حاورته: ليلى خزيمة
عبر عن نفسه في لوحاته، ونمى إحساسه الفني، ليتحرر من القيود الأكاديمية ويجد نفسه منغمسا في حب المادة وسحر النتوءات. موهبته وعفويته الإبداعية منحته إعجاب المتتبعين. لكن عادل طاهيري الحاصل على لقب سفيرة الفنون من الاكاديمية الأوروبية للفنون، لم يتوقف عند هذا، بل دفعه فضوله الفني إلى خوض تجربة السينما والتلفزيون. فلم يتردد في المشاركة في الأفلام القصيرة والإعلانات التجارية وحتى الظهور في الأفلام الوطنية والفيديو كليب. ليشكل لوحة متكاملة عن شخصيته. وهذه اللوحة هي التي سيحدثنا عنها اليوم.
- ما هي علاقة عادل طاهيري باللوحة؟
أنا لا أتقن التعبير عن نفسي بالكلمات، لكن عندما يرى الجمهور لوحاتي، يقرأ الحالة النفسية التي أبدعتها فيها من خلال استخداماتي للألوان والأشكال. فهي تفضح وتبوح بما لا يمكنني البوح به. وهي بمثابة الخلاص من كل الضغوطات النفسية التي نعيش فيها. في كل مرة أرسم فيها لوحة، أكشف عن جانب من شخصيتي وأحلامي وقناعاتي، وأترك فيها شيئا مني. أحاول دائما أن أعبر عما أحس به. كل لوحة تحكي واحدة من حكاياتي، من يومياتي، من حياتي، من أفراحي وأحزاني. وفي نفس الوقت، هي ذلك الصراع الأبدي بين الشر والخير، لكن بِنِيَّة ِبعث الأمل وزرع فكرة التفاؤل مهما كانت الصعوبات اليومية. فاللوحة هي كتاب مفتوح يحكي وضعية الفنان، وهي مرآة روحه.
- ما هو التوجه الذي يشتغل ضمنه عادل طاهيري؟
أجد نفسي في الفن التجريدي وفي المادة والتعبير الحر، خصوصا أنني تجاوزت وكسرت كل القواعد والحسابات، حيث أصبح الإبداع بالنسبة لي انطلاقة وحرية للفنان، بل شعلة ملتهبة من الأحاسيس ومن العفوية. توجهت نحو الفن التجريدي ونحو المادة والعفوية، ومؤخرا أحاول المزج ما بين الواقع والمادة من خلال التصاميم الفنية. طورت فكرة جديدة هي بمثابة توقيع لي، وهي الاشتغال على الصورة بواسطة المادة. أي إظهار الصورة من خلال إبراز الحروف بنقوش متعددة وأستعمل في هذا، المادة الصمغية والايبوكسي. كل لوحة لها موضوعها الخاص الذي أسعى من خلاله تطوير فكرة ما. لذلك تطور عملي من التصويري نحو التجريدي. وهذا الأخير يتطلب البحث المتواصل بالنسبة للمواد والمواضيع. أنا أسافر، ليس فقط في الواقع ولكن أيضا عبر إبداعاتي. ولكل مرحلة منها طابع خاص بها يعبر عنها.
- هل هذه المادة الصمغية طيعة لذلك تفضلون الاشتغال عليها؟
المادة الصمغية ليست سهلة بتاتا. فهي خلاصة مادتين كيميائيتين بمقادير دقيقة يجب احترامها للحصول على اللمعة والضوء. هو عمل تقني يتطلب تفكيرا وعملا متقنا. في رسوماتي أبحث دائما عن مؤثرات جديدة وأحاول تطوير إبداعي من خلال البحث والتنقيب.
- حدثنا قليلا عن معارضك؟
لا أعتمد على الفن لكسب العيش وهذه ميزة وفضل من الله. هو شكل تعبيري أبتعد به عن الرتابة والضغوطات. تجربتي الأولى كانت سنة 1999 بمعرض جماعي بالقنصلية الروسية. بعدها سنة 2002 بالمعهد الثقافي الفرنسي. أما سنة 2006، فأقمت معرضا بمؤسسة سيرفانتس وحصلت من خلاله على الجائزة الأولى. وسنة 2007 شاركت بمعرض جماعي بالدار البيضاء، وآخر سنة 2008 برواق الفن غرفة الفن المكعب المستقل بالرباط. ليأتي بعدها سنة 2011 معرضي برواق الفن بمراكش.
