حاوره: عبد اللطيف بوجملة
في هذا الحوار مع الدكتور سعيد الكحل، احد المتخصصين في موضوع الإرهاب و الإسلام السياسي بالمغرب تقييم للمقاربة المغربية الشاملة لمحاربة الإرهاب ومواجهة التنظيمات الإرهابية و التي تتميز على حد قوله بالاستباق والشمول، و هو ما مكنه من تحسين مراتبه في مؤشر الإرهاب العالمي. من جانب آخر يعتبر المحاور أن إفريقيا عموما، ومنطقة الساحل والصحراء على وجه التحديد، تواجه خطرا حقيقيا للإرهاب بعد أن كثفت التنظيمات الإرهابية عملياتها، بينما القوى الدولية تتنافس في استغلال ونهب خيرات الدول الإفريقية و تتلكأ في تأهيل جيوش الدول التي يستهدفها الإرهاب وتسليحها رغم التعهدات.
وعلى المستوى الإقليمي، يرى الدكتور سعيد الكحل ان الأدوار التي تلعبها الجزائر وإيران والبوليساريو في دعم الإرهاب، لم تعد خافية، إذ نبهت مجموعة من التقارير الدولية إلى الأدوار الإرهابية التي أصبحت تلعبها جبهة البوليساريو في المنطقة، من اتجار بالبشر وتلقي الدعم والتدريب من الجماعات الإرهابية بالساحل الإفريقي…
- حسب Global terrorism index في نسخة السنة الماضية، صعد المغرب سبع مراتب ضمن فئة الدول ضعيفة التهديد الإرهابي( المرتبة 83) ، هل برأيكم ستتحسن هذه المرتبة خلال السنة الجارية؟ و ما هي الأسباب التي مكنته من ذلك؟
تمكن المغرب، بفضل جهود الأجهزة الأمنية ويقظتها وما راكمته من خبرات في رصد وتفكيك الخلايا الإرهابية، وكذا المقاربة الاستباقية والشمولية التي اعتمدها في محاربة التطرف ومواجهة التنظيمات الإرهابية، من تحسين مراتبه في مؤشر الإرهاب العالمي. وهو تحسن ملموس ومضطرد تعكسه التقارير السنوية “لمعهد الاقتصاد والسلام”. فإذا كان التقرير لسنتي 2022 و 2023 قد صنف المغرب ضمن البلدان ذات “التهديد الإرهابي المنخفض جدا”، فإن التقرير الصادر عن ذات المعهد لهذه السنة (2024) يصنفه في الرتبة 89 بحصوله على نقطة الصفر؛ وهو ما يجعله ضمن الدول التي لا تواجه أي تهديدات إرهابية على المستوى العالمي. ولم يأت هذا الإنجاز اعتباطا، بل ثمرة جهود جبارة وحنكة مشهود بها، دوليا، للأجهزة الأمنية. الأمر الذي جعل التجربة المغربية في محاربة التطرف والإرهاب نموذجا يحتذى به من طرف كثير من الدول الصديقة والشقيقة. وبفضل تلك التجربة والحنكة تمكنت الأجهزة الأمنية المغربية من تجنيب عدد من الدول حمامات دم وإفشال مخططات تخريبية أعدتها تنظيمات إرهابية أو ذئاب منفردة. فالمغرب يدرك جيدا هذه المخاطر ويتعامل، بكل جدية وصرامة، مع التنظيمات الإرهابية التي ظلت تخطط لاستهداف أمنه وسلامة مواطنيه. ولعل المعطيات التي قدمها السيد الشرقاوي حبوب، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، في ندوة صحافية بتاريخ 17 مارس 2023، تثبت جدية وفعالية الأجهزة الأمنية المغربية في التصدي لخطر الإرهاب وتفكيك خلاياه؛ بحيث تم تفكيك، منذ إنشاء (BCIJ) سنة 2015 إلى حدود تاريخ عقد الندوة: 91 خلية (85 تابعة لداعش)، منها 21 خلية (سنة 2015)، 19 خلية (سنة 2016)، 9 خلايا (2017)، 11 خلية (سنة 2018)، 14 خلية (سنة 2019)، و8 خلايا (سنة 2020)، و4 خلايا (سنة 2021)، وخليتان (سنة 2022)، و3 خلايا (سنة 2023).
