21, ديسمبر 2024

 

دعوة سياسية وطنية مفتوحة للتفكير المشترك وللتعبئة الجماعية لبناء مجتمع متضامن وديمقراطي ومتعدد تحتضنه الدولة الاجتماعية

 

عبد اللطيف بوجملة

يحتفي حزب جبهة القوى الديمقراطية بذكرى تأسيسه، حيث أكمل 27 سنة من حياته السياسية التي اصطف فيها إلى جانب القوى الوطنية الحية والديمقراطية التواقة إلى التقدم والحداثة.  وهو احتفاء برصيد سياسي وتنظيمي وإشعاعي متواصل يتميز بكثير من الالتزام  والنضال والمسؤولية الأخلاقية “في خدمة الوطن والمواطن”  باعتبارها أهم ما رصده سياسيا و نضاليا.

وعلى غرار الأعوام الماضية، يأتي احتفال هذه السنة سانحا لتثمين القوة الاقتراحية والفكرية التي وضعها حزب جبهة القوى موضع علة وجوده، حيث تميز هذا العام بتنظيم الاستحقاقات الحزبية الوطنية والمحلية، والتي جددت الكثير من التنظيمات المحلية والجهوية وبعض القطاعات الموازية و ضخت دماء جديدة لمزيد من انفتاح الحزب على الفعاليات المجتمعية القادرة على تجويد الممارسة الحزبية تنظيميا و سياسيا، لكن الأبرز هذه السنة هي، من جهة أولى، مخرجات الدورة 51 للمجلس الوطني السياسي لحزب جبهة القوى الديمقراطية، حيث تم تجديد استراتيجية “انبثاق” كإطار دائم لعملية إعادة بناء الحزب وتقوية إشعاعه النضالي الميداني وتأهيل قدرته على المساهمة في تأطير المواطنين وإنتاج النخب والأفكار والرفع من قدراته التمثيلية، و منة جهة ثانية، المبادرة السياسية، التي توجه بها حزب جبهة القوى الديمقراطية للأحزاب المغربية  و عموم الطبقة السياسية المغربية على ضوء مذكرة سياسية تتضمن عشر قضايا تحظى بالأولوية في حزب جبهة القوى الديمقراطية، ويمكن أن تتقاسمها مع جميع الأحزاب الوطنية والديمقراطية والتقدمية من اجل التقدم وكسب الثقة.

وسيرا على ما دأب عليه، بصم حزب جبهة القوى الديمقراطية، ومنذ تأسيسه، وهو يطوق أعناق مناضليه بالإعلاء من خدمة الوطن، على مواقف ثابتة ومشرفة إزاء الدفاع عن قضايا المملكة المصيرية. وكانت قضية الوحدة الترابية تاجها، إذ لم يخلو أي موعد من مواعيدها التنظيمية والسياسية، مؤتمراتها، ودورات مجلسها، ومؤتمراتها المحلية والقطاعية، ونشاطها الإعلامي دون الدفاع عن قضية الوحدة الترابية باعتبارها قضية وجودية لكل المغاربة، و واجبا يعلو كل الواجبات السياسية، الجميع يتحمل مسؤولية الدفاع عليها كل من موقعه، ولأجل ذلك يصر حزب جبهة القوى الديمقراطية على تعبئة مناضليها لأجل بدل مجهود مضاعف كل ما سنحت الفرصة للترافع ولممارسة دبلوماسية حزبية هجومية في كل المنتديات و المحافل الإقليمي و  الدولية.

