25, أكتوبر 2024

المغرب في حاجة إلى تعزيز الشفافية ومواجهة الفساد الذي استشرى في كل مناحي الحياة. ويتطلب هذا الملف وحده وقفة صارمة ليس فقط على مستوى الزجر وعلى مستوى التشريع، ولكن أيضا على المستوى المجتمعي. ويُعتبر الفساد في المغرب من أبرز التحديات التي تواجه حكومة عزيز أخنوش في عامها الرابع، حيث وصل إلى مستويات تهدد الاقتصاد الوطني، إذ بلغت كلفته في المغرب ما يزيد عن 50 مليار درهم سنويًا، وهو ما يشكل نزيفًا حقيقيًا لموارد الدولة، ويؤثر بشكل مباشر على فرص التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى معيشة المواطنين.

وتراجع تصنيف المغرب في مؤشر إدراك الفساد العالمي، حيث انخفض ترتيبه من المرتبة 73 إلى المرتبة 97 عالميا في غضون خمس سنوات، مما يعكس انتشارا متزايدا للفساد في مختلف القطاعات وضعف الجهود الرامية إلى محاربته.

كما أشار تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لعام 2023 إلى عدم انخراط المؤسسات الحكومية والإدارية بالشكل المطلوب، في تفعيل استراتيجية محاربة الفساد التي تم وضعها منذ سنوات، حيث يظهر  غياب الالتزام الفعلي من طرف الجهات المسؤولة في تنفيذ التدابير والإجراءات الموصي بها، مما يُفاقم انتشار الفساد ويُضعف من فعالية السياسات الرامية إلى تحسين الحكامة، ما يزيد من التحديات التي تواجهها الحكومة، حيث يضعها تحت ضغط متزايد لإيجاد حلول سريعة وملموسة تعيد الثقة للمواطنين وتساهم في تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات، ويتطلب ملف الفساد ثورة ثقافية حقيقية لكونه أحد معيقات تنمية وتطورالمغرب.

أصبح جليا أن الدخول السياسي والاجتماعي الجديد لن يكون هادئاً سلسا بالنسبة للحكومة، حيث أن العديد من الملفات الساخنة مازالت مطروحة على الطاولة، على رأسها الأزمة الاقتصادية وغلاء أسعار المواد الغذائية والمحروقات، وملفات بعض المسؤولين المتابعين قضائيا على خلفية قضايا فساد إداري ومالي وتدبيري، الأمر الذي يمكن أن يُحدث أزمة سياسية بين مختلف الفرقاء المشكلين للأغلبية.

ويعتبر الدخول الدخول السياسي الجاري الأكبر من حيث سلسلة المتابعات القضائية في حق مُنتخبين وسياسيين، إذ جرت إحالة رؤساء جماعات على القضاء عقب تقارير سوداء تتعلق بالاشتباه في ارتكابهم خروقات واختلالات تتعلق بتبديد أموال عمومية.

وشهدت الشهور الماضية عزل عدد من رؤساء المجالس المنتخبة في أكثر من جماعة ترابية، بعد صدور أحكام قضائية تقضي بإسقاط قرارات انفرادية في التسيير مخالفة لمضامين “القانون التنظيمي للجماعات الترابية”، إلى جانب صدور تقارير أنجزتها لجان التفتيش المركزية التابعة لوزارة الداخلية.

وكشف تقرير سابق عن وزارة الداخلية بأن عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس جماعات ترابية، بلغ 137 منتخباً، ضمنهم رؤساء بلديات ونواب للرئيس ومستشارون محليون، بسبب ارتكابهم أفعالاً مخالفة للقانون.

وأوضح التقرير الذي أحاله وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت على لجنة الداخلية في مجلس النواب، أنه في إطار تتبع الوزارة للمتابعات القضائية في حق منتخبي مجالس الجماعات الترابية الرائجة أمام المحاكم المختصة، وترتيب الآثار القانونية للأحكام القضائية الصادرة بشأنها على وضعية المنتخبين المعنيين بمجالس الجماعات الترابية، لا سيما التشطيب عليهم من اللوائح الانتخابية، وبالتالي عدم أهليتهم لممارسة المهام الانتدابية، فقد بلغ عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية (البلديات) 137 حالة، تتعلق بـ 43 رئيس جماعة، و23 نائباً للرئيس، و49 مستشاراً جماعياً و22 رئيس جماعة سابقاً.

ويتزامن الدخول الاجتماعي والسياسي الجاري مع بروز العديد من الملفات والقضايا الاجتماعية والسياسية في ساحة التدافع السياسي، أبرزها النقاش الحاد حول المسطرة المدنية وما خلفه من آخذ ورد بين وزارة عبد اللطيف وهبي وبين جل الهيئات الحقوقية والمدنية والمهنية المرتبطة بمنظومة العدالة، والنقاش المثار حول مآلات نجاح مأسسة الحوار الاجتماعي المركزي بعد عدم التوافق الكلي في طبيعة البنود المُتضمنة في مشروع القانون التنظيمي للإضراب.

