عبدالنبي مصلوحي
بعد ترقب لم يطل كثيرا، جاء القرار الملكي قبل أيام بإعفاء وزير الشباب والرياضة من مهامه مثلما كان متوقعا، لأن ما خلفته فضيحة ملعب مركب الأمير مولاي عبدالله لم يكن بالأمر الهين الذي يمكن غض الطرف عنه، حيث تحولت البلاد الى مادة ساخرة في كل بلاد العالم التي كانت تنقل المباراة، وجاء في بلاغ الإعفاء أن هناك فعلا مسؤولية سياسية وإدارية يتحملها الوزير المقال، وذلك تبعا لتحقيقين أجريا في الموضوع، وقد تم ذلك وفق مقتضيات الدستور تماما. غير أن هناك مسؤولية أخرى ما تزال غائبة حتى يكون هناك إتمام لتفعيل أسلم لمقتضيات الدستور الجديد، ويتعلق الأمر بالمسؤولية الجنائية، حيث الشق الثاني من المقتضى الدستوري الذي يستوجب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهذه مسؤولية تتحملها الحكومة التي على وزيرها في العدل والحريات أن يحرك الملف في اتجاه القضاء ليقوم بواجبه في تكييف الدعوى وتحديد المسؤولية أو المسؤوليات الجنائية، على اعتبار أن هذا الملف كبير ولابد من وجود أطراف عديدة تتقاسم المسؤولية حول الاختلالات التي عرفتها أشغال صيانة المركب الرياضي.
إنه امتحان آخر لاختبار الإرادة الحكومية في ما ترفعه من شعارات منذ مجيئها، شعارات تتعلق أساسا بربط المسؤولية بالمحاسبة، فالمسؤولية في هذا الملف لا تقف عند السياسي والإداري، فالملف يتضمن ملايير كثيرة ما أحوج الشعب المغربي اليها في عز أزمته الاجتماعية والاقتصادية، لابد من إعطاء القضاء الضوء الأخضر لتتبع خيوطها ومساراتها لتحديد المسؤولية الجنائية، و يعرف المغاربة ما إذا كانت هناك اختلاسات، أو أموالا وعمولات تم تداولها تحت الطاولات…، أم أن الأمر غير صحيح، وهذا جانب يخدم كثيرا مبدأ الشفافية التي يجب أن تكون الحكومة أول من يحرص على إظهارها، خاصة في مثل هذه الملفات التي تتناسل حولها الإشاعات ويختلط فيها الحابل بالنابل.
وإذا تحلت الحكومة بالشجاعة والإرادة السياسية، ووُجه هذا الملف نحو القضاء، وتُرك هذا الأخير لحاله دونما تدخلات أو توجيهات، فسيكون المغرب قد ربح شيئا من هذه الفضيحة، سنربح خطوات مهمة في مجال الديمقراطية ومصداقية الخطاب الرسمي، يمكن أن تضاف الى سجل حسنات هذه الحكومة، وهي تنزيلها لأحد أهم بنود الدستور، ربط المسؤولية بالمحاسبة التي لا يمكن الاستمرار في أي حديث عن الإصلاح إذا ظل تحريك آليات تفعيلها معطلا ، في بلاد تؤكد الوقائع والتجارب أن اللولبيات والمتمصلحين لا يجدون أي حرج بسبب الخصومة أو تفكك العلاقة بين المسؤولية والمحاسبة في تحويلها الى مجرد ضيعة كبرى يتم التصرف فيها دون حتى وازع أخلاقي يراعي مصالح البلاد والعباد، لهذا سيكون هذا الملف مناسبة أو فرصة للتصالح بين المسؤولية والمحاسبة وإنهاء حالة التنافر بينها، عملا بأحد أهم مقتضيات الدستور الجديد، أما إذا طوي الملف وسكت على ما بين طياته، فإنها ستكون هناك جريمة أخرى، جريمة في حق الدستور الذي صوت عليه الشعب ليرى أثره في الواقع، وفي حق الديمقراطية والدولة الحداثية التي يُتحدث عنها صباح مساء.