية المأساوية بصورة أشد قتامة، مما يجعل الوافدين على المنطقة يشتكون باستمرار وينفرون منها. والمؤسف حقا أنه مع إصلاح الطريق الوطنية الرابطة بين تطوان والحسيمة، يزداد تردي الوضع كما تغيب البنية التحتية غيابا تاما. وأصبح المظهر العام الذي يسم المنطقة هو كثرة الغبار وغياب طرق ومداخل واضحة المعالم تسهل عملية الانتقال إلى الشاطئ.
يقول البعض إن الجماعة هي المسؤولة عن كل هذا الوضع الكارثي، وتقول الجماعة إنها حريصة على النظام وتطبق القانون وتقوم بواجبها حسب طاقتها، لكن من المؤكد أن كل العشوائيات والبناء غير القانوني والمخالفات الواضحة لا ينبت بين ليلة وضحاها، بل هو حدث بالتتابع وتحت أعين المسؤولين. ولذلك لا توجد في أمتار طريق واضحة تؤدي إلى الشاطئ، والطريق الوحيدة ربما لا تسع لمرور دراجة، مما يجعل الوافدين يتخبطون ويغضبون، ومنهم من يقرر العزوف عن قضاء عطلته بها.
إضافة إلى هذا التخطيط العشوائي أصبح غياب الأمن الملمح الرئيسي للمنطقة؛ حيث كثرت حالات السرقة والاعتداءات بالأسلحة البيضاء، وهذا يشكل خطرا على الساكنة وعلى المنطقة. .
النقل:
معاناة المسافرين عبر الخط الرابط بين تطوان والجبهة تتواصل…
تتعرض الحافلة اليتيمة التي تربط بين تطوان والجبهة لعطل ميكانيكي بشكل يومي. لكن إلى متى ستبقى المخول لها نقل المسافرين في هذا الإتجاه مهترئة ولا تصلح البتة لأن تكون الوسيلة المناسبة للسفر ، لا من حيث الحالة الميكانيكية ، ولا من حيث الهيكل الذي لا يصلح حتى أن يكون كوخا للدجاج .
إستبشر الساكنة خيرا عندما تم تعبيد الطريق وتوسيعها ، والكل كان يأمل أن يكون نفس الشيء بالنسبة للحافلات وسيارات الأجرة ، لكن يبقى الحال على ما هو عليه ، وتبقى معاناة الساكنة تزداد سوءا مع تدهور وسائل النقل ، والغياب التام للمسؤولين على هذا القطاع ، وتماطل أرباب الحافلات وسيارات الأجرة في تجديد حافلات جديدة ، أو منح ترخيص لشركات جديدة تتوفر على حافلات تليق بالمنطقة ، وتوفر الراحة للمسافرين ، علما أن تعرفة السفر مبالغ فيها بالمقارنة مع عدد الكيلوميترات ، ووسيلة النقل المستعملة ..
التعليم:
يشتكي العديد من المواطنين بجماعة أمتار بإقليم شفشاون من التوقف الذي يطال القطاع التعليمي لفلذات أكبادهم .. هؤلاء التلاميذ أضحوا عرضة لغيابات متكررة لعدد من الأساتذة . وكما كشفت مصادر من عين المكان، أن هناك من التلاميذ من قضوا خمس سنوات في المدرسة، لكن دون أن يجيدوا الكتابة والقراءة بشكل يتناسب ومستواهم الدراسي، والسبب دائما هو الغياب المتكرر لعدد من للأساتذة.
للتذكير، فإن جماعة أمتار تظل الوحيدة التي لا تستفيد من برنامج “تيسير” !! هكذا يكون تكافؤ الفرص بين تلاميذ المغرب !!!.
من الواضح جدا أن هناك نقصا في كفاءة بعض الأطر الإقليمية المكلفة بتدبير وتتبع العملية.. ونتمنى أن تتحرك كل الجهات المسؤولة من سلطات ومجالس وجمعيات المجتمع المدني وجمعيات الآباء قصد استفادة أكبر عدد من التلاميذ أو كلهم من المحافظ إن لم يستفيدوا من الدعم المالي الذي يستفيد منه تلاميذ الجماعات المجاورة، خاصة وأن جماعة أمتار تعتبر من الجماعات الفقيرة على مستوى الإقليم والتي يعاني أبناؤها ظروفا اجتماعية ومادية صعبة.
