حاوره عبد اللطيف بوجملة
ابلغ الاستعارات الممكنة و التي توصف حال قطاع المقاهي و المطاعم في المغرب بين مطارق تهوي على رؤوس أصحابها، باعتبارهم يزاولون نشاطا اقتصاديا، هو الأكبر من حيث القدرة على التشغيل وتوفير فرصه، فضلا عن حجم محترم في الاستثمار و مساهمة ضريبية مرتفعة.
تتنوع المطارق دون سندان، ودون سند من الحكومة، و تتوزع على نزيف في الإغلاق والإفلاس، وفي تسريح عشرات الآلاف من العاملين،و على تهاوي القدرة الشرائية للزبائن، واختلال المجال، وارتفاع أسعار المواد الأولية وعلى قائمتها البن فضلا عن استهداف دعم البوتان والمبالغ المستحقة لصندوق الضمان الاجتماعي و الضرائب .
يعرف قطاع المقاهي و المطاعم تطورات متسارعة، على الأقل منذ عقد من الزمن، وهو ما قاد إلى تطور غير مسبوق لعدد هذه المقاولات و الذي وصل إلى 250 ألف مقهى و مطعم، وهو الواقع الذي جعل من القطاع قوة غير عادية لا نظير لها من بين كل قطاعات الخدمات المشغلة بل و احد المحركات الأساسية للتنمية السوسيواقتصادية بالمغرب، إذ تشغل قرابة مليوني من اليد العاملة المباشرة، فضلا عن مناصب الشغل غير المباشرة. كما أن القطاع يعتبر من القطاعات الجاذبة للاستثمار والاستهلاك ومساهما أساسيا في الوعاء الضريبي والرسوم لفائدة الخزينة العمومية.
و لان القطاع يعرف مشاكل بنيوية قد تقود إلى خسارة و إفلاس العديد من مقاولاته نتيجة تعاطي الحكومة معه و لاسيما في ما يخص عدم قدرته على الوفاء بالاقتطاعات التي فرضها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مؤخرا و التي تراكم مبالغ مالية كبيرة تشمل المدة من سنة 2020 إلى سنة 2024، مما يهدد الكثير من هذه المقاولات الصغرى بشبح الإغلاق المحقق، فضلا عن ارتفاع فاتورة الطاقة و الضرائب دفعة واحدة، فإن جريدة المنعطف تستضيف الدكتور نور الدين الحراق رئيس الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي و المطاعم، أسوة بالعديد من منسقي الجامعة الجهويين، لإلقاء الضوء على تداعيات هذا الواقع في ظل تلكؤ حكومي بين و واضح يؤكده النزيف الجاري في القطاع.
بدءا، دخلت الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي و المطاعم في حوار اجتماعي مع الوزارة الوصية، لماذا هذا الحوار؟ و ما هي نتائجه لحدود اليوم؟
ليس المرة الأولى التي ندخل فيها في حوار مع الوزارة الوصية أو مع باقي الوزارات المعنية بالقطاع، فمنذ تأسيس الجمعية الوطنية لأرباب المقاهي و المطاعم بالمغرب قبل أن تتحول إلى جامعة وطنية فتحنا نقاشات عدة مع كل الوزارات المعنية كان عنوانه التمييز والثقل الجبائي ، كما عقدنا عدة لقاءات مع كل الفرق البرلمانية في المجلسين كان الغرض منها هو تصحيح العيوب القانونية التي يخضع لها قطاع المقاهي و المطاعم بالمغرب، استطعنا من خلال هاته اللقاءات تصحيح بعض المواد أهمها خفض ضريبة القيمة المضافة من 20 إلى 10 % ، و الإعفاء الجزئي من غرامات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغيرها من المكتسبات . إلا أن نتائج هاته الحوارات لحد الآن تبقى محدودة ، لازال القطاع يخضع لترسانة قانونية مجحفة أدت الى إفلاس عشرات الآلاف من الوحدات.
في إطار إعمال الدولة الاجتماعية فوجئ المهنيون بمناسبة صارمة من لدن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و خلف ذلك فرض مبالغ غير مسبوقة قد تؤدي إلى مزيد من نزيف الإغلاق و الإفلاس، هل تعتبرون هذا السلوك سليما على المستوى القانوني؟ و كيف تعالجون هذه المعضلة مع الصندوق؟ و ما هي الحلول التي اقترحت و ترضي جميع الأطراف؟
مباشرة بعد كورونا تضاعفت عمليات المراقبة من طرف مراقبي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أكثر من عشر مرات ، وتم استغلال العيوب القانونية التي تكلمنا عنها سابقا ، و بناء عليها توصل المهنيون بغرامات و ذعائر خيالية تفوق بكثير قدرة المهنيين على ٱدائها مما أدى إلى إفلاس عدد كبير من وحدات القطاع ، فحسب الدراسة التي قامت به الجامعة الوطنية في ثلاث جهات فقط جهة الدارالبيضاء سطات وجهة الرباط سلا القنيطرة و جهة فاس مكناس أغلقت حوالي 16000 وحدة ، ساهم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في إفلاس 40% منها .
