12, نوفمبر 2025

 

المغرب يعود إلى جذوره التاريخية بفضل المسيرة الخضراء

المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان

قبل الفترة الاستعمارية، كان المغرب هو القلب الاقتصادي والتجاري لكل الصحراء الغربية. كما كان نقطة تصريف البضائع القادمة من «بلاد السودان» التي كانت تُبادل بمنتجاته الحرفية والزراعية.

في السادس من نوفمبر عام 2025، عندما يحتفل المغرب بالذكرى الخمسين لـ«المسيرة الخضراء»، فإنه يصحح بالفعل جزءا من البتر الإقليمي الذي كان ضحية له في الحقبة الاستعمارية، ولكن الأهم من ذلك، أنه يعود الى جذوره التاريخية الممتدة عبر اثني عشر قرنا من الزمن، وفي الأبعاد الجغرافية الشاسعة للمجال الصحراوي المتوسطي. وهي حقيقة لخصها الملك الراحل الحسن الثاني في عبارة واحدة:

“المغرب مثل شجرة جذورها المغذية متعمقة في أرض إفريقيا، وتتنفس بفضل أوراقها التي تهمس في رياح أوروبا (…)”.

تاريخيا، تعود أصول سلالة المرابطين، التي أسست في القرن الحادي عشر المغرب الكبير، «إمبراطورية الضفتين» الممتدة من نهر السنغال حتى وسط إسبانيا، إلى الصحراء المغربية.

أبو يوسف يعقوب بن عبد القادر المريني (1258-1286)، مؤسس الدولة المرينية التي حكمت المغرب حتى عام 1369، وُلد في سجلماسة شمال الصحراء المسماة غربية.

في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وتحت حكم السعديين (1554-1650) الذين ترجع أصولهم إلى الساقية الحمراء والدرع، سيطر المغرب على كل الغرب الصحراوي، بما في ذلك منعطف النيجر.

أخيرا، فإن سلالة العلويين التي تحكم المغرب منذ القرن السابع عشر تعود أصولها إلى تافيلالت. وقد قام مولاي إسماعيل (1672-1727)، الذي كانت والدته نفسها صحراوية، بزيارات عدة الى المنطقة وأكد حدود المغرب الممتدة بعيدا نحو الجنوب.

في عهد العلويين، كان يتم التأكيد باستمرار على مغربية الصحراء الغربية، والأمثلة على ذلك كثيرة:

–      مولاي الرشيد الذي حكم من عام 1664 الى 1672، قام باحتلال عسكري لساحل ما يسمى بالصحراء الغربية حاليا مع حاميات عسكرية أقامها حتى الرأس الأبيض.

–      السطان مولاي إسماعيل عين حكاما على تغازة، وكان أمير الترارزة يدفع له الولاء. وفي نهاية القرن الثامن عشر، كان تنصيب هذا الأمير يعود إلى السطان المغربي.

“هناك دليل آخر على مغربية الصحراء الغربية يتمثل في الأنشطة المتعلقة بالتجارة”

–      محمد بن عبد الله (1757-1790) عزز الوجود المغربي في المنطقة برمتها من خلال تعيين حكام فيها وصولا إلى نهر السنغال.

–      السلطان مولاي عبد الرحمن (1822-1859) تلقى في مراكش البيعة من قبائل الركيبات أهل المعيلنين وأولاد دليم وأولاد تيدرارين وأولاد بو سبع وآيت أوسا وإلزرقيين، وغيرهم. في ذلك الوقت، كان القاضي البشير البربوشي الركيبي يمارس سلطته باسم السطان المغربي.

 

–      في عام 1877، أمر السلطان مولاي الحسن الأول (1873-1894) القائد إبراهيم بن علي تيكني بإبلاغه بأي تحرك إسباني محتمل على الشريط الساحلي. وفي عام 1886، كتب السلطان الى ممثله رسالة وصف فيها سكان وادي الذهب بأنهم «رعايا مخلصون». كما موّل مولاي الحسن الأول وسلّح المقاومة في الصحراء ضد الإسبان، وهي مقاومة تمت باسمه من خلال الخطب في المساجد.