الماء الصالح للشرب:
في كل يوم يجد سكان دواوير جماعة أمثار أنفسهم مضطرين إلى قطع مسافات طويلة قصد الحصول على شربة ماء يشفون بها غليل حناجرهم الناشفة لأوقات الحرارة المرتفعة . فأصبح الحصول على قنينتين من الماء هو الشغل الشاغل لهده الساكنة كل ما حل عليهم المساء . بحيث الحديث المتداول بين هؤلاء الضعفاء الدين لا حول لهم ولا قوة إلا بالخالق ، أمام صمت المسؤولين الدارين بأوضاعهم نتيجة الإستنجادات التي رفعوها لهم سكان هده الدواوير .
واكبر الدواوير معاناة هي بني بوحرايث التي يتواجد عدد البيوت بها ما يقارب 200 ، تجد نفسها مضطرة لقطع كيلومترات اما لدوار تغسوان او لي تسفت عبر سيارة ، اما سكان دوار افريون وامراحل فيجدون انفسهم يقطعون اكثر من اربع ساعات بالبهائم لدوار صدام .
ويحكي أحد الشباب المنتمي لدوار (تازة ) بكل حسرة برنامجه اليومي الدي يقضي فيه 4 ساعات كل يوم للحصول على 50 لترا من الماء يشرب منها ويتوضؤ بها ويستحم بها وينضف بها الملابس بمعية الأسرة بكاملها . ويردف الشاب س.د قائلا أنه لم يعد يتحمل كل هدا العناء يوميا موجها رسالة استغاثة واستنجاد للمسؤولين الذين اعتبر أن الحل بيدهم ، حيث يقتصر الأمر فقط على حفر بئر يفوق عمقه 20 مترا للوصول إلى الماء .
وهنا يطرح السؤال : كيف لبلد طالما سمعنا وقرأنا في إعلامه المرئي والسمعي والكتابي على أنه يتصدر قائمة الدول التي تتوفر على احتياطي كبير للماء نظرا لسياسة السدود الدي طبقها منذ زمن المغفور له الحسن الثاني .بل أكثر من هدا هو ما نسمعه في قنواتنا على أن العديد من البلدان تطلب خبرة المغرب في هدا المجال . وشعبه يموت عطشا في منطقة تعتبر الأكثر من ناحية صبيب الأمطار كل فصل شتاء ؟..
المتعيشون على “الكيف”:
جل القبائل الجبلية التابعة لهذا الإقليم تعيش على زراعة “الكيف” ولا شيء غير “الكيف”. هذه الزراعة التي تعد الدخل الوحيد لفئات عريضة من السكان في ظل غياب أي مورد أخر.
لكن ما بين عملية الحرث والحصاد يعاني الفلاحون كثيرا طيلة السنة لما تتطلبه هذه الزراعة من العناية الدائمة والحذر الشديد.
من أبرز معاناة هؤلاء أنهم دائما يتعرضون للمطاردة من طرف “المخزن”.وإذ يسلمون في الغالب من إلقاء القبض عليهم، فإن حقولهم لا تسلم من القطع والحرق من طرف السلطات التي لا تعير أي اهتمام لما قد يتعرضون له من فاقة وفقر في حالة ضياع مورد عيشهم الوحيد : “الكيف”.
وفي حالة إذا سلمت جرتهم من حجرة السلطات فإن معاناة أخرى أكثر خطورة تبدأ مع بيع المحصول، إذ تحول بعض المشترين في الآونة الأخيرة إلى لصوص يستعملون أسلوب الحيلة مرة وأسلوب العنف مرة أخرى. ففي الأولى يعمدون إلى خداع الفلاحين بطرق عديدة للحصول على محصولهم كإعطائهم حقائب نقود مملوءة بأوراق لا قيمة لها كمثال واحد من عدة أمثلة. وفي الثانية يستعملون العنف كأن يطلبوا من الفلاحين احضار المحصول في مكان بعيد عن الأنظار ثم يهددون حياتهم ويأخذون محصول السنة ويذهب كل شيء هباء بالنسبة للفلاحين.
