23, ديسمبر 2024

ليلى خزيمة

 

تم خلال الندوة التي نظمت يوم الجمعة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 29، عرض مجموعة من الأعمال الترميمية التي باشرتها مجموعة من المهندسين وعلماء الآثار المغاربة والفلسطينيين بمجموعة من المناطق الفلسطينية من بينها أحياء بالقدس الشريف. الندوة جاءت امتدادا للقاء الذي نظم بمقر وكالة بيت مال القدس التابعة للجنة القدس، التي يترأسها جلالة الملك محمد السادس، والذي أسفر عن توقيع اتفاقيات جديدة لمشاريع في مجال الترميم والإعمار للمباني الأثرية في البلدة القديمة وبعض أحياء القدس، برسم مخطط عمل الوكالة لعام 2024 بشراكة وتعاون مع الجمعية المغربية لدعم الإعمار في فلسطين.

تتضمن هذه المشاريع 100 تدخل، موزعين على 10 عقارات في البلدة القديمة، وتشمل الأسطح، والمساحات الخضراء، والرطوبة، والأبواب، والجدران الاستنادية، وخمسة من العقارات والبيوت موزعة بأحياء القدس.وفي هذا الصدد، قال المدير المكلف بتسيير الوكالة محمد سالم الشرقاوي أن: «البرنامج يشمل، على الخصوص، الاهتمام بالمباني الأثرية في القدس التي تتطلب ترميما من خلال تدخلات موضعية لحماية العقارات بعد تصنيف مستوى الأضرار التي لحقت بها، وذلك بمراعاة الخصوصيات المعمارية والهندسية للمباني في البلدة القديمة… المشاريع تتضمن 100 تدخل، موزعة على 10 عقارات في البلدة القديمة. وتشمل الأسطح، والمساحات الخضراء، والرطوبة، والأبواب، والجدران الاستنادية، و5 من العقارات والبيوت موزعة بأحياء القدس، وتأهيل مداخل وساحات الحرم الجامعي التابعة لجامعة القدس ببيت حنين وبناء مصلحة اجتماعية للقرب بمبنى مستشفى جمعية المقاصد الخيرية في القدس».

حماية الموروث الثقافي والتاريخي الفلسطيني

ناقشت الندوة، البناء الأثري وخصوصية المعمار في القدس بحضور مجموعة من المتخصصين من بينهم المهندس إبراهيم الهنيدي رئيس جمعية المهندسين المعماريين الفلسطينيين والمهندسة شذى صافي مديرة مركز رواق وأمل أبو الهوى عن مؤسسة التعاون في القدس المهتمة بالمعمار الأثري الأصيل بالقدس والأستاذوالخبير العالمي محمد بوصالح مدير مركز التراث بورززات.

وفي مداخلتها، قالت مديرة مؤسسة رواق المهندسة شذى صافي: «عندما نتحدث عن الموروث الثقافي نتحدث عن بلدات قديمة ومراكز تاريخية في غالبها مهجورة ومستهدفة، وهي أساس الموروث الثقافي وأساس الهوية الفلسطينية» من جانبه، قال الأستاذ والخبير العالمي محمد بوصالح مدير مركز التراث بورززات: «اليوم أنا أقدم رؤية للتراث الفلسطيني والتراث المقدسي بنظرة مغربية. كان لنا شرف القيام بزيارة إلى بيت المقدس وإلى مدن تراثيةفي فلسطين كان لها دور كبير في تاريخ الإنسانية، بعد الزيارة التي قام بها أصدقاؤنا الفلسطينيون بالمغرب بكل من مدينة فاس والأحواض شبه الصحراوية الكبرى ومدينة الراشيدية وورزازات ومدينة مراكش. في الحقيقة هذه النظرة جاءت على إثر هذه الزيارة والعمل مع المهندسين والمسؤولين في فلسطين ثم على إثر الاجتماع الذي عقد بتونس نهاية شهر دجنبر من طرف مرصد التراث العمراني والمعماري للبلدان العربية والذي تم خلاله استعراض المشاكل والتدمير الذي يتعرض له المعمار العمراني لبعض الدول من بينها فلسطين، العراق، السودان وسوريا. فقد تم اجتثاث المعالم والمواقع الفلسطينية ومسحها من الخريطة. والامثلة عديدة منها ما هو ديني وما هو أثرى وما هو مؤسساتي من مساجد وكنائس وقرى ومتاحف ومكتبات».