–      في عام 1901، كلف السلطان مولاي عبد العزيز (1894-1908) القائدين بن بلال البوسعيدي وإبراهيم شتوكي بمراقبة الساحل من طرفاية حتى الرأس بوجدور لإبلاغه في حال محاولة الأوروبيين الاستيلاء عليه. وأمر ببناء مدينة السمارة.

–      في عام 1912، عندما حشد الهيبة المقاتلين الذين زحفوا على مراكش بعد توقيع السلطان مولاي حفيظ (1908-1912) على معاهدة فاس التي جعلت المغرب تحت الحماية، كانت الساقية الحمراء تحديدا هي التي وفرت له المتطوعين، الذين كانوا يعتبرون أنفسهم بالتالي رعايا مغاربة يشكلون جزءا لا يتجزأ من المملكة.

–      خلال فترة الحماية، وبينما كانت المنطقة تحت الاستعمار الإسباني، استمر شيوخ القبائل في تقديم البيعة للسلطانين مولاي يوسف (1912-1927) ومحمد الخامس (1927-1961). وكان شيوخ القبائل يأتون من شمال موريتانيا الحالية وكل الصحراء الغربية الإسبانية حتى مراكش لتقديم البيعة.

–      في عام 1957، عيّن الملك محمد الخامس مديرا لشؤون الصحراء، وفي 25 فبراير 1958، ألقى الإعلان الرسمي التالي:

“إننا نعلن رسميا أننا سنواصل عملنا لاستعادة صحرائنا في إطار احترام حقوقنا التاريخية ووفقا لإرادة سكانها”.

 

هناك دليل آخر على مغربية الصحراء الغربية يتمثل في الأنشطة المتعلقة بالتجارة.

قبل التقسيم الاستعماري، كانت السيادة المغربية تتجلى في تداول عملة موحدة من طنجة حتى وادي نهر السنغال، ومن خلال نظام موحد للأوزان والمكاييل.

اقتصاديا، كانت الصحراء الغربية تتجه كليا نحو الشمال، نحو المغرب الشمالي الذي شكلت معه عالما اقتصاديا واحدا تتخلله أسواق كلميم وتندوف في الشمال، وأسواق وادي نهر السنغال ومنطقة تمبكتو في الجنوب. فمن فاس حتى وادي الذهب، وما بعده، كانت البضائع تتداول دون عوائق جمركية، لأنها كانت تبادلات داخلية تتم في حدود دولة واحدة.

قبل الفترة الاستعمارية، كان المغرب إذن هو القلب الاقتصادي والتجاري لكل الصحراء الغربية. كما كان نقطة تصريف البضائع القادمة من «بلاد السودان» التي كانت تُبادل بمنتجاته الحرفية والزراعية. كانت سجلماسة، التي كانت على اتصال مباشر بكل العالم الإفريقي الغربي، هي العاصمة الاقتصادية لكل الغرب الصحراوي، وكان تأثيرها ينتقل عبر أسواق كلميم وتندوف. وبشكل عام، كان المغرب هو المحرك التجاري لكل الغرب الصحراوي.

كان المغرب يمد نفوذه إلى ما وراء تاغانت، وكان يسيطر على مسارات الصحراء الغربية، وكذا على مراكزها الحضرية والقوافل الرئيسية. وكان المحور الطولي الذي ينطلق من خط أكادير-سجلماسة-توات، والذي كان ينتهي عبر الصحراء الغربية في أودية نهري السنغال والنيجر، تحت السيطرة المغربية. وللتذكير، حتى عام 1660، كانت صلاة الجمعة تقام في تمبكتو باسم سلطان المغرب.

المصدر: موقع 360

اترك تعليقاً

Exit mobile version