بقدر ما رحبنا بمشروع الدولة الاجتماعية و تحقيق تغطية صحية شاملة للمغاربة عارضنا كجامعة وطنية طريقة تنزيل هذا المشروع، قد ينجح لفترة زمنية و لنا اليقين أن هذا النجاح لن يدوم طويلا . إنهم فقط يدمرون مقاولات و يعدمون المئات الألاف من اليد العاملة و ستكون الكلفة كبيرة .
نحن لا ننكر وجود عدد كبير من الأجراء خارج المنظومة الصحية و الاجتماعية ، و هذا أساسه خلل قانوني وجب تشخيصه و عدم مراعاة القانون للتباينات المجالية . و هو ما جعلنا نراسل عدة مرات وزارة الشغل و وضعنا مذكرة ذات مطالب آنية و استراتيجية ، و اقترحنا إعفاء كليا للذعائر و الغرامات ، و تقسيم أساس الدين على مدد تتناسب مع قدرة المهنيين. كنا اقترحنا ان تساهم الدولة ب50% من الاشتراكات الشهرية .
ما من مرة تؤكدون أن القطاع يعيش أزمة بنيوية و يشكل حالة الاستثناء على المستوى الضريبي، كيف؟ و ماذا تطالبون به كجامعة لمعالجة سليمة لهذه الوضعية؟
بالفعل أزمة القطاع هي أزمة بنيوية، فالإفلاسات الأخيرة التي عرفها القطاع سنة 2023 حسب الدراسة التي أنجزتها الجامعة الوطنية أكدت على أن هاته الأزمة مرتبط بعدة أنظمة ، النظام الضريبي والنظام الجبائي، والأنظمة الاجتماعية، يذكي هاته الأزمة غياب قانون منظم للقطاع مما فتح الباب على مصراعيه للقطاع العشوائي ببلادنا .
و شكلت هاته الأنظمة حالة الاستثناء مقارنة معا باقي الأنظمة في باقي دول العالم و حتى مقارنة مع القطاعات الأخرى ببلادنا ، فمثلا رسم المشروبات على المقاهي و المطاعم يصل 10% من رقم المعاملات سواء حققت ربحا أو خسارة ، و هو رسم يتفرد به النظام الجبائي المغربي . نفس الشيئ بالنسبة لرسم الاستغلال المؤقت للملك العام ، لم يضع القانون سقفا لهذا الرسم ، و فسح المجال للمزاجية في تحديد هذا الرسم ، فللمجلس الحق في أن يحدد 20 درهما للمتر المربع كل ثلاثة أشهر ، و للمجلس أيضا الحق في أن يحدده في 5000.00 درهم للمتر المربع في كل ثلاثة أشهر. مطلبنا منذ تأسيس هاته الجامعة هو تصحيح هاته الاختلالات القانونية .
تؤكدون وجود فراغ تشريعي يتجلى في تقادم القوانين و خروجها عن الزمن الراهن، فما هي وجوه هذا التقادم؟ و ما هي المقترحات التي تقدمونها لتجاوز هذه الوضعية الشاذة؟
إن أزمة القطاع بالدرجة الأولى هي أزمة تشريع ، و ظل معها القطاع لمدة طويلة يخضع لقوانين خارج الزمن ويستحيل تنزيلها على أرض الواقع ، مثلا، أساس احتساب الرسم المهني هو القيمة الكرائية ، و عندما تفوق القيمة الكرائية 40.000.00 درهم في الشهر الملزم عليه أن يؤدي سنويا 30% من مجموع 12 شهرا من القيمة الكرائية الشهرية. هذا الرسم تم إلغاؤه في الأنظمة الجبائية في كل دول العالم أخرها كانت فرنسا أنهت العمل به سنة 2010 .
وهذا ينطبق على عدة رسوم و الحيز المكاني لا يسمح بذكرها كلها .