-يعتبر التقرير ذاته، في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ان مصر وليبيا والجزائر، فضلا عن بوركينا فاسو، هي دول تشهد قوة في التهديدات الارهابية، برأيكم ما هي اسباب ذلك؟ وكيف سيؤثر هذا الخطر المتنامي على المغرب وعلى الساحل والصحراء وغرب افريقيا؟ وكيف يمكن مواجهته؟
ــ بالفعل صنف التقرير مصر وليبيا والجزائر وبوركينافاسو ضمن الدول التي تواجه خطر الإرهاب: مثلا الجزائر في الرتبة 39، ليبيا الرتبة 44، أي وضعهما ضمن الدول التي تواجه مخاطر إرهابية “منخفضة”؛ بينما مصر فتم تصنيفها ضمن الدول التي تواجه مخاطر إرهابية “متوسطة”، إذ احتلت المرتبة 16 عام 2023، لتتقدم في الترتيب حيت احتلت في تقرير 2024، الرتبة 20 في قائمة الدول المتأثرة بالإرهاب. وهذا أحسن ترتيب احتلته مصر منذ بداية التقرير في 2014. فقد كانت مصر سنة 2018 في المرتبة التاسعة من ضمن الدول العشرة الأكثر تأثرا بالإرهاب في العالم.
أما بوركينافاسو فتحتل المرتبة الأولىضمن الدول العشرة الأكثر تأثرًا بالإرهاب خلال الثلاث سنوات الأخيرة على التوالي بسبب حدة الهجمات الإرهابية وخطورتها وعدد الضحايا ( 1907 قتيل سنة 2022،بزيادة قدرها 68% عن سنة 2021.في سنة 2023 بلغ عدد القتلى 1132).
أنتم تعرفون مدى شساعة منطقة الساحل والصحراء (9 ملايين كلم مربع) وهشاشة دول المنطقة والضعف الذي تعاني منه على مستوى التسليح والتدريب واللوجيستيك ومراقبة الحدود وبسط السيادة على التراب الوطني. فدول الساحل عاجزة كليا عن بسط نفوذها على كامل ترابها الوطني (بوركينافاسو مثلا تسيطر فقط على 60 % من مجموع أراضيها. الأمر الذي يجعل الجزء المهم الغني بالذهب خارج سيطرة الدولة. كلها عوامل تستغلها التنظيمات الإرهابية لبسط سيطرتها على المنطقة والتغلغل في مناطق أخرى من إفريقيا. فالجماعات الإرهابية تمكنت خلال الفترة من 2007 حتى 2022 من شن (6408) هجومًا إرهابيًّا أسفر عن مقتل (22074) شخصًا.أما مالي فتحتل الرتبة الثالثة بعد أن كانت تحتل المرتبة الرابعة سنة 2023؛ والنيجر الرتبة العاشرة للعام الثاني على التوالي. في الترتيب العاشر لهذه القائمة. وزاد من تعقيد وضعية هذه الدول الصراعات الإثنية والانقلابات العسكرية (بين 2020 و 2023 شهدت القارة الإفريقية 20 محاولة انقلاب).
إن إفريقيا عموما ومنطقة الساحل والصحراء تواجه خطرا حقيقيا للإرهاب بعد أن كثفت التنظيمات الإرهابية عملياتها، حيث ارتفعت الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو من (224) خلال 2021 إلى (310) خلال 2022، وارتفعت كذلك معدلات الوفيات خلال 2022 بنسبة (50%)، وشهد المثلث الحدودي مع بوركينا فاسو أكبر عدد من العمليات الإرهابية، بما يعادل (71%) من إجمالي هجمات 2022، ومن بين (1135) حالة وفاة في بوركينا فاسو، حدث (448) حالة في منطق المثلث الحدودي.