لكن حاليا، معظم معارضي هي ببلدان خارج المغرب. هذه العروض هي متنفسي. فأنا أحب السفر ومقابلة أناس جدد والتعرف على ثقافات أخرى. لذلك فأعمالي مشهورة في إفريقيا وأوروبا والصين أكثر منه في المغرب. أقمت مثلا معرضا بمدينة كوناكري بغينيا، وزَيَّنَتْ 100 لوحة من إبداعاتي قصر المؤتمرات التابعة للأمم المتحدة بمناسبة الافتتاح، ولازالت لوحاتي معروضة إلى يومنا هذا وستبقى في معرض دائم. وقد سُعدت بزيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله هناك سنة 2014 وتشرفت بإبداع صورة لجلالته. كما أقمت معرضا بمتحف مدينة نينكبو بالصين سنة 2019، كانت تجربة ممتعة، ولوحاتي معروضة حاليا بالمتحف. خلال الجائحة سنة 2020، تواجدت بالمغرب، أقمت معرضين بالدار البيضاء، برواق ليفين فور آرت بدعوة من السيدة رجاء لحلو والأخر بموفينبيك.
- كيف تتشكل أعمالكم؟
أرسم لوحاتي كما الجداريات. فعندما كنت صغيرا، كنت أحب لمس الجداريات وأحس بملمس مادة التربة. فنحن خلقنا من المادة. لا أحب أن يأتي الزائر إلى المعرض للتعرف على العمل وعن اللوحات من مسافة بعيدة. بالعكس أقول لزواري عندما ينجذبوا إلى أي من أعمالي أن يلمسوا تلك اللوحة وأن يكون هنالك تفاعل معها. فلوحاتي ليست مسطحة، بل بها نتوءات وتضج بالحياة.
لوحاتي يجب أن تحس وتُلمس. أن يشعر الجمهور بها ويتعامل معها ويداعبها. أنا أحترم الفنانين الذين يرفضون أن تقع يد الزائر على لوحاتهم، لكن أنا عكسهم، أحب أن يستشف الزائر ما أرغب في التعبير عنه وأن يتعرف عن الشعور الذي أحسه من خلال لمسه للوحاتي كي تنتقل إليه تلك الطاقة الإيجابية التي تنبعث منها. فالمواد التي أشتغل عليها تسمح بذلك.
- اليوم نتحدث كثيرا عن الذكاء الاصطناعي. كيف وظفتم هذه التقنية في أعمالكم؟
بعد جائحة كورونا، تغيرت الأشياء وأصبحت حياتنا تعتمد على العالم الرقمي بشكل كبير. الجميع أصبح يتحدث عن الذكاء الاصطناعي. فحاولت أن أستغل هذا في المجال الفني، لكن في إطار جمالي. فلا يمكن العمل في هذا المجال بشكل اعتباطي، بل هنالك بحث وتجربة. وجدت نفسي في مجال الطباعة الرقمية التي أنشأت منذ البداية شركة لها. لدي تجربة وخبرة في الطباعة الرقمية وفنان تشكيلي يعمل على المادة سواء الصباغة أو الحبر أو الخشب أو مواد أخرى، وأتحكم في تشكيلها بكل تلقائية. إذن أخذت من هذا وذاك ومزجت الاثنين. في الغالب، الفنان لا تكون لديه دراية وتجربة بالطباعة الرقمية ومعالجة الصورة. أنا لدي هذه الميزة، فقررت أن أستغلها وأبدع شيئا جديدا. فاشتغلت على أعمال بالطباعة الرقمية والفن التجريدي من خلال المادة. وهذا ساعدني على إطلاق علامة جديدة أرغب في تطويرها مستقبلا، أسميتها ريزين غراف. وهذا الاسم يختصر المغزى منه. يعني كل ما هو فني وتشكيلي بالمادة الصمغية بما في ذلك النسيج واللوحات الفنية وورق الحائط المشخص وتغليف الجدار والأرضية والأثاث والأغراض اليومية من حقائب اليد والقبعات الصيفية وفناجين القهوة بصيغة ثلاثية الأبعاد. فمثلا نأخذ الصورة ونضيف إليها نتوءات تبعث فيها الحياة. بهذا نحصل على لوحة متفردة لا مثيل لها. فالطباعة الرقمية أصبحت أداة لتطوير العمل. وما دفعني لهذا هو أن العديد لجؤوا للطباعة الرقمية، فأصبحت الأعمال مبتذلة ومتكررة وضاعت قيمة اللوحة، لأنه لا يوجد بحث. وهنا يكمن دور وأهمية الذكاء الاصطناعي.
- هل هنالك تشخيص في الدعامة أم لا؟
لكل إبداع دعامته الخاصة به ولا يمكن تغييرها مخافة أن تفسد العملية الإبداعية. فمثلا، عندما نرغب في طباعة لوحة ما على دعامة من النسيج لا يمكن استخدام أي نوع من النسيج. بل هنالك نوع خاص من النسيج الصالح لهذه العملية والذي يزيد رونقا للوحة وهنا ابتكر نوع اسمه دي تي إف، وهي تقنية ونوع مبتكر يُمَكِّن من تشخيص أي لوحة على النسيج. كلما كثرة التفاصيل، التجأنا إلى الدعامة اللاصقة، أما إذا أردنا إعطاء الطباعة شكل اللوحة المرسومة فنعتمد على الريزين وهي التي تشكل الجانب الفني للعمل. فلكل موضوع دعامته.