تثمين لنجاح الدبلوماسية الشاملة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس

وإذ يثمن حزب جبهة القوى الديمقراطية نجاح الدبلوماسية الشاملة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس بكثير من الثبات والحكمة والعقلانية والصبر، والتي مكنت المملكة المغربية من نجاح باهر وغير مسبوق بتوالي الاعترافات بوحدتنا الترابية، من لدن أشقائنا العرب والمسلمين والأفارقة، ومن لدن القوى العالمية النافذة، وعلى قائمتها الاعتراف الأمريكي الثابت، وما تلاه من اعترافات أوروبية، ولاسيما اعتراف اسبانيا باعتبارها المستعمر السابق لصحرائنا المغربية الغربية، فان اعتراف دولة إسرائيل يعد، بالنسبة لحزب جبهة القوى الديمقراطية، فصلا جديدا وحاسما، جاء نتيجة لمجهود وإصرار إخواننا اليهود المغاربة داخل وخارج دولة إسرائيل، وجاء نتيجة حتمية ل”اتفاق أبراهام” الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل، والذي وقعه  جلالة الملك محمد السادس بن الحسن وبنيامين نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل ودونالد  ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والوسيط في هذا الاتفاق، باعتباره اتفاقا ملزما بقوة القانون الدولي، وهو ما يؤشر على اقتراب وشيك من طي نهائي لملف الصحراء المغربية.

وكما انتظرنا هذا الاعتراف التاريخي من دولة إسرائيل و دون التفريط في مقتضيات اتفاق  ابراهام الثلاثي، ولاسيما حل الدولتين وقضية القدس الشريف ودعم نضال الشعب الفلسطيني الشقيق، فان جبهة القوى الديمقراطية تدعو جميع الدول الصديقة للحذو حذو هذه الحتمية التاريخية، ولاسيما الدول الأوربية الشريكة و على قائمتها المملكة المتحدة و فرنسا.

وبمنطق التاريخ وبمنطق الأحداث الجارية الحاسمة والتي تعيد تشكيل نظام عالمي جديد، فان حزب جبهة القوى الديمقراطية يعتبر ان فرنسا الرسمية مسؤولة مسؤولية مباشرة في معاكسة الوحدة الترابية للملكة الشريفة، بالنظر إلى ماضيها الاستعماري و الامبريالي ومسؤوليتها التاريخية و الآنية في زرع ألغام  الصراع بالوكالة، الذي يهدد استقرار شمال إفريقيا و الساحل، تهديده لأوروبا الجنوبية، باقتطاعها و تجزيئها لتراب الامبراطورية المغربية الشريفة سواء تعلق الأمر باقتطاع مئات ألاف الكلمترات المربعة من للشمال الشرقي المغربي او تعلق الأمر بالصحراء المغربية الشرقية أو تعلق الأمر بتقسيم متري للصحراء المغربية الغربية “الشاسعة” مع اسبانيا، عبر زرع نظام عسكري وظيفي يحرس و يديم استغلالها المتوحش لثرواتنا الاحفورية و تحويل الصحراء المغربية الشرقية إلى مكب نووي حققت و تحقق من خلاله رهانها الدوغولي كدولة نووية.

ان الرهان على اعتراف فرنسا الماكرونية مضيعة للوقت و الجهد، لأنه سيفضح ماضيها و حاضرها و مأمولها الامبريالي، و سيجرها، لا محالة، إلى  الاعتراف بجرائمها الشاملة في تفتيت و استغلال كامل تراب الإمبراطورية الشريفة و دول إفريقيا الغربية بما فيها دول المغرب العربي “الصغير” و دول الساحل المتحدة أخيرا في إطار كونفديرالي غير مسبوق، و التي تأتي المبادرة الأطلسية الملكية الإستراتيجية و الواعدة في قلب هذه المواجهة التاريخية من اجل انبثاق إفريقيا جديدة مستقلة و متضامنة و قوية و ناهضة و متقدمة بعقول و سواعد رأسمالها البشري و حكمة و تبصر قادتها.

إن ما علمنا إياه التاريخ، هو أن حق الشعوب و الأمم الذي لا يعطى ينتزع انتزاعا، و مهما طال الزمن أو قصر، فان المملكة المغربية الشريفة، الدولة الأمة، أسوة بدول و شعوب إفريقيا، ستنتزع حقوقها المشروعة بالسلم أولا و بغيره متى دعا داع.