وكل هذه المعاناة والحذر الشديد فقط من أجل بيع المحصول والعيش بثمنه طيلة السنة في هذه القبائل الجبلية المنسية، والتي لا يتذكرها المسؤولون في شفشاون إلا في فترة الانتخابات.
“المتعيشون من الحوت” و “الصيف”:
لا توجد في اقليم شفشاون المناطق الجبلية فقط ، فهناك المناطق الساحلية التي تمتد عبر شريط ساحلي ينطلق من “قاع اسراس” التي تحد هذا الاقليم باقليم تطوان غربا مرورا بالعديد من القرى الساحلية وصولا إلى”الجبهة” شرقا.
في هذه المناطق الساحلية لا تبدو الحالة احسن بكثير من المناطق الجبلية ، فأغلب الشباب عاطلون عن العمل، وليس هناك مورد رزق عدا البحر الذي يبحرون فيه بمراكبهم الصغيرة للحصول على لقمة عيش لا تسمن ولا تغني من جوع .
الحقول في هذه المناطق لا تزرع الكيف، فقد صار الأمر محضورا منذ سنين ، وبالتالي لا يبقى في هذه الحالة إلا البحر أمام هذه الشريحة المهمة من ساكنة الإقليم في ظل غياب مشاريع كبيرة بهذه المناطق.
يعتمدون على البحر في فصل الشتاء لصيد “الحوت”، ويستفيدون منه في فصل الصيف عندما يأتي السياح والزائرون للاستجمام في شواطئ هذه المناطق ، فيحدث بعض الرواج الذي يستعينون بموارده لقضاء باقي الفصول.
ورغم جمالية هذه المناطق الساحلية التابعة لإقليم شفشاون، إلا أن المشاريع السياحية التي يمكن أن تكون إحدى الحلول لمعالجة مشكل البطالة في هذه المناطق، تبدو غائبة، بل حتى التعريف بجمالية هذه المناطق الساحلية من طرف المسؤولين – وهذا أضعف الايمان – بدوره غائب تماما.
لعبة الانتخابات:
في فترة الانتخابات وحدها يرى سكان هذا الإقليم وجوه المسؤولين الذين يمثلونهم. ولمعرفتهم المسبقة أنهم لن يقدموا لهم شيئا، فإن الانتخابات تحولت لديهم إلى مجرد لعبة يتسلون بها للقضاء على الملل الذي يعيشونه، فهم يعرفون أن بعد الانتخابات سينسون تماما، هم ومناطقهم.
وإلى أن يتحرك المسؤولون في هذا الإقليم لإخراجه من عزلته. فإن الأذهان لا توجد بها حتى الآن إلا مدينة شفشاون ، تلك المدينة الجبلية الجميلة بدورها البيض وزرقة دروبها وهوائها العليل وخضرتها التي تسر الناظرين.
…………………………………….
على المجلس الجماعي .. الحالي أو الآتي .. أن يتحرك بسرعة لإنقاذ منطقة تعاني التهميش أصلا؛ لا يطالبه السكان بما يفوق طاقته ، لكن بأبسط الأشياء .. أن يعمل على تشييد طريق واضحة تسهل دخول المواطن إلى الشاطئ، وأن يعمل على طرح القضايا الحقيقية التي يعانيها السكان، وأن يراقب البناء العشوائي ولا يسمح بالقضاء على المنطقة الخضراء التي كانت تميز أمتار.. فها هي هذه الوجهة التي يفترض أن تكون منطقة جذب للسياح تتآكل يوما بعد يوم في ظل غياب استراتيجية حقيقية تنظم المركز.
وعلى المواطن أيضا أن يسهم في تنمية منطقته بالدفاع عنها وحماية جماليتها، وإبراز مشكلاتها، والتواصل مع المسؤولين للدفاع عن فضاء يحتويه، ويشكل جزءا من تاريخه. كل هذا دفاعا عن وطن يتجه لبناء نهضة حضارية ووطنية حقيقية.