أما أمل أبو الهوى، فقالت أنه: «لحماية الموروث، قامت مؤسسة التعاون بإنجاز خطة لإحياء البلدة القديمة بالقدس. هذه الخطة احتوت على دراسات كل في مجاله. فكانت هنالك دراسة في المباني التاريخية ودراسة في الوضع الاجتماعي وأخرى في الوضع الاقتصادي ودراسة في التحليل البيئي والانشائي. وكلها متكاملة لنتمكن بالخروج بتوصيات والعمل مع هذا السياق التاريخي الهام بشكل ممنهج وشكل شمولي مع تحديد الأولويات.وبالتأكيد لنعمل، كان هناك مخرجات وأول ما عملنا به هو الترميم. لكن نحن نؤمن أن الترميم ليس الهدف بل هو مجرد وسيلة… الهدف هو حماية الموروث الثقافي وإعادة إحياء الحرف التقليدية وحفظ الذاكرة والهوية والإحياء الاقتصادي للأحياء القديمة وتشغيل العمال والحرفيين حتى نخلق حركة داخل البلدة القديمة. ومنذ 1994 حتى الآن قمنا بترميم 950 وحدة سكنية و150 مؤسسة».

التوثيق محطة هامة للحفاظ على الموروث

تقول المهندسة شذى صافي: «بدأت مؤسسة رواق عملها من خلال توثيق المباني التاريخية في رحلة دامت عشر سنوات، وثقت خلالها خمسين ألف وثلاث مائة وعشرين مبنى تاريخي في منطقة القدس والضفة الغربية وغزة. وهذا العمل هو عمل رائع لأنه لم يكن لدينا سجل للمباني التاريخية. فعملنا فيما يسمى بفلسطين التاريخية التي تمتد بفلسطين الداخل والضفة الغربية والقدس وغزة أيضا من خلال التوثيق والمعرفة والإنتاج المعرفي. كما نركز على الإنتاج المعرفي، لأنه بلا معرفة وبلا كتب تتحدث عن الموروث الثقافي لا يمكن أن نتدخل ونرمم ونعيد الحياة. في الغالب، ما كتب عن فلسطين يكون بيد مستشرقين. بعملنا هذا نتحدث عن كتابة من خلال فلسطينيين. فلدينا الآن سلسة كتب تتحدث عن الموروث الثقافي الفلسطيني والأنماط المعملية، كتبت بأيدي كتاب ومؤرخين وباحثين فلسطينيين.» في حين أكدت أمل أبو الهوى أن: «التوثيق هو جزء مهم للحفاظ على الذاكرة والهوية لكي نسلمها للأجيال القادمة بكل صدق وأمانة. وهذا التوثيق هام جدا باستخدام أحدث التكنولوجيا ضمن قواعد بيانات ممنهجة». من جهته قال المهندس إبراهيم الهنيدي: «نحن بصدد إعداد كتاب عن دور المؤسسات المقدسية في القدس وكان من المفترض الإعلان عن الكتاب في هذا الحدث ولكن لظروف الحرب تعذر ذلك. الكتاب يحتوي على مواد علمية موثقة لدور مؤسسات رواق ومؤسسة التعاون ومؤسسات أخرى بالمغرب تعنى بالترميم داخل القدس».

البعد الإنساني والاجتماعي لمشروع الترميم وإعادة الاعمار

أكدت شذى صافي أنه: «خلال عملنا، نوفر أيضا فرص شغل لأيد عاملة وحرفيين فلسطينيين وفيه أيضا يتم خلق ما نسميه بنية تحتية ثقافية بديلة في الريف الفلسطيني. لسنا بحاجة إلى ملايين الدولارات وإنما المباني التاريخية بالقرى الفلسطينية هي البنية التحتية الثقافية البديلة. نعمل أيضا على تكوين وتدريب العمال والمهندسين والحرفيين والطلاب من خلال مختلف البرامج مع التركيز على الحرف التقليدية لأن فيها معرفة». الشيء الذي أكدته أمل أبو الهوى: «المكون الثاني الذي نعمل عليه هو التكوين وتدريب الطاقات من عمال ومهندسين وطلبة المدارس وربات البيوت لأنهن المؤثرات في عملية الحفاظ على هذا الموروث… فالمشاركة المجتمعية لطلاب المدارس وربات البيوت من خلال ما نقوم به من ورشات عمل للأطفال وفعاليات مع المجتمع المقدسي في البلدة القديمة مهم جدا، لأنهم هم الذين سيقومون بإكمال عملية الحفاظ وحتى نخلق قاعدة جماهرية متمكنة وقادرة على إتمام ما نقوم به من عمل. وهذا لا يقتصر على البلدة القديمة بل يشمل كذلك القرى المحيطة». من جانبه صرح إبراهيم الهنيدي: «تبنت الوكالة تدريب مجموعة من الطلاب بتعاون مع الهيئة الدولية للمهندسين المعماريين في مدينة فاس وإن شاء الله الدورة القادمة ستكون في شهر شتنبر من هذا العام. كما قامت الوكالة بترتيب زيارة للمهندسين والأساتذة الجامعيين من جامعة القدس للتعريف بالتجربة المغربية في الترميم وقمنا بندوة ومؤتمر بين مدينة فاس والقدس».