مبادرة سياسية وطنية من اجل تجويد العمل الحزبي الوطني

تقدم حزب جبهة القوى الديمقراطية بمبادرة سياسية توجه بها الأحزاب المغربية وعموم الطبقة السياسية المغربية على ضوء مذكرة سياسية تتضمن عشر قضايا تحظى بالأولوية في حزب جبهة القوى الديمقراطية، و لكنها أيضا ولاشك يمكن أن تتقاسمها مع جميع الأحزاب الوطنية والديمقراطية و التقدمية.

لا تتوجه جبهة القوى بهذه المبادرة السياسية، لا لتقدم الدروس لأحد ولا لتوجه بوصلة النقاش السياسي، ولا تفرض وجهة نظرها على احد، و إنما سعيا لفتح نقاش سياسي وطني وعمومي وتعددي وحوار بناء  و تفكير مشترك لطالما أملنا جميعا أن  يفتح بشكل مستمر ودائم .

لا شك أيضا أن المبادرة السياسية لحزب جبهة القوى الديمقراطية لم تأت من فراغ، بل  قامت، أولا، على نقاش ديمقراطي داخلي مستمر، و قامت، ثانيا، على تشخيص موضوعي للواقع السياسي وشروطه الراهنة المتسمة بانكفاء ذاتي لكل حزب وانشغاله  بمتاعبه الداخلية و التي لا يخلو منها أي عمل حزبي سياسي و تنظيمي حي. وهو لاشك فراغ قاتل لا يفوت فقط فرص متاحة لإعادة تشكيل المسار السياسي الوطني، بل يقلب الأولويات ويدفع بالمؤقت و العارض ليتسيد المشهد، كأن يصير النقاش حول الحصائل البرلمانية والحكومية هو منتهاه و غايته، بينما يترك جانبا العمل السياسي الجماعي والمشترك بين الأحزاب و مكوناتها السياسية و المدنية و التنظيمية الوطنية و المحلية..

تقوم المبادرة السياسية لحزب جبهة القوى الديمقراطية، ثالثا، على دعوة مفتوحة للتفكير المشترك للتعبئة الجماعية، لكي تساهم الأحزاب السياسية الوطنية و مختلف القوى والفعاليات المجتمعية في بناء مجتمع متضامن و ديمقراطي و متعدد تسوده الحرية والمساواة وتحتضنه الدولة الاجتماعية التي تبني الرأسمال الاجتماعي بالتوازي، وجنبا إلى جنب، وهي تبني رأسمالها الاقتصادي و الثقافي و العلمي، بالاستناد لعمقها التاريخي ولهويتها الحضارة المتعددة، ووفقا لمرجعياتها الوطنية المبنية على الوحدة الوطنية متعددة الأبعاد، و دون التفريط في مرجعيتها الديمقراطية كاختيار راسخ و ثابت لا رجعة فيه.

وإن كانت هذه المقومات هي التي تدفع حزب جبهة القوى الديمقراطية  للتعبير عن اعز ما يطلب في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة، فلأنه، رابعا، نستشعر جميعا كمجتمع سياسي حزبي و نقابي مدى اتساع دائرة التشكيك المفرط في كل ما هو حزبي و نقابي و سياسي، وعلينا الانكباب الجدي كأحزاب لتشخيص جماعي لأسباب معضلة سياسية تواجهنا جميعا وهي فقدان الثقة الذي لا يكف عن التوسع في مؤسساتنا الحزبية و النقابية كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية أساسية و حاسمة،  سواء في البناء الديمقراطي التعددي او في بناء الإنسان المغربي.

صحيح أن من عوامل  مسلسل فقدان الثقة الذي يجري بل و من ورائه تبخيس طويل وضرب مستميت لمصداقية المؤسسات الحزبية في إطار صراع مجتمعي غير متكافئ وأحيانا متسلط، كانت نتائجه المباشرة و علامته الفارقة هو المزيد من النفور من المشاركة السياسية، لكن بالمقابل استسلمنا كأحزاب و نقابات لهذا الواقع و ساهمنا فيه بعدم مقاومته او بالرضوخ لإغراءاته الريعية بتحويل الصراع و التنافس السياسي الشريفين والمشروعين إلى هرولة شاملة باتجاه حصد المقاعد و الفوز بغنيمة تمثيلية صورية تستعيض عن صراع الأفكار و البرامج باليات داعرة يتسيدها المال و النفوذ و كل مفاعيل البرجزة.