واضطرت الحكومة البوركينابية إلى إغلاق المدارس بسبب نشاط الجماعات الإرهابية (أغلقت 4651 مدرسة في أكتوبر 2022، وكان عدد المدارس المغلقة في مايو 2022، قد بلغ 258 مدرسة، وهو ما يمثل 20 % من جميع الهياكل التعليمية بالبلاد). وجدير بالذكر أن إغلاق المدارس في بوركينا فاسو يؤثر على 708341 طالبًا، وفقًا للاتحاد الوطني لمعلمي التعليم الثانوي والعالي (SNESS). وما يزيد من خطورة التنظيمات الإرهابية، سيطرتها على الموارد الطبيعية التي تستغل عائداتها في تجنيد المقاتلين وشراء الأسلحة. وهنا نستحضر تجربة بوكو حرام في غربي أفريقيا التي تستفيد من الاتجار في الأخشاب والكاكاو وتهريب الحيوانات البرية وتعدين الذهب الذي أصبح مصدرًا مهمًا لدخل داعش في أفريقيا.
وامتد الإرهاب إلى وسط إفريقيا وشرقها حيث عرفت موزمبيق والصومال أعلى نسبة في عدد العمليات الإرهابية، إذ تضاعفت خلال الفترة بين 2012 و 2022 بـ 40 ضعفا في موزمبيق؛ بينما بلغت نسبة الزيادة في الصومال(96%) خلال الفترة من 2013 حتى 2022.
في ظل هذه الظروف يعمل المغرب على الرفع من مستوى التنسيق مع الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة داعش، وكذا تبادل الخبرات والإشراف على تدريب الفرق العسكرية والأمنية بعدد من الدول الإفريقية الصديقة. ويدخل ضمن الرفع من جاهزية القوات المسلحة الملكية، المناورات العسكرية التي يشارك فيها المغرب، ومنها مناورات الأسد الإفريقي التي تجري سنويا بالأقاليم الجنوبية للمملكة. كما ينهج المغرب، إلى جانب المقاربة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، المقاربة الدينية من خلال الإشراف على تكوين الأئمة الأفارقة لمواجهة عقائد التطرف والتكفير ونشر تعاليم الإسلام المعتدل ونبذ العنف والكراهية. فضلا عن هذا يحرص المغرب على إقامة علاقات اقتصادية ومشاريع تنموية على قاعدة رابح-رابح، لأنه يدرك أن الإرهابيين يستغلون الأوضاع الاجتماعية الصعبة للسكان في الاستقطاب والتجنيد. ولعل المبادرة الملكية بفتح ممر لدول الساحل للوصول إلى المحيط الأطلسي تدخل ضمن هذه المقاربة الشمولية لمواجهة التطرف والإرهاب.
- يشتمل الارهاب على المستوى الدولي على تهديدات معقدة برأيكم هل تكفي المقاربة الأمنية التقليدية لتحديد هوية الإرهابي لمنع نشاطه وتقويضه؟ ام نحتاج اليوم إلى مقاربات اخرى؟
لقد أثبت الحرب على الإرهاب خلال العقد الأخير أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي لأنها لا تتصدى لجذور الإرهاب الفكرية. فالمقاربة الأمنية تتعامل مع النتائج دون الأسباب الفكرية. لهذا عجزت عن تجفيف منابع الإرهاب الفكرية. ذلك أن قتل العناصر الإرهابية أو اعتقالها لا يعني اعتقال عقائد الإرهاب وفقه التكفير والتحريض على الجهاد. فالجهود الدولية ركزت على المقاربة الأمنية والعسكرية فقط في محاربة الإرهاب، بينما المنابع الفكرية ظلت نشطت، بل تزايد نشاطها مع الاستعمال الواسع لشبكة الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي. وقد نجحت التنظيمات الإرهابية في استقطاب عشرات الآلاف بمن فيهم القاصرين، من مختلف دول العالم، وعلى رأسها الدول الأوروبية وأمريكا وأستراليا، ولم يكن ضحايا الاستقطاب يعانون الفقر أو البطالة. الأمر الذي يفرض على المجموعة الدولية تغيير إستراتيجيتها في الحرب على الإرهاب وذلك بالتصدي لمنابعه الفكرية والمالية. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا، واحدة من أفضل الطرق وأكثرها جاذبية للجماعات الإرهابية وللمنظمات المتطرفة، لنشر الأفكار، وتكوين الأتباع الجدد، والتواصل مع الآخرين بشكل دائم وآمن.
