18, أكتوبر 2024

 

ليلى خزيمة

تمتلك مدينة تطوان إرثا ثقافيا عريقا، وذلك نظرا لارتباط جذورها بالثقافة الأندلسية وتأثرها بها.فهي تمتاز بوجود عدد كبير من المكتبات العامة، والمتاحف، والمراكز الدولية للغات، والمعاهد الثقافية، مثل مركز تطوان الثقافي ومركز الفن الحديث. كما تحتضن مقرات لعدد من الجامعات والمدارس العريقة، مثل المدرسة الوطنية للحِرف والفنون.فقد مثلتنقطة اتصال بين تاريخ المغرب والأندلس في العصر الإسلامي، منذ القرن الثامنالميلادي، ويتضح ذلك من خلال الفن والعمارة. زخم ثقافي وحضاري ألهم أحد أبنائها بالتوثيق لمسارها التطوري عبر الصور والذكريات، فافتتح متحفا في واحدة من مبانيها ذات الطابع المعماري التقليدي المتفرد أطلق عليه اسم متحف دار العدي.

في سنة 2011، تغير مصير دار العدي،الكائن في قلب المدينة العتيقة، من فضاء مهجورإلى فضاء ثقافي يروي حكاية مدينة. فقد قام أحد أحفاد مؤسس الدار من انتشاله من حالة التدهور التي كان يعرفها منذ إغلاقه في تسعينيات القرن الماضي.ليصبح فضاء يعبر عن ثقافة وحضارة وإبداع الإنسان المغربي، كما يقدم لمحة عن تاريخ مدينة تطوان المصنفة ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي.تم افتتاح متحف دار العدي سنة 2018 وعرض مجموعة من الصور لمدينة تطوان خلال الفترة ما بين 1525-1955

فضاء المتحف

بُني المنزل العتيق الذي يحتضن متحف دار العديفي عشرينيات القرن الماضي بمدينة تطوان في قلب المدينة العتيقة قرب الجامع الكبير. ظل المبنى مهجورا لأكثر من عشرين عاما، تعرض خلالها لتلف وتدهور كبير، مما احْتيجَمعه الكثير من المجهودات حتى تعود إليه الحياة. ولتأهيله ليصبح مبنى قابلا لاحتضان فضاء ثقافي مشع يكون بمثابة اطلالات على تاريخ المدينة، تطلب الأمر سنتين كاملتين. فتم ترميمه على يد صناع وحرفيين ماهرين سهروا على صون ثروته المعمارية والزخرفية.وهمت الأشغال ترميم الخشب والأبواب وشبابيك النوافذ، والحفاظ على الزليج، وإعادة بناء الأسقف والجدران المتلاشية، مع مراعاة التغيرات الجذرية، لكي يؤدي هذا الفضاء وظيفته الجديدة المتمثلة في تقديم إطلالات على تطوان على مر التاريخ. وقد صرح وزير الثقافة آنذاك السيد محمد الأعرج على أن هذا المنزل من الفضاءات العريقة التي تعبر عن ثقافة وحضارة وإبداع الإنسان المغربي، كما تقدم لمحة عن تاريخ مدينة تطوان المصنفة ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي، موضحا أن هذا الفضاء يبرز لأجيال المستقبل مكانة تطوان وتاريخها الإنساني العالمي:«هذا حدث مهم جاء بمبادرة من القطاع الخاص في إطار حماية وتثمين الموروث الثقافي الوطني خصوصا المحلي. اليوم، نشهد حدثا مهما يتعلق بالذاكرة الجماعية لمدينة تطوان. ونستحضر من خلال هذا المتحف التراث العالمي الإنساني لمدينة تطوان،فهو يعبر عن تاريخ هذه المدينة وعن هندستها. وبالتالي فهو حدث ثقافي له أهميته وله راهنيته بالنظر للأبعاد والدلالات التي يعبر عنها هذا المتحف.»

يقدم المتحف إطلالات ولمحات تاريخية على التراث المادي واللامادي لمدينة تطوان من خلال عدد من الصور والوثائق واللوحات التي اتخذت من المدينة موضوعا لها والتي تعود إلى الفترة ما بين القرن السادس عشر إلى نهاية القرن العشرين.

وقد بلغت تكلفة الاشغال 5 ملايين درهم. وهي استثمارات شملت البناية وما تضمنته الدار من تحف في شتى أشكالها. وهو استثمار ثقافي وجمالي غير نفعي يبتغي من خلال رسوم الدخول الرمزية استمرار البناية مفتوحة أمام عشاق مدينة تطوان وتاريخها.وقد استعان مؤسس المتحفبتقنيات عالية من أجل استعمالها وبالتالي شراء حقوق عرضها وفقا للشروط والمعايير الدولية.

