– عمر الحسني
سيظل خطاب صاحب الجلالة بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين للمسيرة الخضراء المظفرة ، الخطاب الجامع للكلمة الفصل في مختلف جوانب النزاع حول الصحراء المغربية ، في أبعاده الوطنية والإقليمية والدولية .
فقد اعتبر جلالة الملك ، أن الأوراش التي يقدم عليها المغرب خلال السنة المقبلة والمتعلقة بتفعيل الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية ، ستكون حاسمة لمستقبل المنطقة . ويأتي هذا المنظور الملكي منسجما ، ومؤكدا لما عبر عنه جلالته في أكثر من مناسبة ، بأن المغرب لن يرهن مستقبله ومستقبل أقاليمه الجنوبية بمتابعة مناورة خصومه وخصوم وحدته الترابية ، وأنه سيواصل مسيرته الوحدوية التنموية والديمقراطية بثبات ، ويفعل قراراته بشأن الجهوية المتقدمة وإنجاز النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية ، دون تأخير .
وفي ذات الوقت ، يظل المغرب ملتزما أمام المنتظم الدولي بمقترح الحكم الذاتي بصفته ” أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب ، في إطار التفاوض ، من أجل إيجاد حل نهائي لهذا النزاع الإقليمي ” ، على أن تبرهن الأطراف الأخرى والمنتظم الدولي عن إرادتها الجدية والفعلية في السعي إلى التوصل إلى حل سياسي نهائي يضمن الحقوق الوطنية التاريخية للمغرب في وحدته الترابية ، ويحفظ وجه ماء الأطراف الأخرى . بما يضمن الأمن والاستقرار بمنطقة شمال إفريقيا ، ويعيد العلاقات الجزائرية المغربية إلى مجراها الطبيعي ، ويطلق سراح قطار بناء الاتحاد المغاربي .
لكن ، وفي كل الأحوال ، لامجال لتوقيف مسيرة المغرب الوحدوية التنموية والديمقراطية . وفي هذا السياق ، كان الخطاب الملكي جامعا في توضيح وتدقيق مواقف المغرب من مختلف جوانب ملف النزاع حول أقاليمه الصحراوية الجنوبية ، مع ما طبعه من كشف لحقائق هذه الجوانب ، وحزم في المواقف تجاهها .
فقد ذكر جلالته بالتضحيات الجسيمة التي قدمها المغاربة طيلة أربعين سنة ، أرواحا وأموالا ، لأجل تنمية الأقاليم الجنوبية المسترجعة من يد الاستعمار الإسباني ، باعتبار قضية الأقاليم الصحراوية الجنوبية ليست قضية الصحراويين وحدهم ، بل قضية كل المغاربة . مفندا ، بالحجة الدامغة الادعاءات المغرضة لخصوم الوحدة الترابية استغلال المغرب لـ “ثروات ” الأقاليم الجنوبية . هذه الأقاليم التي تتلقى من استثمارات الدولة سبع مرات حجم مداخيلها .
وأكد جلالته ، أن ما شاب التدبير المحلي بالأقاليم الجنوبية من بعض الاختلالات ، لا يمكن أن يغطي ، أن هناك من جعل من استمرار النزاع حول الصحراء المغربية مرتكزا لممارسة مختلف أشكال الابتزاز من أجل الحصول على امتيازات ريعية ، على حساب باقي الفئات الواسعة من الصحراويين ، وجعل من الوطنية سلعة للمقايضة المادية ، واضعا بحكم ذلك قدما بالمغرب وأخرى لدى خصوم المغرب وخصوم وحدته الترابية .
وإذا كان الخطاب الملكي قد أكد أن قرار تفعيل الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية ، يروم وضع قطيعة مع نمط التدبير المحلي السابق ، لإنصاف كل أبناء الصحراء ، وإنصاف الأغلبية الصامتة المؤمنة بوحدة الوطن . فإنه يؤكد ، من جهة أخرى ، أنه لم يعد مقبولا البتة ، استغلال فضاء الحقوق والحريات الذي أرساه المغاربة – عن قناعة واختيار وطنيين سياديين – للتآمر على المغرب ، وعلى مصالحه الوطنية العليا وثوابته ومقدساته. ” فجميع القوانين الوطنية والدولية ، تعتبر التآمر مع العدو خيانة عظمى ” . فكيف يمكن التساهل مع الخيانة العظمى ؟
الوضوح والدقة والحزم ، الذي طبع الخطاب الملكي في تناول النزاع حول أقاليمه الجنوبية ، في أبعاده الوطنية ، هو نفس الوضوح والدقة والحزم في تناول النزاع في جوانبه الإقليمية والدولية ، ليكتمل المنظور الملكي الجامع لمختلف جوانب ملف النزاع حول الصحراء المغربية .
