24, نوفمبر 2025

دبلوماسية بوريطة… حين يتكلم الهدوء بصوت الوطن.

في زمن تتناسل فيه الضوضاء والأصوات المرتفعة أكثر من الحجج المقنعة، جاء مرور وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، في القناة الثانية، كاستثناء جميل يؤكد أن القوة ليست في الصوت العالي، بل في الفكرة الواضحة والعبارة الهادئة.

لقد قدم الوزير درساً في فن الخطاب العام، حين واجه الأسئلة، قليلة العمق في بعض الأحيان، بصبر واتزان وهدوء نادر، وبأسلوب يعيد تعريف الدبلوماسية كفن للإقناع لا كساحة للمزايدة. لم يرفع صوته، لم ينفعل، لم يهرب من الأسئلة، بل أجاب بدقة وربط كل جواب بسياقه الاستراتيجي، مقدماً للمشاهد المغربي صورة رجل دولة يعرف ماذا يقول، ومتى يقول، ولمن يقول.

في المقابل، بدا أن الحوار لم يدار بالمستوى المطلوب من الاحترافية التي تستحقها لحظة كهذه. فالمحاوِرة، رغم حماسها، وقعت في فخ المقاطعة المتكررة التي شوشت على انسيابية الحوار أكثر مما أغنته، وكأن الرغبة في الظهور طغت على رغبة الجمهور في الفهم. وهو ما كشف، من حيث لا تقصد، المسافة الفاصلة بين ثقافة التنشيط التلفزيوني وثقافة المقابلة السياسية، حيث لا يكفي السؤال، بل يجب أن يصاغ في سياق احترام الفكرة والمخاطب معاً.

ورغم ذلك، لم ينجر بوريطة إلى التوتر، بل واصل حديثه ببرودة أعصاب تليق بدبلوماسي يدافع عن بلاده أمام العالم. كان يتحدث بلسان مغرب واثقٍ من نفسه، مغربٍ لا يتسرع في الرد، بل يبني المواقف على ثقة متينة في عدالة قضاياه، وخاصة قضية الصحراء المغربية التي كانت محور الحوار، والتي قدم الوزير بشأنها خطاباً مقنعاً، قائماً على الواقعية السياسية والشرعية الدولية والإنجاز الميداني.

لقد تحول ذلك اللقاء من مجرد حوار تلفزي إلى منعطف واسع في أسلوب التواصل الرسمي المغربي، الذي كان وسيظل في مستوى تواصل هادئ، راقٍ، لا يحتاج إلى الصراخ ليسمع، ولا إلى الانفعال ليقنع.

إنه درس للإعلام كما هو درس في السياسة، فحين يتكلم الهدوء، يصمت الضجيج…

اترك تعليقاً

Exit mobile version