في زمن يكثر فيه اللغو السياسي والجفاء الدبلوماسي، عند بعض جيراننا ممن نسوا أو تناسو خير المغرب العميم، فتحت الدورة الرابعة عشرة من الملتقى الدولي للتمور بالمغرب، المنظم بمدينة أرفود تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، منعطفاً واسعاً في مسار الدبلوماسية الاقتصادية المغربية، وتؤكد أن قوة المغرب الحقيقية تكمن في قدرته على تحويل الأزمات إلى فرص، والاستفزازات إلى إشعاع.
لقد تحولت مدينة أرفود، عاصمة النخيل المغربي، خلال أيام الملتقى، إلى منصة عالمية للاحتفاء بثمرة الصحراء، وإلى فضاء لتبادل الخبرات والابتكار الزراعي بين المنتجين والفاعلين والخبراء. بحضور المدير العام لوكالة التنمية الفلاحية، ورئيس جمعية مهرجان التمور، وعدد من المهنيين والعارضين من داخل المغرب وخارجه، جسد الملتقى وجهاً آخر للمغرب، كبلد يزرع العمل ويجني الاحترام.
ولم يكن الحضور المكثف ولا التنظيم المحكم ولا أروقة العرض الغنية بالمنتوجات المحلية مجرد تفاصيل شكلية، بل رسالة واضحة إلى من أراد أن يجعل من التجارة سلاحاً للخصومة السياسية. فبينما اختار البعض في تونس الانصياع لسياسة المنع والتصعيد، ومنع تصدير التمور التونسية إلى المغرب في سياق أهواء ظرفية، ردّ المغرب بالعمل الهادئ والثقة في الذات، وبفتح أبواب التعاون مع منتجين جدد من إفريقيا وآسيا، وبإطلاق مبادرات تشجيعية للمستثمرين المغاربة لتعزيز إنتاج التمور الوطنية وتحسين جودتها.
هكذا أجابت أرفود، بهدوء وواقعية، عن كل ما حاول قيس سعيّد ومن خلفه من دوائر العسكر زرعه من توتر في العلاقات، ليس بالتصريحات ولا بالردود الانفعالية، بل بالفعل الميداني، وبإظهار أن المغرب حين يواجه الخصومة لا يفعل ذلك بالصخب، بل بالتنمية، وبأن النخلة المغربية التي تضرب جذورها في عمق التاريخ قادرة على مواجهة رياح السياسة العابرة.
لقد كانت دورة هذه السنة أكثر من حدث فلاحي؛ كانت منعطفاً واسعاً في تأكيد أن المغرب بلد يرد على العداء بالإنتاج، وعلى الضيق بالانفتاح، وعلى العبث بالعمل الجاد، وأن جذورنا الممتدة في رمال أرفود أعمق من أن تمسها نزوات سياسة العداء و”نكران الخير”…