يؤكد جلالة الملك ” أن سيادة المغرب على كامل أراضيه ثابتة ، وغير قابلة للتصرف أو المساومة ” . وعليه ، فإن أي محاولة – من أي جهة كانت – لغرض مراجعة معايير التفاوض التي أقرتها القرارات الأخيرة لمجلس الأمن ، هي محاولات مرفوضة بشكل قاطع وحازم . وبشكل قاطع وحازم ، مرفوضة أي محاولة لمراجعة مهام المينورسو قصد تغيير أو توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية المغربية . والخطاب الملكي يجدد بذلك التأكيد على هذا الرفض الذي عبرت عنه مختلف مكونات الأمة بشكل حازم ، وفي مختلف المناسبات .
والمثير للإنتباه ، أن خصوم المغرب وخصوم الوحدة الترابية ومن والاهم في أوساط خارجية أخرى ، رغم الرفض المغربي المتواتر والقاطع ، ومن طرف كل مكونات الأمة ،لأي تغيير في معايير التفاوض ، ولأي مراجعة لمهام المينورسو ، فإن الخصوم ونفس الأوساط الخارجية ما زالت مصرة على طرحها ، ولا تفوت أي فرصة لذلك .
ومن هنا كانت مطالبة جلالة الملك ، الأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية ، بالإفصاح عن موقف واضح ومنسجم تجاه النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية .
فالمغرب لا يتفهم أن تؤكد هذه الجهات كل مرة ” أن المغرب نموذج للتطور الديمقراطي ، وبلد فاعل في ضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة ، وشريك في محاربة الإرهاب ، فإنهم في المقابل ، يتعاملون بنوع من الغموض ، مع قضية وحدته الترابية ” !! غموض لا يعني سوى الرياء ..
فكيف تسهر ، أو تقبل ، هذه الجهات ، كل مرة ، إصدار توصيات غامضة تحاول التوفيق بين مطالب جميع أطراف النزاع حول الصحراء المغربية ؟؟ !! بين مطالب المغرب الشرعية والمشروعة بجميع المعايير والمفاهيم .. وبين مطالب خصوم وحدتنا الترابية المتجنية على السيادة الوطنية للمغرب ووحدته الترابية ، بل والمتجنية على الأمن والاستقرار والسلم بمجموع المنطقة ؟؟ !!
الرسالة الملكية للمنتظم الأممي والقوى الدولية الكبرى ، في تعاملها مع أطراف النزاع حول الصحراء المغربية كانت واضحة ومباشرة : ما لم لم تعترف هذه الجهات علنا بأن الطرف الجزائري يتحمل المسؤولية الكاملة في افتعال النزاع حول الصحراء المغربية ، والعمل على استدامته .. فلن يكون هناك أي حل سياسي ، مع ما يمكن أن يكون لذالك من تداعيات خطيرة على مجموع المنطقة ..
وما لم تعتبر هذه الجهات ، إصرار الطرف الجزائري على استدامة النزاع ، عاملا أساس في استمرا التوتر بالمنطقة ، وفي تخصيب تربة شيوع وتوسع نشاط المنظمات الإرهابية – التي أصبحت أرض الجزائر مرتعا لهل – المهددة لأمن واستقرار مجموع شمال أفريقيا ومنطقة الساحل .. فلا أمن ولا استقرار بالمنطقة في الأفق ..
ملك المغرب ، ووراءه الشعب المغربي بكل مكوناته ، قال كلمته الفصل ، بصراحة ووضوح ومسؤولية ، بشأن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ، وبشأن أمن واستقرار المنطقة ومستقبلها .. فليتعظ كل من تهمه رسائل الخطاب الملكي . وليتحمل كل من يفترض أنه يتحمل مسؤولية إقرار وصيانة الأمن والسلم العالميين ، مسؤولياته .
أما المغرب ، فهو يواصل مسيرته الوحدوية التنموية والديمقراطية بثبات وبخطى حثيثة ، ملؤها التفاؤل . وزاده الذي لا ينضب ، تماسك الأمة المغربية والوطنية الراسخة لأبنائها . الوطنية الضاربة في أعماق التاريخ ، والفاعلة بثقة من أجل مستقبل مشرق أكيد ، رغم كيد الكائدين .