وتشير أحدث الإحصائيات العالمية حول مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن هناك (4.48 مليارات) مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي حول العالم حتى يوليو 2021، أي ما يقرب من (57%) من إجمالي عدد سكان العالم. لهذا تركز التنظيمات الإرهابية على التواجد في مواقع التواصل الاجتماعي. فبحسبخبير الإرهاب الإلكتروني،”إيفان هولمان” فإن 90% من النشاط الإرهابي على الإنترنت، يحدث من خلال الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي. هنا تظهر الحاجة الماسة إلى وضع القوانين وتشريعات تحارب الإرهاب والتطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تأهيل الأجهزة الأمنية ورفع كفاءتها من أجل التعامل مع إرهابي وسائل التواصل الاجتماعي وإخضاعها للتدريب وبناء القدرات.
نحن، إذن، أمام تنظيمات إرهابية تزداد قوة وعتادا وتتمدد عبر المناطق الغنية بالنفط والغاز والمعادن النفيسة رغم كل الجهود المزعومة لمحاربتها، وقوى دولية تتنافس في استغلال ونهب خيرات الدول الإفريقية. من هنا يمكن فهم تلكؤالدول الغربية في تأهيل جيوش الدول التي يستهدفها الإرهاب وتسليحها رغم التعهدات بذلك حتى إن أكثر من رئيس إفريقي انتقد عدم الالتزام هذا. ففي مالي مثلا، كانت التنظيمات الإرهابية، سنة 2012، تسيطر على 20 % من مساحة البلاد؛ لكن بعد التدخل العسكري الفرنسي صارت تسيطر على 80 %. وتستغل روسيا وضعية الهشاشة وضعف تسليح دول الساحل لدعمها بالسلاح بدون شروط مشددة كما تفعل الدول الأوربية، وبأثمنة منخفضة تتحملها الميزانية العامة للدول الإفريقية بما يقل 11 مرة عن الأسعار الفرنسية. طبعا فرنسا لا تريد لدول الساحل والصحراء أن تمتلك السلاح الفعال لمواجهة خطر الإرهاب، لهذا ترفض تزويدها مثلا بمروحيات حربية، كما هو الحال لمالي التي لم تحصل على هذا النوع من الطائرات الحربية طيلة تسع سنوات من التواجد الفرنسي، بينما حصلت عليها من روسيا. وضعية باتت ترفضها شعوب دول الساحل مثل مالي، تشاد وبوركينافاسو التي خرج مواطنوها رافعين الأعلام الروسية، يوم 12 غشت 2022، في مظاهرات غاضبة تطالب بإنهاء الوجود الفرنسي. إنها حرب من أجل الإرهاب لا عليه.
إن مواجهة التطرف والإرهاب تتطلب مقاربة شمولية وجهود دولية مكثفة تركز أساسا على:
ـ تأهيل جيوش دول الساحل وتزويدها بالأسلحة والمعدات القادرة على صد هجمات الإرهابيين ومراقبة تحركاتهم.
ـ وقف استنزاف الثروات وتوجيه عائداتها لفائدة الساكنة.
ـ الضغط على الأنظمة الحاكمة لاعتماد الحكامة والتوزيع العادل للثروات وتطويق النزاعات حول الماء والمرعى حتى يستغلها الإرهابيون في الاستقطاب والتجنيد وتأجيج حركات التمرد.
ـ وقف الدعم الخارجي لحركات التمرد والانفصال التي سرعان ما تتحالف مع التنظيمات الإرهابية.
ـ تجفيف المنابع الفكرية والمالية والإعلامية للتطرف والتحريض على التكفير والكراهية والقتل باسم الجهاد وإغلاق المواقع الالكترونية المروِّجة والمشيدة وحذف المحتويات ذات الصلة وتجريم الإفتاء بالتكفير والتحريض على الكراهية ونشر محتوياتهما أو الترويج لهما في التشريعات الوطنية والدولية.