ميزني كذلك هي أنني أهوى التصوير الفوتوغرافي. لدي بنك صور خاص بي به صور عبر العالم من خلال أسفاري وتنقلاتي في إفريقيا وآسيا وأوروبا. فأشكلها من خلال المعالجة الرقمية حسب المادة. فأنا أبحث دائما عن نوعية الدعامة التي سأشتغل عليها لأنها مهمة. لذلك فكرت في ريزين غراف. كذلك بالنسبة للنسيج، طورت تقنية أخرى للسترات لأن الشباب يحبون التغيير. ففي كل مرة يمكنهم تغيير خلفية اللباس دون تغيير السترة. ستكون للشخص لوحة فنية على ظهر ثوبه. الهدف هو أن يتمكن الشاب من تغيير مظهره وإضفاء نوع من الفن عليه والخروج من النمطية والروتين.
- اذن تعتمدون مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لإبداعاتكم، فالشباب مرتبطون بهذه المنصات؟
من قبل، لم أكن أهتم بالتواجد عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لكن مؤخرا أصبحت أُفْصِح عن بعض أعمالي بهذه المنصات حتى أشاركها مع أكبر عدد ممكن من الجمهور. وهو شكل من التأقلم مع وسائل التواصل الجديدة. الجمهور لم يعد ملزما بالتنقل للتعرف على المستجدات، بل جائحة كورونا جعلتنا نعتمد أكثر فأكثر على التعامل من خلال هذه التكنولوجيا. والحضور بهذه المنصات أصبح من الضروريات. فهي شرفة تمنح الجمهور إطلالة عن العمل وتحفزه للبحث عنه.
- الفنان كل لا يتجزأ. فكيف وظفتم كل مواهبكم؟
فهمت قصدكم. فعلا أعشق الفن بكل تجلياته، وكانت لي تجارب كممثل. بدأت العمل بالمجال في سن 13 سنة. بعدها وجدت نفسي أعشق الاشتغال بالمسرح. اشتغلت على مسرحيتين مع الفنانة أمل عيوش والمبدع نبيل لحلو. بعدها وجدت نفسي أشتغل بمسلسلات مثل شهرزاد رفقة الفنانة زينب عبيد التي وبكل تواضع كنت من شجعها على الخوض في المجال لأن لها موهبة فنية راقية. كان ذلك عندما التقيتها أول مرة في إطار تصوير أحد الإعلانات. ومن هذا المنبر أحييها. وشاركت في أفلام تحسيسية مثل فيلم ضد التدخين مع جمعية لالة سلمى وكان لي الدور الرئيسي. وأعمال أخرى عديدة، لكن لم أستمر لأن عملي كفنان تشكيلي يأخذ كل وقتي، فتوقفت لمدة. لكن مؤخرا، اشتغلت على فيديو كليب لأغنية شوفو الزين في دبي مع الفنانة اللبنانية المغربية ليلى فيللي ولله الحمد لقي نجاحا كبيرا. وأنا الآن مستعد للخوض في تجارب أخرى من العمل الفني.
- ما هي المشاريع التي تشتغل عليها الآن؟
من بين المستجدات، أشتغل حاليا مع زوجتي الفنانة التشكيلية إيمان لحلو الحاصلة كذلك على لقب سفيرة الفنون من الاكاديمية الأوروبية للفنون. أنا أعشق فنها. هي تشتغل على المسطحات والخطوط وأنا أهتم بالفن التجريدي والنتوءات. فاقترحت عليها الاشتغال على أعمال بأربعة أيدي. حررتها من هاجس الدقة والمثالية اللذين يتطلبان مجهودا جبارا. فكانت النتيجة أكثر من مرضية وأعجب بالتجربة كل من تعرف عليها وشاهدها. واعتمدناها في العديد من المشاريع التي نشتغل عليها لأن الجمهور طلبها بكثرة. وكان السيد منير لحلو أول من دعم هذا المشروع من خلال عرض اللوحات بقاعته التي تعد من الأماكن الثقافية ومحطة للقاءات الفنية للعديد من المبدعين. فهو متحف مصغر للأعمال الفنية. كما أعجبت بالفكرة وبالمنتوج السيدة تانيا الشرفي رئيسة رواق شركة أشغال البناء العامة في الدار البيضاء. ونحن الآن نشتغل على المشروع ونحاول تطويره للعرض بأروقة أكبر وأكثر.
كما أشتغل حاليا على معرض سأقيمه برواق وورك أند ليف في 15 من يوليوز. وهو معرض للفن التجريدي بطريقة جديدة ولن أفصح عن موضوعه الآن، سأتركه مفاجئة للجمهور الذي سيحضر.