12, نوفمبر 2025

 

العدالة بعد الموت : كيف يخاطب “شبح شفاف” لأسامة رقيعة العالم ..

صموئيل هاريس  – مؤسسة كندا نيوزلاين

في مشهد أدبي يطغى عليه الواقعي والتقليدي، تأتي رواية “شبح شفاف” لأسامة رقيعة كقفزة جريئة خارج المألوف، وحوارٍ عميقٍ بين الحياة والموت والعدالة الإلهية.

من المقرر أن تُكشف الرواية في معرض الشارقة الدولي للكتاب في 15 نوفمبر الجاري، وقد أصبحت بالفعل من الأكثر مبيعا لما تحمله من مزيجٍ نادر بين الغموض والإيمان والتأمل الأخلاقي.

 

بالنسبة لرقيعة، فإن “شبح شفاف” ليست مجرد قصة، بل تأملٌ روحيّ. يصف الكاتب عملية كتابتها بأنها رحلة يقظة، وسفرٌ في الضمير بقدر ما هو في الخيال. كل فصل يدعو القارئ إلى النظر إلى الداخل، ومساءلة مفاهيمه عن الصواب والخطأ، وعن الروابط الخفية بين العدالة والمصير.

 

السؤال الذي يؤرّق الإنسانية :

 

في قلب الرواية يكمن سؤالٌ يتجاوز الجغرافيا والزمن:

ماذا لو لم تنتهِ العدالة بانتهاء الحياة؟

 

يبدأ أسامة رقيعة قصته في عالمٍ معاصر مألوفٍ تملؤه الطموحات والتنافس والحقائق المستترة، لكنه سرعان ما ينفتح على بُعدٍ ميتافيزيقي حيث يشترك الأحياء والأموات في كونٍ أخلاقي واحد. هناك، تراقب الأرواح حياتها الأرضية، وتواجه تبعات قراراتٍ كانت تبرّرها ذات يوم القوة أو الرغبة.

 

مستندًا إلى مفهوم البرزخ في العقيدة الإسلامية، يحوّل رقيعة الموت إلى مرآةٍ للمساءلة الإلهية. تصبح الحياة الآخرة محكمةَ الضمير، حيث لا تُجادَل الحقيقة، بل تُكشف. والأموات، البعيدون عن الصمت، يواصلون التفكير والإحساس والتذكّر، كاشفين للقارئ عن الثقل الأخلاقي لكل فعلٍ بشري.

 

زمن يتحرك في دوائر ..

 

من أبرز سمات الرواية بنيتها السردية غير الخطّية. يصفها رقيعة بأنها لولبٌ زمني تتعايش فيه الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر وما بعد الحياة. تتداخل اللحظات وتتكرّر، محاكيةً إيقاع الذاكرة والندم.

 

تُروى القصة بأصواتٍ متعددة — للأحياء، وللراحلين الأموات، ولرواةٍ غير مرئيين — كلٌّ منهم يكشف جزءًا من حقيقةٍ كبرى. يصبح القارئ محقّقًا أخلاقيًا يجمع المعنى عبر التأمل لا التسلسل، كما لو أن الحقيقة في الحياة لا تُروى دفعةً واحدة، بل تنكشف ببطءٍ وألمٍ وربما بعد فوات الأوان.

 

بهذا الشكل المبتكر، يحوّل رقيعة القراءة نفسها إلى تجربةٍ أخلاقية. فالقارئ لا يقرأ فحسب، بل يقف شاهدًا في محكمةٍ داخلية حيث العدالة والرحمة تتصادمان بلا توقف.

 

بين الإيمان والذاكرة والضمير

 

أسلوب رقيعة يجمع بين الصفاء والشعرية. صوره الرمزية — البحر كقدر، الشجرة الخضراء كفداء، البئر الخفية كذنب — تضيف عمقًا بصريًا لأفكاره. ورغم نبرتها الروحية، تبقى الرواية متجذّرة في قضايا واقعية: الفساد، الطموح، الخيانة، وضياع النزاهة في عالمٍ مادي.

 

من خلال وصل العوالم الشركاتية بالميتافيزيقية، يبني رقيعة جسرًا بين العدالة الإنسانية والإلهية. ومن موقعه كفقيه قانوني وكاتبٍ أدبي، ينجح في مزج العقل بالعاطفة، مبرهنًا أن القانون والأخلاق، والمنطق والإيمان، ليسوا نقيضين بل انعكاسين لبعضهما.

أصداء التراث والإنسانية

متجذرٌ بعمق في ثقافة الخليج وفلسفة التصوّف، يستمدّ “شبح شفاف” عناصره من الأساطير والرموز الإقليمية، بينما يخاطب المشاعر الإنسانية المشتركة. يصبح البحر، الذي يتكرر في أعمال رقيعة، رمزًا للأبدية، حيث يخلّف كل فعلٍ بشري موجةً تستمر حتى بعد زوال الجسد.

وبذلك، يُعيد رقيعة إحياء الهوية لا بوصفها حنينًا إلى الماضي، بل فلسفةً حية. كتاباته تؤكد أن التراث والحداثة، والإيمان والعقل، يمكن أن يتعايشوا، وأن السرد القصصي يظل جسرًا مقدسًا بينهما.

 

“شبح الشفاف” أكثر من رواية؛ إنه تجربة أدبية متكاملة تمزج الغموض بالروحانية والفلسفة في رؤية واحدة. يرى النقاد أنها مهمة، لأنها تعيد تعريف معنى العدالة — لا في قاعات المحاكم، بل في أعماق الروح.

 

ومع تصاعد الترقب قبل ظهور شبح شفاف في معرض الشارقة على ركن التواقيع ، يبقى أسامة رقيعة ثابتًا في غايته أكثر من سعيه للشهرة. يقول:

” أريد أن تُقرأ كلماتي بعد رحيلي، كأنني ما زلت أتنفس بينها. ”

بهذه العبارة يختصر روح “شبح شفاف”: قصة تتجاوز الموت لتذكّر القرّاء بأن الكلمات، مثل الأرواح، لا تموت أبدًا.

من خلال هذا العمل، يعيد أسامة رقيعة إحياء الإيمان بأن الأدب ليس مجرد فن، بل حقيقةٌ ناطقة حين يصمت العالم.

اترك تعليقاً

Exit mobile version