ـ ترحيل المتورطين في أعمال أو مخططات إرهابية إلى عدالة دولهم الأصلية وعدم توفير الحماية لهم. فحماية المتطرفين حماية للتطرف ومساعدتهم على نشره والترويج له.
ـ حل النزاعات على الحدود بين الدول الإفريقية حتى لا تستغلها التنظيمات المتطرفة وحركات التمرد والانفصال وتزيد من هشاشة الوضع الأمني.
- تعتبر مجموعة التركيز الافريقية التابعة للتحالف الدولي لمواجهة داعش، الدواعش كمجموعات تابعة لداعش ما تزال تشكل تهديدا مستمرا لشعوب غرب أفريقيا، فهل تتفقون مع هذا الطرح؟ واي دور للبوليساريو والجزائر وإيران؟
مما لا شك فيه، وكما تكشف عنه التقارير الدولية والاستخباراتية، فإن داعش والتنظيمات المرتبطة به زاد نفوذها وتعاظم خطرها في منطقة الساحل والصحراء، خصوصا بعد انهيار خلافته المزعومة في العراق وسوريا تحت ضربات دول التحالف، فانتقلت أعداد كثيرة من عناصره إلى هذه المنطقة من إفريقيا. ونتج عن هذا الالتحاق ثم التحالف مع تنظيمات محلية متطرفة أو جماعات مسلحة متمردة، أن منطقة غرب أفريقيا سجلت أكثر من 1800 هجوم في الأشهر الستة الأولى من عام 2023، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 4600 شخص وما يقرب من 6.2 مليون نازح داخليا. وشهدت الفترة من يناير إلى 30 يونيو 2023، وقوع 2725 هجوماً في بوركينا فاسو، و844 في مالي، و77 في النيجر، و70 هجوماً في نيجيريا، أدت جميعها إلى مقتل 4593 شخصاً. الأمر الذي جعل دول الساحل تشهد سقوط 43% من مجموع قتلى الإرهاب في العالم بعدما كانت النسبة لا تتجاوز 1 % سنة 2007. وكشف تقرير مؤشر الإرهاب العالمي2023، أن بوركينا فاسو ومالي سجلتا معا 73% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب في منطقة الساحل في عام 2022، ونسبة 52٪ من مجموع قتلى الإرهاب في إفريقيا. وبذلك تم تصنيف منطقة الساحل الأفريقي كأخطر البؤر الإرهابية في العالم؛ إذ كشف تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023، عن زيادة بنسبة 50 % في الوفيات عام 2022، كما ارتفعت العمليات الإرهابية في المنطقة بأكثر من 2000 % خلال السنوات الـ 15 الماضية.وجاء في النسخة العاشرة من مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2023 أن النيجر تعد الأكثر تضرراً من الإرهاب على مستوى العالم، فحدودها الشمالية تواجه مخاطر تمدد العناصر المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وخطر تنظيم «داعش» الذي ينشط على حدودها الشمالية الشرقية، كما تواجه تهديد جماعة «بوكو حرام» الممتدة على طول حدودها الجنوبية الشرقية مع تشاد ونيجيريا.