و لقد تحول هذا المسلسل الممنهج  لترسيخ مظاهر فقدان الثقة في العمل السياسي الحزبي و النقابي مع مرور الوقت إلى  أخطر و أعمق منه، لم نفقد كطبقة سياسية حزبية و نقابية فقط قدراتنا على التفاوض، بل  تحولت عدم الثقة و النفور من المشاركة السياسية إلى تشكيك عام في قدرة الآليات الديمقراطية على الإصلاح و التغيير.

إن المقاربة السياسية و الموضوعية للعوامل التي أفرزت هذا الواقع، في تصور حزب جبهة القوى الديمقراطية، تنطلق من رؤية تاريخية و علمية و موضوعية، من حيث أن هذه العوامل بقدر ما هي متعددة هي أيضا معقدة و متشابكة كأي ظاهرة سياسية اجتماعية وإنسانية. فهي، أولا و أخيرا،  حصيلة لتراكمات و مخلفات السيرورة السياسية المتسمة بالصراع غير المتكافئ بين قوى سياسية و مجتمعية متناقضة الاختيارات والمصالح،  واحدة  تدفع نحو الإصلاح  و التغيير و أخرى تجتهد في ضرب المكتسبات السياسية والاجتماعية و ترتد بها إلى الوراء.

وإن كانت هذه المقاربة تتوقف عند محطة تاريخية محددة، لا تلغي ما قبلها، فلان هذه المرحلة التاريخية كانت مفصلية و عتبة من عتبات ولوجنا إلى التاريخ المعاصر و لولوجنا لمرحلة جديدة تماما تتسم بالتغيير في إطار الاستقرار و الاستمرار في البناء الديمقراطي والذي يتجسد في مجيء دستور فاتح يوليوز.  وهي لاشك لحظة مفصلية و متقدمة التقطت فيها المؤسسة الملكية متطلبات صيانة الأمن و الاستقرار و متطلبات الحفاظ على المكتبات الوطنية و الديمقراطية و مواصلة تعزيزات و توسيعها.

وبقدر هذه الحكمة الملكية وتبصرها، بقدر ما كانت استجابة المغاربة في مستوى هذه اللحظة التاريخية الدقيقة الحمالة لأشرعة التغيير في إطار الاستقرار، إذ أكد الشعب المغربي بفضل تعبئته الشاملة، انه شعب متحضر و متأصل على الاستقرار والسلم،  وقادر على الدفاع باستماتة ووعي متقدم على وحدته الوطنية واستقراره كدولة امة ضاربة في عمق التاريخ متوحدة في تعددها، ومتشبعة بروح المقاومة الشرسة لكل محاولات التطاول على وحدتها و سيادتها و استقرارها على امتداد القرون.

وان كانت هذه المقاربة تغتبط موضوعيا لانسجام و تناغم  مكونات الدولة الأمة المغربية ملكا و شعبا ومجتمعا واللذين تم التعبير عنهما بوجه يشكل الاستثناء إقليميا، و يمثل نموذجا متقدما، فإن هذه الغبطة لا يمكن ان تخفي أعطاب تفعيل وإعمال الاختيار الديمقراطي الذي قام عليه دستور  فاتح يوليوز كمشروع مجتمعي ديمقراطي متقدم.

وبالوضوح اللازم وبالجرأة السياسية المطلوبة، تعبر هذه المقاربة الموضوعية على قلقها إزاء المكاسب التاريخية الأساسية المتمثلة في الأمن و الاستقرار والتي تنعم بها الدولة الأمة المغربية، فهي ليست مكاسب نهائية و لا مكاسب غير قابلة للمساس بها.

