18, أكتوبر 2024

بمناسبة اليوم العالمي للأسرة قدمت جمعية أمل سلا بتنسيق مع مركز نون للأبحاث الدرامية والمسرحية والإستراتيجيات الثقافية مؤخرا بمركب التنشيط الفني والثقافي بسلا عرضا مسرحيا تحسيسيا من تأليف وإخراج المبدع كريم الفحل الشرقاوي بعنوان “الرهينة”. هذا العرض الفني التحسيسي الهام حاول تعرية ظاهرة خطيرة بدأت تنتشر في مجتمعنا المغربي ألا وهي ظاهرة زواج القاصرات بالرهن أو ما يعرف ب”زواج الكونطرا” الذي يعد تحايلا صريحا على مقتضيات مدونة الأسرة وسوقا للمتعة بالقاصرات يرقى إلى جرائم الإتجار بالبشر. وهو الأمر الذي أثار قلق الهيئات والجمعيات الحقوقية والنسائية خصوصا بعد أن اتسع نطاقه وازدهر نشاطه على يد السماسرة المحترفين وتجار الرقيق الجدد لتنتقل أعلى نسبة لظاهرة زواج الرهن من البوادي ومدن الهامش إلى المدن الكبرى كالدار البيضاء وسلا وغيرهما. فما هو زواج الرهن؟
زواج القاصرات بالرهن هو تحايل على القانون وقفز على سلطة قاضي الأسرة الذي يبث في أمر زواج القاصرات من خلال قيام الولي الشرعي للفتاة القاصر بتزويجها بالفاتحة عبر إبرام عقد سلف مع الزوج يتم بموجبه تسلم الأول من الثاني مبلغا ماليا كضمانة إلى حين بلوغ القاصر سن الرشد والعقد عليها شرعا من طرف الزوج. ومن ثم استعادة هذا الأخير لمبلغ السلف من الأب. غير أن الأغلبية الساحقة من الرجال المقبلين على “زواج الكونطرا” يمكن تصنيفهم إما ضمن فئة الكهول والشيوخ الذين ينشدون فقط الاستمتاع بالصغيرات لفترة “محدودة”. أو ضمن خانة الباحثين عن التعدد “القصير المدى” بهدف عدم إثارة نزاعات قضائية مع زوجاتهم. أو ضمن فئة المهاجرين بالخارج الذين يعمدون إلى الاستمتاع أثناء عطلهم الموسمية بالفتيات القاصرات. المنتسبون لهذه الخانات وغيرهم… غالبا ما يتذرعون بأسباب واهية للتخلص من الزوجة القاصر قبل بلوغها سن الرشد بتواطؤ مع السماسرة وتجار النخاسة الجديدة. لتجد المسكينة نفسها في الغالب إما أما عازبة فاقدة لحقوقها الشرعية أو طفلة مشردة تمتهن الدعارة والمهن الوضيعة.
يرصد العرض المسرحي شخصية “زهرة” وهي فتاة قروية قاصر لا يتجاوز سنها أربعة عشر ربيعا. هجرت حجرات الدراسة وهي ما تزال في المرحلة الابتدائية بسبب شطط والدها المتسلط. ورغم ذلك ستشتهر “زهرة” بين صويحباتها بموهبتها الفطرية في الرسم بمادة “الفاخر”. حيث غالبا ما كانت ترسم بشغف على جدران “الدوار” لوحات تحاكي جمال الطبيعة وفتنتها. ولكون عصا والدها غالبا ما كانت تتعقبها لتتوقف عن الرسم على الجدران إلا أن “زهرة” ستعمد للخروج بعد غروب الشمس لتملأ جدران القرية برسوماتها الفطرية الرائعة حتى لقبت من طرف الأهالي بعيشة قنديشة الرسامة .
وذات يوم سيزور والدها رجل خمسيني يعمل كسائق نقل الأشخاص (خطاف) ما بين المدينة والدوار اسمه “بوعزة” الشهير لدى ساكنة القرية ب “بوعزة الركزة” نسبة إلى شغفه الشديد بالرقص الشعبي في المواسم والأفراح والمناسبات الشعبية. هكذا سترصد عينا “بوعزة” بالصدفة “زهرة” وهي تلعب بجانب بيتها القروي فيثيره جمال صباها الفطري الأمر الذي سيدفعه لطلب يدها من والدها (سي لمفضل) مقترحا عليه “زواج الرهن” توجسا من اعتراض قاضي الأسرة. هكذا سيتم رهن الصبية البريئة وتفويتها لرجل كهل مدمن على المخدرات. الأمر الذي سيحول حياة الفتاة الصغيرة إلى جحيم لا يطاق. لتظل “زهرة” الذابلة على هذا الوضع المزري الى أن بدأت تظهر عليها الأعراض المبكرة للحمل وتحولت الطفلة القاصر إلى أم قبل الأوان . غريزة الأمومة ستوقظ داخل “زهرة” شرارة موهبتها الفطرية الموؤودة لتجد نفسها تلقائيا ترسم على صفحة جدار حجرتها البئيسة وجه “حنان” طفلتها الموعودة . حيث ستنخرط في مناجاتها والبوح لها بشجونها وأحلامها وآمالها في أن تصبح ذات مستقبل شخصية لامعة تنتشلها من بئر الحرمان وتعوضها عن سنوات الضياع. غير أنه في نهاية المطاف ستفاجأ زهرة بزوجها “بوعزة” وهو يخبرها بهجرته إلى إيطاليا بعد أن تحقق حلمه وحصل على عقد عمل هناك. لتجد “زهرة” نفسها أما عازبة عرضة للتيه والضياع.
لقد استطاع عرض “الرهينة” ومن خلال نص قوي يجمع ما بين المأساة والكوميديا الساخرة إبلاغ رسالته التحسيسية المؤثرة مستعينا برؤية فنية إخراجية تستحضر جماليات الصورة وبلاغتها الفنية ورهاناتها التقنية الأكثر نفاذا وتأثيرا على المتلقي.
ذ. حميد الرفالي

 

 

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version