عندما يتحول “رجل الأعمال” إلى “رجل السياسة”: أزمة السلطة والثروة في المغرب

عبد العزيز الخطابي
يبدو أن المغرب قد دخل في مسرحية كوميدية جديدة أبطالها الشخصيات السياسية المعروفة، وخصوصاً عزيز أخنوش الذي اجتاز برامجه من عالم المال إلى فضاء السياسة. فإذا كان هناك شيء يمكن أن يثير الضحك، فقد يكون ذلك عندما يصبح رئيس الحكومة واحداً من أغنى أغنياء الوطن. لكن مع هذه الكوميديا تأتي مأساة حقيقية تعكس واقع الشعب الذي غارق في مشاكله الاقتصادية.
أخبار تصنيف مجلة “فوربس” التي وضعت أخنوش في المرتبة الثانية بين أغنى رجال المغرب، وثروته التي تصل إلى 1.6 مليار دولار، تُشبه الفيلم المثير: وهناك المواطن البسيط، الذي يتعرض لضغوطات الفقر والغلاء، يتساءل بينما يشرب فنجان قهوته: “أين ذهب المال؟”. فكم هو مضحك أن نرى زعيم الحكومة يزداد غنى في حين يئن معظم الشعب تحت وطأة الأسعار المتصاعدة وتآكل القدرة الشرائية.
دعونا لا ننسى خلط الماء بالزيت، أي “زواج المال بالسلطة”. كيف يُعقل أن يجلس الرجل الذي يقود أكبر إمبراطورية اقتصادية على طاولة القرار، في حين يمسك بمفاتيح السوق بينما المواطنون يصرخون “أين حقوقنا؟”. هل تتسم هذه العلاقات بالتضارب؟ بالطبع، ولكن في عالم حيث يُعتبر التضارب جزءاً من اللعبة، يبدو أن القوانين الإنسانية مبهتة.
مجموعة “أكوا”، التي يملكها أخنوش، تسطر مشاهدها في سوق المحروقات، حيث تسيطر على حوالي 40%، بينما تهيمن على 62% من سوق الغاز المسال. لنفكر في هذا للحظة: رئيس الحكومة يتحكم في أسعار المواد الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون. كيف يمكن لمثل هذه الوضعية أن تكون عادلة؟ هل يمكن أن نفهم بأي طريقة كيف يتخذ هذا الرجل قرارات تمس قوتنا اليومي وهو في نفس الوقت صاحب المصالح؟ أسئلة بسيطة ولكنها مؤلمة.
وما يُثير السخرية أكثر هو أن أخنوش لم يكن يوماً رمزاً للنضال السياسي أو مقاتلاً من أجل حقوق الشعب. بل ظهر في ساحة السياسة كمن يلقى عليه الدور فجأة في فيلم بدون نص. لقد دخل السياسة بصفته مديرا لتجاراته، لكن الأمور أسوأ مما تبدو. فإن حجة أن التجربة في عالم المال تُساوي الكفاءة السياسية هي حجّة بالية، فالحياة اليومية ليست مجرد أرقام في الميزانيات، بل هي قصص إنسانية، معاناة، وتضحيات.
السخرية هنا ليست فقط من شخصية أخنوش، بل من بنية النظام السياسي القائم نفسه. هل نحن أمام حكومة صوتها يُسمع من قاعات المكاتب المظلمة التي يُعقد فيها مزاد للنفوذ الاقتصادي، أم أنها حكومة تُعبر عن هموم الشعب ومعاناته؟ عندما يتمتص الشعب نفسه، في الوقت الذي يسعى فيه رئيس الوزراء لتوسيع إمبراطوريته، فإن هناك مشكلة حقيقية تحتاج إلى اعتراف ثم معالجة.
في النهاية، علينا أن نتذكر أن الضحك لن يحل معاناتنا، ولكن من المضحك حقاً أن نرى كيف يجلس رجل الأعمال أمام الكاميرات متكلماً عن مكافحة الغلاء، بينما يقضي الشعب ليله يفكر في كيفية تدبير أبسط الأمور. المزاح هنا بات محطماً للقلوب، ربما حان الوقت ليخرج عزيز أخنوش من دور “البطل الغني” إلى دور “وعد بالمستقبل”، لكن، مع كل هذه الأصداء، يبدو أنه لن يحدث أي شيء غير أن نضيع في دوامة الأرقام والمصالح الشخصية.