ولذلك تصر مقاربة حزب جبهة القوى الديمقراطية على تحديد اشتراطاتها الأساسية ورهاناتها الأنطولوجية وعلى قائمتها “الالتزام بالتعاقدات السياسية والاجتماعية الوطنية”، إذ الحاجة ماسة و دائمة ومتواصلة لضبط  ” الزمن السياسي  المغربي ومواكبة  مخاضات التحول المجتمعي والتجاوب مع انتظاراته “عبر استعجال ” معالجة أعطاب تفعيل الاختيار الديمقراطي” سواء من حيث المبادئ أو من حيث الديمومة او من الممارسة العملية والفعلية.

ولذلك تلح هذه الرؤية السياسية لحزب جبهة الديمقراطية على ضرورة الانكباب على تقريب المسافات بين الاختيار الديمقراطي كمبدأ المبادئ، وكخيار دستوري وبين الممارسة الفعلية في الساحة السياسية و المجتمعية، و بين التقدم الديمقراطي السياسي والأوضاع الاجتماعية “.

ان البعد الاجتماعي في كل أبعاده و لاسيما النهوض بالوضع المعيشي و الاجتماعي لشرائح المجتمع المختلفة، و لاسيما المهمة و المقصية منها يعد في هذه الرؤية السياسية ركنا ركينا وعضويا و بعدا أساسيا و حاسما في مسار البناء الديمقراطي التنموي.

وهو لا شك اختيار شامل و شمولي في ممارسة ديمقراطية سياسية سليمة و صحية في تدبير شؤون المجتمع في كل أبعادها الديمقراطية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية، تقطع مع المشاركة الصورية وتنتج مؤسسات تمثيلية وتنفيذية تمتلك القدرة والمقدرة على التفاوض باسم المغاربة ولفائدة استدامة الأمن والاستقرار وتحقيق التقدم والرفاه المجتمعي…

إن ما تدعو إليه جبهة القوى في مبادرتها لفتح نقاش سياسي صريح ومتعدد وبأبعاد مجتمعية، وفي إطار من الغيرية السياسية، هو الكفيل بمعالجة أسباب التشكيك في العمل السياسي والحزبي والنقابي و الذي هو في النهاية تشكيك في قدرة الآليات الديمقراطية على الإصلاح و التغيير.

وهي تتوسل في ذلك إلى إعمال الذكاء الجماعي واسترجاع الثقة في الفكر في محاولة الإجابة الأسئلة الصعبة والمعقدة التي تثيرها أوضاع المغرب والمغرب في الزمن الراهن، حاضرا و مستقبلا..

 

مخرجات الدورة 51 للمجلس الوطني السياسي لحزب جبهة القوى الديمقراطية

“انبثاق” إستراتيجية مفتوحة على الاجتهاد الحزبي الجماعي

توقف التقرير السياسي والتنظيمي الذي تقدم به الأمين العام الدكتور المصطفى بنعلي، باسم المكتب السياسي، أمام الدورة 51 للمجلس الوطني السياسي لحزب جبهة القوى الديمقراطية عند الجانب التنظيمي، مستعرضا أهم المبادرات السياسية و التنظيمية التي و قع عليها الحزب منذ المؤتمر الوطني السادس، و الذي انعقد حضوريا وعن بعد أيام 25 و26 و27 مارس 2022، انطلاقا من مدينة العيون.

وذكر الأمين العام بالمبادرات التي شكلت الصخرة “التي تكسرت عليها كل المناورات التي تكالبت على الحزب، وفضحت خصومه الظاهرين والمندسين. وذلك بفضل تلاحم الشرفاء من المناضلات والمناضلين، والتفافهم حول القيم والمبادئ التي تعضد خط الحزب النضالي”.

وبالرغم من نتائجها المهمة، فقد اعتبر المصطفى بنعلي، بكثير من الصراحة و الوضوح، أنها  “لم تبلغ مستوى الطموح المشترك لعموم الجبهويات والجبهويين، اعتبارا لكون الحزب يتوفر على رؤية واضحة متجددة لتلبية احتياجات وتطلعات أعضائه والحساسية المجتمعية التي يمثلها، بما يستدعيه الأمر من التعجيل بتنفيذ خطوات ومبادرات جديدة ملموسة، خصوصا فيما يرتبط بسياسة الحزب التنظيمية. حيث يظل التنظيم الحزبي الإطار الذي يحدد شكل وآليات نشاط الحزب لتحقيق أهدافه، باعتباره التجسيد العملي للعلاقة بين الفكر والممارسة، أي بين المشروع المجتمعي وطرق النضال من أجل تحقيقه على أرض الواقع. ذلك أن الأحزاب التي تدخل معارك سياسية وفكرية دون تنظيم محكم، تعوزها القدرة على التحرك والنجاح، بل وتفقد مبررات وشرعية وجودها وعملها.”