محتوى المتحف

يشغل فضاء متحفدار العدي مساحة 200 متر مربع مغطاة، تحتضن ثلاثة أروقة. أولها رواق المعرض ويحتل بطابقيه الاثنين حوالي تسعين في المائة من المساحة الاجمالية للفضاء. وهو فضاء لعرض صور ولوحات مدينة تطوان من خلال عنوان اطلالات على تطوان بين القرنين 16 و20 . تتوزع المعروضات عبر سبع قاعات وتتطرق لمواضيع مختلفة. تضم القاعة الأولى صور ضواحي المدينة بجبالها وسهولها وأوديتها مبرزة أيضا الاسوار التي تحصنها. فيما تضم القاعة الثانية أبواب وأزقة المدينة. وتختص القاعة الثالثة في عرض الأماكن العتيقة التي تجلب السياح للمدينة كالقصبة والصوامع والمقبرة والمقاهي والمنازل. في حين تبرز القاعة الرابعة صورا ولوحات تعكس حركية المدينة وساكنتها من خلال المتاجر والحرف والأسواق المتنوعة.

كما يضم متحف دار العدي رسما لمدينة تطوان يعود لسنة 1572 وهو من أقدم الرسومات التي جسدت المدينة، رسم من طرف بحار إسباني مر من سواحل المدينة.فإسبانياتضم غالبية التحف والصور واللوحات التي توثق لمدينة تطوان بحكم القرب الجغرافي بينها وبين المغرب وبحكم المشترك الثقافي بين البلدين.

وبعيدا عن الصور واللوحات، تخصصت القاعتين الخامسة والسادسة بالتوثيق للمدينة من خلال الطوابع البريدية والكتب والمجلات والصحف واللوحات الاشهارية والبطائق البريدية. ليترك المجال في القاعة السابعة والأخيرة للتأريخ لأهم وأكبر المحطات التي مر منها متحف دار العدي من خلال شهادات حية عايشت المكان والتحول الكبير الذي طرأ عليه.

رحلة بحث وعشق وطني

وفي حديثه عن روح المتحف، يقول السيد جلال العدي مؤسس المتحف أن فكرة الفضاء تقوم على تجسيد تاريخ تطوان من خلال الصورة، مبرزا أن العمل على تنفيذها على أرض الواقع استغرق أزيد من 8 سنوات من البحث عن اللوحات والصور التي أبدعها رسامون وفنانون وشخصيات مرت من تطوان، والتي توجد في أرشيف عدد من المؤسسات الدولية والمكتبات والمتاحف بكل من المغرب وإسبانيا وبلجيكا وفرنسا ونيوزلندا. فالمعروضات تبرز بوضوح كيف تغيرت المدينة على مر التاريخ بين القرنين السادس عشروالعشرين، من خلال ريشة الرسامين ومخطوطات بعض المسؤولين، وكذا من خلال تذكارات وصور قديمة ومجموعة من الطوابع والبطاقات البريدية التي استُلهمت من مدينة تطوان، موضحا أن أقدم رسم لتطوان في هذا المتحف يعود لعام 1572 ويجسد إحدى اللوحات المرسومة على جدران قصر الجنرال الإسباني ماركيز دي سانتا كروز.

حوالي 5 في المائة من مساحة متحف دار العديخصصت في الطابق الارضي لرواق المكتبة وهيتضم كتبا ترتبط أساسا بمدينة تطوان والهدايا التذكارية للفضاء، وهي المساحة نفسها التي يشغلها رواق المقهى. ركن خصص لاستراحة الزوار مع تناول بعض المشروبات. دفئ الفضاء يشعر الزائر بأنه في مكان استثنائي مدهش ويوفر المتعة والفائدة والراحة.

وقد أعلنت اليونسكو دار العدي موقعا للتراث العالمي.فهو فضاء ثقافي يساهم في تعزيز جهود العناية بالموروث المادي واللامادي لمدينة تطوان بمختلف روافده المغربية والأندلسية، وهي مبادرة تساهم في حفظ الذاكرة الجماعية لمدينة تطوان وتبرز خصائصها العمرانية.

وبالإضافة إلى المعرض الدائم، تعمل دار العدي، بالتنسيق مع مؤسسات أخرى، على تنظيم مؤتمرات ونشر منشورات وتشجيع البحث حول تاريخ وثقافة تطوان. «ومن المؤكد أن هذه المساحة تمثل محاكاة لاستعادة تراثنا المعماري ومثالا جيدا للاستثمار في صناعة الثقافة، مع ما يترتب على ذلكمن تنمية السياحة التي تولد فرص العمل والثروة لبلدنا». كما يقول الساهرون على المتحف. كما أن المتحف يهدي للزائر سفرا عبر التاريخ ويتحفه بعراقة المعمار المغربي الاندلسي ويزكي فيه روح الانتماء والحرص على الموروث الثقافي لبلادنا.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version