أما بخصوص الأدوار التي تلعبها الجزائر وإيران والبوليساريو في دعم الإرهاب، فلم تعد خافية، إذ نبهت مجموعة من التقارير الدولية إلى الأدوار الإرهابية التي أصبحت تلعبها جبهة البوليساريو في المنطقة، من اتجار بالبشر وتلقي الدعم والتدريب من الجماعات الإرهابية بالساحل الإفريقي. وسبق للمغرب أن أكد في أكثر من مناسبة، العلاقة بين الإرهاب والانفصال في إفريقيا.ومعلوم أن قادة إمارة الصحراء: عبد الحميد أبو زيد، ويحيى جوادي ومختار بلمختار (بلعور)، مرتبطون بدائرة الاستعلام والأمن الجزائري، وأن عدنان أبو وليد الصحراوي زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، كان عضوا بارزا في البوليساريو. وتأكيدا لهذه العلاقة، نشر داعش، في شريط مرئي، صور مقتل أربعة من قيادييه خلال فترات سابقة، ويتعلق الأمر بكل من أبو الوليد الصحراوي وعبد الرحمان الصحراوي وعيسى الصحراوي وعبد الحكيم الصحراوي وهؤلاء جميعهم كانوا عناصر نشطة داخل البوليساريو. ولا يخفى عليكم أن الجزائر سعت، باستمرار، إلى حماية إرهابيي القاعدة من الطائرات الحربية الفرنسية والأمريكية مقابل عدم مهاجمتهم لحقول النفط في جنوب الجزائر والاستثمارات النفطية لشركة “سوناطراك” الجزائرية في شمال مالي. ففي شهر نوفمبر 2009، أكد عضو بفريق رصد تنظيم القاعدة وحركة طالبان التابع للأمم المتحدة، ريتشارد باريت، أن إطلاق جبهة الصحراء والساحل ضمن ما تسمى بالحرب العالمية على الإرهاب وما تبع ذلك من توطيد تنظيم القاعدة وجوده في المنطقة، أمران مفتعلان بتنفيذ جهاز المخابرات العسكرية الجزائرية(دائرة الأمن والاستعلام DRS)وتواطؤ الولايات المتحدة الأمريكية.
واعتبارا لنزعات الهيمنة لدى حكام الجزائر وإيران، فقد فتحت الجزائر ترابها لعناصر حزب الله اللبناني لتدريب البوليساريو بتوجيه ودعم من إيران التي زودت البوليساريو بالأسلحة والصواريخ. فكلا النظامان يسعيان إلى محاصرة المغرب عن عمقه الإفريقي حتى لا يكون المنافس الكبير لهما وهو الذي يريد أن تكون إفريقيا للأفارقة.
كما أثبتت الوقائع تورط إيران في تسليح وتمويل ودعم وتدريب عناصر التنظيمات الانفصالية والإرهابية بإفريقيا، عبر فيلق القدس من خلال الوحدة رقم 400 سواء لفائدة البوليساريو أو خلية سرايا الزهراء بجمهورية إفريقيا الوسطى أو الحركة الإسلامية في نيجيريا أو تشكيل ودعم الخلايا المتطرفة في غانا والكونغو والنيجر، بالإضافة الى الدعم الكبير لحركة الشباب الصومالية. وسبق لأجهزة الأمن الصومالية أن ضبطت أسلحة ومتفجرات وأجهزة كيميائية إيرانية الصنع في مناطق خاضعة لسيطرة حركة الشباب. كما تم رصد عمليات صيد للسفن الإيرانية في المياه الإقليمية الصومالية، دون الحصول على تراخيص من الجهات الرسمية في الصومال بتواطؤ من حركة الشباب التي تصدّر الفحم غير المشروع إلى الموانئ الإيرانية. واستطاعت حركة الشباب الحصول على الطائرات المسيرة بفضل الدعم الإيراني، مما جعلها أول حركة إرهابية تستعمل طائرات درون لمهاجمة أهدافها. وهناك أطراف دولية أخرى متواطئة مع التنظيمات الإرهابية. ففي تقرير للأمم المتحدة، في فبراير 2021، تمت الإشارة إلى دور روسي في دعم جبهة “التغيير والوفاق” التشادية التي تدرب عناصرها على يد “فاغنر” الروسية في ليبيا قبل مقتل الرئيس تشادي إدريس ديبي. وخلال مؤتمر صحفي بتاريخ 23 ماي 2017، تم عرض كمية الأسلحة ونوعيتها التي تم ضبطها من قبل الجمارك النيجيرية بمرفأ لاغوس، والتي مصدرها “الولايات المتحدة، وإيطاليا، ولكن بصورة رئيسية تركيا”. كما سبق للسيد ناصر بوريطة، خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع التحالف الدولي ضد “داعش” (ماي 2022) أن نبّه إلى كون “منطقة الساحل بإفريقيا هي موطن الجماعات الإسلامية الأسرع نموا والأكثر فتكا في العالم”، لدرجة أن “48 بالمائة من الوفيات بسبب الإرهاب كانت بإفريقيا جنوب الصحراء عام 2021”.