و في هذا السياق، استحضر الأمين العام المذكرة التنظيمية “لاستراتيجية انبثاق”، و التي توضح “المهام التنظيمية في مجالات الهيكلة والسياسات التنظيمية، وتنمية العضوية، وتأهيل الكوادر الحزبية. ” والتي تستهدف تحديث الحزب وتطويره، لا فقط لتكريس سنة 2024 كسنة للتنظيم بامتياز، بل أساسا لأجل استنباط “خلاصات التجربة الميدانية، التي عاشها الحزب، منذ تأسيسه سنة 1997، وعبر مختلف المراحل التي قطعها بتحدياتها وسياقاتها المتباينة، كدينامية سياسية مفتوحة ومنفتحة، فكريا وتنظيميا، من أجل استعادة تملك القدرة على بناء الحزب الطلائعي والجماهيري المنشود، المعتز بهويته البانية، ذات الخصائص اليسارية التقدمية والحداثية.”

و لتعزيز مسارها الراهن و المستقبلي، دعا الأمين العام إلى وضع “انبثاق”، موضع الاستراتيجية المفتوحة على الاجتهاد الحزبي الجماعي و على “آراء كل المناضلات والمناضلين، في كل التنظيمات والهياكل المحلية والإقليمية والجهوية والقطاعية والموازية، بما يجعلها إطار دائما لعملية إعادة بناء الحزب وتقوية إشعاعه النضالي الميداني، وتأهيل قدرته على المساهمة في تأطير المواطنين وإنتاج النخب والأفكار، والرفع من قدراته التمثيلية.”

و في تقييمه لعمل الحزب ومردوديته وحصيلة مختلف تنظيمات الحزب الترابية والقطاعية، منذ محطة المؤتمر الوطني السادس المنعقد بمدينة العيون أيام 25،26 و27 مارس 2022 تحت شعار ” معا لبناء الدولة الاجتماعية وتعضيد مساعي المغرب للسلم وتضامن الشعوب” و ما شكلته هذه المحطة من انطلاقة جديدة للحزب، ومجددة لآليات وطرق اشتغاله، استحضر التقرير السياسي و التنظيمي التراكمات المحصلة من توصيات  “كل المؤتمرات والدورات السابقة”، و من جملتها “مخرجات الدورة 50 للمجلس الوطني للحزب، التي انعقدت بمدينة فاس، يوم الأحد يوم 11 يونيو 2023، تحت شعار: ” فعل سياسي مسؤول وواقعي: ثبات المبادئ والقيم وتجديد الفكر والممارسة”.

و وقف التقرير مليا عند مختلف التحديات السياسية والتنظيمية الملقاة على عاتق حزب جبهة القوى الديمقراطية، كما توقف عند الجهد الموصول الذي بذله المكتب السياسي للحزب منذ انتخابه من أجل تنفيذ الإجابات الجماعية على الأسئلة التنظيمية، في استحضار لمستجدات النظامين الأساسي والداخلي للحزب، بما فرضته من تأهيل لمذكرة انبثاق كخطة استراتيجية لتقوية الذات الحزبية، توضح المهام والأهداف التنظيمية وتثمين العضوية، وتبقى مع ذلك مفتوحة دائما أمام آراء المناضلات والمناضلين لتلاقح تجاربهم التنظيمية.”