ويُرخي ملف طلبة الطب هو الآخر بظلاله على الدخول السياسي في ظل مقاطعة طلابية شاملة للدروس قاربت العام دون بروز أية بوادر لحل للأزمة في الأفق القريب، ناهيك عن ضبابية الحلول الحكومية المُقترحة للموازنة بين الإكراهات الدولية على الصعيد الاقتصادي وبين تعزيز تمويل القطاعات الاجتماعية.

والتقدم في تنزيل قانون المشروع التنظيمي للإضراب خلال هذا الدخول السياسي، يُسقط الحكومة بين ضغطين كبيرين، ضغط النقابات التي تهدد بالنزول للشارع وشل قطاعات العمومية في حالة تضمن القانون مقتضيات معرقلة لممارسة هذا الحق، وضغط أرباب المقاولات المُهددة هي الأخرى بعرقلة أهم القطاعات الاقتصادية في حالة عدم تضمين القانون بنودا تنص صراحة على السير العادي للمقاولة والشركة أثناء الإضراب.

وسلط الخطاب الملكي الأخير الضوء على قضية استراتيجية بالغة الأهمية، وهي وضعية الإجهاد المائي التي تعاني منها المملكة، معتبرا أن التقلبات المناخية، خاصةً الجفاف غير المسبوق خلال السنوات الأخيرة، كان لها تأثير كبير على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في المملكة، وتتطلب اهتماماً خاصاً من الحكومة ومن جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات البيئية والاجتماعية بفعالية.

وأعلنت من جهة أخرى “هيئة رئاسة الأغلبية” أنها تثمن المجهودات المُقدَّرة التي قامت بها الحكومة بالسرعة والجدية اللازمتين، سواء في تنفيذ مضامين برنامجها وسياساتها العمومية، أو في إطار النجاعة والفعالية في التعامل مع مختلف الصدمات والكوارث الطبيعية التي عرفتها البلاد، تنفيذاً لتوجيهات العاهل المغربي، ومنها على الخصوص تداعيات زلزال منطقة “الحوز”، وكذا الفيضانات التي شهدتها مؤخراً مناطق الجنوب الشرقي للبلاد، حيث تم تخصيص 2.7 مليار درهم، وإطلاق برنامج متكامل لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات وتقديم الدعم المالي لأصحاب المساكن المتضررة.

وأشادت الأغلبية بالإنخراط القوي للحكومة في تنزيل ورش الدولة الاجتماعية في مجالات تعميم التغطية الصحية، السكن والصحة، فإنها تؤكد سعي الحكومة المتواصل لبناء مدرسة عمومية ذات جودة، والرقي بها لتكون ذات جاذبية ومشتلاً لكفاءات المستقبل لكي تحقق وظيفة المصعد الاجتماعي لأبناء المغاربة، من خلال تبني إصلاحات هيكلية في قطاع التعليم، باعتباره أحد مداخل تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية.

فضلاً عن اهتمامها المتواصل بإعادة الاعتبار لهيئة التدريس، وهو ما تعكسه مخرجات الحوار الاجتماعي المتعلق بنساء ورجال التعليم”.

وأشاد كذلك البيان “بنجاح الدخول المدرسي لهذا الموسم، الذي ينطلق بفلسفة جديدة في تنزيل ورشة الدولة الاجتماعية، من خلال تقديم دعم مالي مباشر إضافي للأسر، لمساعدتها على اقتناء الكتب واللوازم المدرسية، تنفيذاً للتعليمات الملكية، وهو الدعم الذي أضيف للتعويضات المالية المباشرة التي يستفيد منه ملايين الأطفال المتعلمين”، وأضافت “هيئة رئاسة الأغلبية” في بيانها، أنها “تعبّر عن وعيها وإدراكها لإشكالية التضخم في المغرب خلال السنتين الماضيتين، واستمرار ارتفاع أسعار بعض المواد، وهو التضخم الناتج أساساً عن عوامل خارجية، حيث واجهت الحكومة هذا الوضع بكل إرادية من خلال العديد من الإجراءات العملية، سواء تلك المتعلقة بتقديم الدعم المالي المباشر للأسر أو التدخل لدعم بعض المواد والخدمات كالنقل، أو من خلال العمل على ضمان استقرار أسعار بعض المواد كالماء والكهرباء”.

ويطرح تعدد القضايا الاجتماعية والسياسية المطروحة مع الدخول الاجتماعي والسياسي الحالي، تساؤلات عدة حول أبرز القضايا ذات الراهنية الواجب البدء في معالجتها أولا، وحول التحديات الكبرى المطروحة على الجهاز الحكومي في تدبيرها بطريقة سلسلة بعيدا عن الاحتقان والتوتر، كما حدث الموسم السابق لما لجأت جل فئات الوظيفة العمومية للشارع والإضراب دفعة واحدة في سابقة من نوعها.

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version