كاتب جزائري: الحكم الذاتي هو السبيل الأمثل نحو تسوية الصراع
نشر الكاتب الجزائري “لزرق مفلاح” مقالا على صفحته ب”فيس بوك” مقالا، اعتبر فيه الحكم الذاتي للصحراء الذي اقترحه المغرب ودعمته المجموعة الدولية مؤخرا بمجلس الأمن جاء فيه:
يُثير قرار مجلس الأمن الدولي، الذي أُقرّ بالأغلبية الساحقة، تساؤلات عميقة حول طبيعة الحلول المقترحة للنزاع المعقّد في الصحراء الغربية. في عنوانه البارز، يُعلن هذا القرار أن الحكم الذاتي يمثّل السبيل الأمثل نحو تسوية الصراع، وهو تعبير دبلوماسي مُحبّب، يُخفي في طيّاته رفضًا صريحًا لفكرة الاستقلال الكامل وإقامة كيان سياسي مستقل في هذا الإقليم الغنيّ بالتحدّيات والإمكانيات. إنّه باختصار، ردٌّ مُعبّر عن قلق استراتيجيّ أعمق يتجاوز الحدود الجيوسياسيّة ليلامس أوتار الاستقرار الإقليميّ والعالميّ.
في جوهره، يعكس هذا التوجّه رؤية دوليّة تتردّد فيها هموم الدول الكبرى، خاصّة الأوروبيّة، التي ترى في ظهور دولة جديدة غير مدعومة بمقوّمات أمنيّة وإداريّة قويّة، تهديدًا محتملاً للتوازن الشبحيّ الذي تسعى إلى الحفاظ عليه. تخيّل دولةً تفتقر إلى القدرات اللازمة للسيطرة على حدودها الشاسعة، أو لمواجهة التحدّيات الداخليّة والخارجيّة بفعاليّة؛ إنّها ليست مجرّد كيان جغرافيّ، بل بوّابة مفتوحة على مصراعيها أمام تدفّقات الهجرة غير الشرعيّة من أراضي الساحل الأفريقيّ، حيث يتدفّق آلاف المهاجرين نحو شواطئ أوروبا بحثًا عن حياة أفضل، محمّلين بأعباء الفقر واليأس. هذا الهاجس ليس افتراضيًّا؛ إنّه واقع يُعيشه الاتّحاد الأوروبيّ يوميًا، حيث تتحوّل الطرق الصحراويّة إلى ممرات للتهرّب البشريّ، مُفاقمةً من أزمات الإنسانيّة والأمن.
ولكن القلق لا يقتصر على الهجرة؛ إنّه يمتدّ إلى شبكات الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، حيث قد تُصبح هذه الدولة الوليدة ممرًّا آمنًا للجماعات المسلّحة المتطرّفة، ولشبكات تهريب المخدّرات التي تُغذّي الاقتصادات السوداء في القارّة. انظُر إلى موريتانيا، تلك الدولة الشقيقة التي اعترفت بصراحةٍ مؤلمة بأنّها تفتقر إلى القدرة على أداء واجباتها الأمنيّة، رغم الدعم الدوليّ الوفير في مجالي التدريب والإمداد اللوجستيّ. هذا الاعتراف ليس ضعفًا فرديًّا، بل إشارة إلى هشاشة المنظومة الأمنيّة في المنطقة بأكملها، حيث تُصبح الدول المجاورة، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، مراعٍ خصبةً لنموّ الجماعات الإرهابيّة، تُغذّيها الفوضى وتُعزّزها الفراغات السياسيّة. في هذه الدول، حيث تُسيطر الجماعات المسلّحة على مساحات واسعة، يتحوّل الاستقرار إلى وهمٍ بعيد، ويُصبح التهديد الإقليميّ واقعًا يهدّد الجميع، من الشعوب المحلّيّة إلى المصالح الدوليّة.
لذا، فإنّ اللجوء إلى حلّ الحكم الذاتيّ ليس مجرّد خيار دبلوماسيّ براغماتيّ، بل هو استجابة مدروسة لهذه التخوّفات المتشابكة، التي تُشكّل نسيجًا من القلق الجيوسياسيّ والإنسانيّ. إنّه محاولة للحفاظ على توازن دقيق، يُدمج فيه الإقليم ضمن إطار أوسع يضمن السيطرة والاستقرار، بدلاً من المخاطرة بفوضى قد تُعيد رسم خرائط التهديدات في القارّة السمراء. في النهاية، يُذكّرنا هذا القرار بأنّ السلام الحقيقيّ ليس مجرّد استقلال شكليّ، بل بناءٌ مستدامٌ يُراعي تعقيدات الواقع، ويُقدّم للأجيال القادمة أملًا في مستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا.