محطات فارقة في تنفيذ برنامج حزب جبهة القوى الديمقراطية السياسي

وقف التقرير عند أهم محطات “تنفيذ برنامج حزب جبهة القوى الديمقراطية السياسي”، خلال الفترة الفاصلة بين دورتي المجلس الوطني، حيث  نظم حزب جبهة القوى الديمقراطية، ندوة حول “العلاقات المغربية الجزائرية في ضوء الخطب الملكية”، يوم السبت 14 يناير 2023، بمدينة وجدة عاصمة الكفاح المشترك ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم بمساهمة السياسيين والمثقفين والأكاديميين والإعلاميين والحقوقيين والنقابيين والناشطين في المجتمع المدني من المغرب والجزائر التي عرفت نجاحا سياسيا وتنظيما وإعلاميا منقطع النظير والأصداء التي كانت لها حتى خارج المغرب.

و تلاها تنظيم ندوة في موضوع” العلاقات المغربية الإفريقية: التعاون جنوب جنوب ومساعي المغرب لتعزيز السلم وتضامن الشعوب” يوم الخميس 15يونيو 2023 بمدينة الداخلة بمساهمة الكاتب والإعلامي الأستاذ أنور مالك من الجزائر والأستاذ يحي ددا من موريتانيا، والأستاذين عبد الفتاح الفاتحي وبدر الزاهر من المغرب.

كما نظم الحزب لقاء مناقشة مع نخبة جزائرية في موضوع: العلاقات المغربية الجزائرية: “علاقات مستقرة نتطلع لأن تكون أفضل “، يوم الجمعة 18 غشت 2023، بالمقر المركزي للحزب بالرباط.ويعتبر هذا اللقاء وهو الثامن ضمن سلسلة الندوات واللقاءات التي ينظمها حزب جبهة القوى الديمقراطية حول علاقات المغرب مع جيرانه، من منطلق مضامين خطاب العرش لهذه السنة، وفي إطار سعي الحزب لفتح نقاش عمومي حول المقومات التاريخية والسياسية والثقافية والاقتصادية لبناء علاقات مغربية جزائرية على أسس التضامن والأخوة وحسن الجوار.

كما عكس اللقاء ثقة كل مكونات الحزب في رؤية البلاد الاستراتيجية نحو جيرانها، حيث برهن بما يكفي على سياسة حسن الجوار التي ينهجها، وبأن خطاب الملكي الأخير جاء ليؤكد على هذا النهج وشكل هذا اللقاء مع نخبة جزائرية يتقدمها الإعلاميان البارزان أنور مالك ووليد كبير وبحضور أعضاء من السلك الديبلوماسي المعتمدين لدى المملكة وممثلين عن هيئات سياسية وثقافية ونقابية ومدنية مناسبة سانحة لتسليط الضوء على الآفاق الممكنة للعلاقات المغربية الجزائرية في أبعادها الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكذا لإبراز الجهود الملكية التي برهنت على التزام المغرب الراسخ وفق رؤية استراتيجية لعلاقات طبيعية بين المغرب والجزائر ترتكز على منطق الأخوة وحسن الجوار والذي توج بإصدار إعلان الرباط.

وفي إطار تعزيز العائلة الفكرية للحزب فقد بادر منتخبات ومنتخبو حزب جبهة القوى الديمقراطية الى هيكلة المنتدى الوطني للمنتخبين الديمقراطيين عبر عقد مؤتمر وطني تأسيسي بمدينة القنيطرة يوم 03 دجنبر 2023، كما دشن الأخ الأمين العام اللقاء التحضيري الأول للجنة التحضيرية لتأسيس منظمة كشفية وطنية يوم 20 ماي 2023 بالمقر المركزي للحزب بالرباط، ودون إغفال التقدم المحرز في مواصلة أشغال اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الخامس لمنتدى جيل الغد.

وعلى صعيد الشق السياسي الوطني فقد بادر الحزب وبشكل نضالي متميز ومتفرد بتقدم الأخ رؤوف العبدلاوي معن لرئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حيث تابعت قيادة الحزب باهتمام بالغ المسار الذي اتخذه انتخاب رئيس هذه اللجنة وما عرفه من جدل قانوني وسياسي ولاسيما أن هدا المنصب خصصه الدستور للمعارضة.

