22, أكتوبر 2024

عبدالنبي مصلوحي
أن يغير الناس العاديون في فرنسا أو أوربا عقب العملية الإرهابية التي تعرضت لها شارلي إيبدو من مواقفهم حيال الإسلام تأثرا بقراءات اسلاموفوبية و سياسية يمينية عنصرية ، أو تكتشف فرنسا قصورا في أنظمتها الخاصة بمراقبة الحركات السلفية الجهادية عبر العالم، وتقرر تغيير استراتيجيتها، أمران عاديان جدا عقب هذه العملية الخطيرة، ولكن أن يغير فيلسوف شهير من عيار “ميشيل أونفري”، وبعد عمر طويل من الاعتدال الفكري وعدم الانسياق وراء ظاهرة العداء للإسلام من موقفه كشخص يحتفظ بمواقف إنسانية جعلت منه أكثر الفلاسفة قربا من الفئات الشعبية في فرنسا، إلى شخص يرى في الإسلام ما يدعو إلى معاداته، قائلا على الهواء في برنامج بقناة فرانس 2 بعد الاعتداء على الصحيفة الفرنسية بأيام أنه يوجد في القرآن ما يبرر الإرهاب، وأنه يوجد في فرنسا مسألة إسمها المشكل الإسلامي، معتبرا الإسلام عنيف ودموي، وأنه يشكل خطرا على الدولة الفرنسية.
فهذا منتهى الارتداد والانقلاب على الذات، تصريح أثار دهشة محاوره في البرنامج، وظهر له أنه ليس الفيلسوف الفرنسي الذي يعرفه شخصيا ويعرفه عموم المثقفين هناك، لقد بدا للرجل وللمتتبعين للبرنامج، وأنا واحد منهم، أنه ليس “ميشيل أونفري” الذي يدعو إلى الأخوة الإنسانية ومعاداة الرأسمالية والقضاء على الطبقات والأعراق من أجل مجتمع إنساني قائم على مبادئ المساواة والعدالة والسلم…إن العملية الإرهابية تجعل الرجل يتخلى عن مبادئه، ليقترب من أطروحات اليمين وأفكاره الغارقة في التطرف…صحيح هو ملحد، وله كتاب في ذلك بعنوان” ميثاق الإلحاد”، ويعد إسرائيل الجانب المشرق من ضفة المتوسط، إلا أن هذا لم يُغَيِّب مواقفه الإنسانية والسلمية، مثلما بدا عليه الأمر عقب الأحداث الإرهابية الأخيرة، حيث التحق بجماعة اليمين المتطرف بخصوص الموقف الذي يجب اتخاذه من الإسلام في فرنسا، وقد نشر قبل ظهوره على شاشة فرانس 2 فعلا مقالا في الموضوع ثلاثة أيام بعد الاعتداء على شارلي إيبدو بصحيفة “لوبوان”، ضمَّنه أفكارا تفضح انعطافا خطيرا لدى “أونفري” الفيلسوف، رمى به بين أحضان إيديولوجية اليمين في قراءة الإسلام، التي لا تتيح غير القراءات الحاقدة والمضللة.
وهكذا، يبدو أن عمليات القتل الإرهابية التي حصدت أرواح سبعة عشر شخص في فرنسا مع بداية السنة الجديدة، خدمت كثيرا الفكر الاسلاموفوبي واليمين العنصري الفرنسي الحاقد على الإسلام، ومحبي الخلط بين الدين والسياسة من أجل نشر فتنة جديدة في فرنسا، حطبها الإسلام والمسلمون عبر استباحة اعتداءات انتقامية كرد فعل على العملية التي هي إرهابية وليست إسلامية، فالإسلام لم يكن يوما دينا عدائيا كما فهم أو أُفهِم الفيلسوف “مشيل أونفري”، وإنما هو متسامح، وضد العنف والإرهاب.
فماذا حصل لأونفري الفيلسوف الأناركي التحرري، المنتمي إلى اليسار …اليسار الحقيقي، المعني بحياة البشر الواقعيين..ماذا حصل لأونفري الذي ظل حاملا لشعار نيتشه:” أبغض الأشياء عندي هو أن أُقاد وأن أقود أيضا”.. فماذا حصل حتى قاده أو أراد الانخراط في قيادة مشتركة مع الفكر الاسلاموفوبي واليمين الحاقد لمحاربة الإسلام في فرنسا؟

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version