الصعوبات والتحديات

في مداخلتها خلال الندوة، تطرقت شذى صافي إلى صعوبات العمل الميداني: «بسبب محدودية وصولنا، نعمل فيزيائيا من خلال مشاريع الترميم في منطقة الضفة الغربية والريف المقدسي وغزة…وعندما نتحدث عن التحديات نتحدث عن التشرذم الجغرافي. فمن خلال هذا التحدي قررنا أن نخلق مشروعا وطنيا سمي بمشروع الخمسين قرية. وهو مشروع يعنى بترميم أهم 50 مركزا تاريخيا فلسطينيا. ومن خلال هذا المشروع نقوم بحماية 50 بالمائة من الموروث الثقافي في فلسطين ونحن اليوم في القرية رقم 20. وضمن هذه الرؤية أيضا جئنا بمشروع طوق النجاة الذي يعنى بالريف المقدسي الذي فقد علاقته بالقدس مثل قلانديا وكفر عقا».

في حين، أكد محمد سالم الشرقاوي على أنه: «رغم الصعوبات المحيطة بالقدس، تستمر الوكالة في تنفيذ مخطط عملها برسم سنة 2024، وذلك وفقا للرؤية الحكيمة للملك محمد السادس نصره الله، رئيس لجنة القدس، الذي يُوجِّه عمل الوكالة للاهتمام بالمشاريع الملموسة التي يعود أثرها على الفلسطينيين في القدس ومؤسساتهم».

أمثلة عن بعض المباني الاثرية التي تعرضت للتدمير

خلال هذه الندوة، تم عرض مجموعة من المعالم الأثرية التي طالها التدمير والتلف. فقد تحدث محمد بوصالح عن المسجد العُمري الذي يعود تاريخهإلى العصر المملوكي والذي تم تدميره بالكامل. فهذا المسجد مر بمراحل تاريخية متعددة، حيث كان كنيسة في العهد البيزنطي في القرن الخامس بعد الميلاد، ثم أصبح مسجدا في القرن الثامن بعد الميلاد. دمر خلال الحروب الصليبية في القرن 12 ليعاد بناء جزء كبير منه خلال هذه الحروب في عهد الدولة الأيوبية. وفي نهاية القرن 12 تم بناؤه بشكل كلي من طرف الدولة المملوكية. في القرن 20، تعرض المسجد مرة أخرى للتدمير خلال فترة الانتداب البريطاني ثم أعيد بناؤه، ليختفي كليا في نهاية 2023 تحديدا يوم 7 دجنبر على إثر العدوان الإسرائيلي: «فهذا المسجد لوحده يمثل ذاكرة مهمة بالنسبة للتراث الفلسطيني والانساني»، يقول الأستاذ محمد بوصالح الذي أعطى مثالا آخر بالميناء الأثري لغزة المدرج على لائحة التراث العالمي لليونسكو منذ 2011 والذي يعود تاريخه إلى 800 سنة قبل الميلاد. فهو مثال للموانئ الممتدة على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط والخط التجاري القديم الرابط بين أوروبا والشام خلال العصور الفينيقية والرومانية والهيليستية، ويتوفر على شواهد تاريخية أثرية تعكس التبادل الثقافي والاقتصادي والاجتماعي بين الشام وأوروبا: «وللأسف مسح هو كذلك من الخريطة الأثرية والتاريخية لفلسطين. والحي الأثري الذي يتواجد بمنطقة الزهراء جنوب مدينة غزة الذي يعود إلى العصر البرونزي أي 4500 سنة قبل الميلاد». ومن بين الآثار التاريخية التي وجب الحفاظ عليها كذلك: «أريحا، أَقْدَمُ تجمع في تاريخ الإنسانية اسْتَعْمَلَ التراب كمادة في بناء القرية آنذاك وهنالك شواهد تاريخية أثرية تم تأريخها تعود إلى 11 ألف سنة قبل الميلاد.  في هذا السياق اقترح علي بعض الأصدقاء من المركز الدولي للبنايات الطينية بغرونوبل أن أقوم بزيارة هذه الشواهد. فاكتشفت ما يسمى بالأجور المجفف الذي أنجز من طرف السكان منذ 11 ألف سنة قبل الميلاد والذي لازال قائما إلى يومنا هذا. وهناك مدينة القدس المدينة الحية التي نقرأ عبر جدرانها ومداخلها وأبوابها تاريخ الإنسانية».

وفي ختام الندوة، قالت أمل أبو الهوى أنه: «من خلال هذه اللقاءات نأمل في تظافر الجهود فيما بيننا وبين وكالة بيت مال القدس من أجل حماية موروث الثقافي والتاريخي للقدس. ونحن شاكرين للمملكة المغربية جهودها ومناصرتها ودعمها لنا في هذا الجهاد المتواصل لحماية الموروث التاريخي والثقافي في القدس».

 

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version