وفي هذا الإطار قدمت الجامعة الوطنية مذكرة مفصلة في المنتدى المغربي للتجارة بمراكش والمناظرة الوطنية الثالثة للجبايات بالصخيرات وبشهادة الجميع كانت أهم الاقتراحات المقدمة في هاتين المناظرتين
تؤكدون انه تم تمرير قوانين و قرارات مجحفة و غير قابلة للتطبيق، فما هي هذه القوانين؟ و ما هي نتائجها و آثارها؟ و ماذا تقترحون لتعديلها؟
بالفعل في الثلاث سنوات الأخيرة تم تمرير قوانين و قرارات يستحيل تنزيلها، فرسم المساهمة المهنية الموحدة ، ربما كنا الوحيدين من عارضنا هذا الرسم ، فالجمع بين التغطية الصحية و الضريبة كان خطأ قانونيا فادحا. نجح هذا الأمر مع بعض القطاعات التجارية ، لكن مع أرباب المقاهي و المطاعم كان كارثة قانونية، ولتفسير أكثر لهذا العيب القانوني هو أن مسير مقهى شخص معنوي يؤدي 850.00 درهم كاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ويستفيد من التقاعد والتغطية الصحية، عكس المسير الشخص الذاتي في المقهى المجاورة يمكن أن يؤدي 1500.00 درهم في الشهر كمساهمة مهنية موحدة و يستفيد فقط من التغطية الصحية .وما عشناه على مستوى البرلمان نعيشه يوميا مع المجالس الجماعية ، فالعمدة السابقة لمدينة الرباط نقلت بين عشية و ضحاها رسم الاستغلال المؤقت للملك العام من 30 درهم الى525 درهم للمتر المربع كل ثلاث أشهر ، ونفس الحالة عشناها مع مجلس مدينة طنجة الذي نقل الاستغلال المؤقت للملك العام من 30 درهم إلى 1000.00 درهم للمتر المربع . هاته الأرقام طبعا يستحيل تنزيلها على أرض الواقع ، وكان لها أثرا كبيرا على القطاع في هاتين الجماعتين.
في ظل غياب تمثيلية برلمانية و مهنية لارباب المقاهي و المطاعم، فهل نفهم من ذلك أن الجامعة الوطنية تطالب بخوض هذه الاستحقاقات على غرار باقي الهيئات الوطنية الأخرى؟
من بين المعاناة التي نعانيها في القطاع هو غياب تمثيلية برلمانية و مؤسساتية له، حتى الغرف المهنية التي تمثل القطاع هي فقط مؤسسات استشارية فقط و دورها محدود جدا ، رغم المجهودات التي يبذلها بعض رؤساء الغرف .
نحن جامعة مهنية لا يمكن الولوج إلى هاته المؤسسات بطريقة مباشرة، لكن سنشجع كل الفروع الوطنية على العمل على هاته الواجهة، والولوج إلى الأحزاب السياسية بغض النظر إلى اللون ،لأننا جامعة مستقلة ولا لون سياسي لها .
وجود برلمانيين و مستشارين جماعيين من الجامعة الوطنية سيسهل علينا حل مجموعة من الإشكالات وتصحيح الكثير من العيوب القانونية .
تطالبون بإخراج قانون منظم للقطاع، تتأخر الوزارة الوصية في إخراجه، فما هي مقترحاتكم بشأنه؟ وهل تعتقدون انه سيرى النور؟
عقدنا عدة لقاءات مع وزارة الصناعة و التجارة ، سواء في عهد مولاي حفيظ العلمي او في عهد الوزير مزور ، و هي تعرف جيدا مشاكل القطاع ، تعمل الوزارة الحالية معنا جاهدة لحل هاته المشاكل ، إلا أن القطاع تتفرع مشاكله على عدة وزارات مما يعيق نوعا ما الاسراع لحل هاته المشاكل .
و آخر اجتماع كان لدينا مع الوزير مزور التزم فيه الأخير بتبني مشروع القانون المنظم للقطاع داخل الحكومة و مقترح القانون داخل فريقه، وكل الفرق الأخرى أكدت على تبنيه.
إذا تم اقتراح هذا المشروع أو هذا المقترح أكيد سينهي مشاكل القطاع ، لأن أصل كل هاته المعاناة هو غياب قانون منظم يضع حدودا معينة بين كل تجارة و تجارة ، وبالتالي سينهي القطاع العشوائي ببلادنا، لأن القانون سيحدد شروط صارمة تحدد من له الحق في بيع الطعام و المشروبات للزبناء ، كما سينهي المزاجية في تحديد الرسوم و المزاجية في التعامل مع الملك العام، لأنه سيحدد مساحة الاستغلال بناء على المسافة بين الرصيف و واجهة المحلات .