لقد أكد الحزب إثر الإعلان عن نتائج هذا التمرين الديمقراطي على المسؤولية الأخلاقية في النهوض بالممارسة البرلمانية وبالمناسبة فإن الحزب يذكر بقناعته الراسخة بأن الدستور الحالي في حاجة إلى تأويل ديمقراطي بما ينسجم مع مرجعياته الوطنية والكونية في التعبير الحقيقي عن توجهات الرأي الموجودة في المجتمع المغربي.

احتفاء بثقافة وأخلاق الاعتراف

إن حزب جبهة القوى الديمقراطية و هو يحتفي بمرور27 سنة من حياته السياسية، فانه يجدد الاستناد  إلى ثقافة و أخلاق الاعتراف التي اختارها منذ تأسيسه على يد الراحل الفذ التهامي الخياري و صفوة من رفاقه و نخبة من المغاربة يمثلون تعدد القوى في المجتمع المغربي  ويتعطشون لعمل سياسي جديد  ديمقراطي يقطع مع الأبوية و الزعامة المطلقة و الدائمة.

و هي أخلاق بقدر ثباتها على المبادئ و القيم، قيم اليسار المغربي التي تنحاز إلى قضايا الشعب المغربي بقدر عملها على “تجديد الفكر والممارسة” كما كان يريد الفقيد التهامي الخياري كقامة سياسية تنتمي إلى  دوحة اليسار المغربي، و كقامة علمية شكلت القاعدة الصلبة للانتلجانسيا المغربية التي تنتصر للروح المغربية و تعمل على تخليص المغرب من براثن المعرفة الاستعمارية.

وقد جسدت الدورة الخمسين للمجلس الوطني، المنعقدة بقلب العاصمة العلمية للمملكة المغربية، هذه الثقافة وهذه الأخلاق السياسية الحميدة، و جددتها في الدورة 51 للمجلس الوطني السياسي لتصير عرفا راسخا يتجدد مع الاحتفاء بكل ذكرى للتأسيس .

وإن يختار حزب جبهة القوى الديمقراطية، دائما، ان يجعل من دورات برلمانه الحزبي، عرفا و مناسبة سانحة لتدارس و  التداول في مستجدات القضايا الوطنية والدولية، في ظل تنامي المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المقلقة وتزايد أضرار الفئات الهشة و المقصية والبئيسة بسبب السياسات الحكومية، والانكباب على عدد من القضايا التنظيمية المرتبطة بأجهزة الحزب وبخطته لإعادة الهيكلة الترابية والقطاعية وبآفاق العمل التنظيمية والسياسية للمرحلة المقبلة، فإنه يختار أيضا، وفاء و اعترافا، أن يكرم، مجددا، الفقيد التهامي الخياري و رفاقه الذين تحملوا عبء تأسيس حزب سياسي من طراز جديد تطوقه اشتراطات تغيير أدوات و أهداف العمل السياسي و التنظيمي.

ولقد ترك لنا الفقيد  التهامي الخياري  رصيدا من المقاربات و القراءات في الواقع الاجتماعي و الاقتصادي المغربي كما ترك لنا الكثير من الاستشراف الذي أكده الواقع و لاسيما  في ما يخص جدة المرحلة التي يعيشها المغرب و ضرورة إرساء دستور جديد قبيل اندلاع موجة “حراك الربيع العربي” من منطلق ثابت هو التغيير في إطار الاستقرار.

و إن ناضل الراحل و دون هوادة ضد الرشوة و ضد الترحال السياسي  و انتفاء أخلاق السياسة، فانه  طالب و بإلحاح و قبل غيره، بضرورة بناء العمل السياسي على قاعدة  أحزاب سياسية جادة وقوية وقادرة على تأطير المواطنين، و قادرة على تحقيق الانتظارات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية للمغاربة، عبر تمثيل  فاعل وقادر على حفظ الاستقرار والتقدم و التحديث، و هو تعيد صياغته المبادرة السياسية التي تقدم بها حزب جبهة القوى الديمقراطية سعيا سعيا لفتح نقاش سياسي وطني و عمومي و تعددي  وحوار بناء  و تفكير مشترك.

 

 

 

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version